قراءة في الزيارة الاخيرة لأمير قطر الى الولايات المتحدة… بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

قراءة في الزيارة الاخيرة لأمير قطر الى الولايات المتحدة… بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

الزيارة التي قام بها مؤخرا أمير قطر الشيخ تميم الى الولايات المتحدة أظهرت وأكدت مرة اخرى مدى إرتباط قطر بالولايات المتحدة ومدى إستغلال الادارة الامريكية للتناقضات بين الدول الخليجية وخاصة بين قطر من ناحية والسعودية والامارات من ناحية اخرى والتي لا يتعدى جوهرها في الصراع على النفوذ في مجلس التعاون الخليجي والمنطقة بشكل عام وخاصة في التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية كما إتضح جليا في مصر وتونس وسوريا وليبيا الى جانب محاولة التأثير على الساحة الفلسطينية والاصطفاف مع فريق ضد فريق آخر.
وامير قطر يعمد الى زيارة الولايات المتحدة سنويا والإلتقاء بالعديد من طاقم الادارة الامريكية الى جانب أفراد من الكونغرس الامريكي والمراكز القريبة من صناع القرار. ولا شك ان جانب من هذا يعود الى حاجة قطر لتامين الدعم الامريكي لها ومنع السعودية والامارات من التمادي في عدوانيتهم تجاه قطر وتحويلها الى محمية سعودية كما هي الان البحرين. وقد سبق وان هدد ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في بداية الازمة مع قطر بإحتلال قطر وقيل عندها ان الولايات المتحدة هي من اوقفت الغزو السعودي المدبر على قطر. وعلى اثرها قامت تركيا بإرسال وحدات من الجيش التركي الى قطر واقامة قاعدة عسكرية تركية بها لارسال رسالة الى السعودية ان تركيا ستعمل على حماية قطر.
ومما يجب التأكيد عليه ان قطر كغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي ملتزمة بالدرجة الاولى بالسياسة والاستراتيجية الامريكية بالكامل في المنطقة. وهذا ربما ما اكده الرئيس ترامب الذي أشار الى متانة الشراكة الاستراتيجية القوية بين قطر والولايات المتحدة وعلى انها وصلت الى درجات عالية غير مسبوقة.
ومما لا شك فيه ان الزيارة قد اتت في ظرف زمني تتصاعد فيه التوترات بين الولايات المتحدة وإيران وإنعكاس هذا على زعزعة الاستقرار في منطقة الخليج برمته. ومن هذا المنطلق من المؤكد ان إيران كانت حاضرة على جدول الاعمال والحوار مع الادارة الامريكية وخاصة وان ما ستؤول اليه الاحوال مع إيران سيكون له أثر مباشر على الانتخابات الامريكية الرئاسية القادمة. ومن الضروري الاشارة هنا الى أن علاقة قطر مع إيران هي علاقات قوية ومن هنا يمكن لادراة ترامب استغلال هذه العلاقة في إيصال رسائل الى طهران أو حتى قيام الدوحة بدور الوسيط من ابواب خلفية كما تفعل سلطنة عمان حاليا. وقطر تربطها علاقة إقتصادية قوية مع إيران في مجال الغاز الطبيعي حيث تتشارك كل من الدولتين في احد آبار النفط الغاز الذي يقع على الحدود البحرية لهما في مياه الخليج والذي يحوي على ما يقرب من 14 ترليون متر مكعب من الغاز وهذا يشكل 8% من إجمالي الاحتياطات العالمية.
ولم يفوت أمير قطر الفرصة للتأكيد على صلابة العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة وعلى صفقات شراء الاسلحة الامريكية القائمة وربما يكون هذا مؤشر للالتزام الدائم بشراء هذه الاسلحة وعدم التقرب من الصناعات العسكرية الروسية وخاصة وأن هنالك بعض التقارير التي اوردت ان هنالك بعض الدول الخليجية تنوي شراء طائرات س-35 وكذلك منظومة صواريخ س-400 الروسية. وبحسب وسائل الاعلام القطرية فقد ارسل البنتاغون في نهاية شهر يونيو الماضي الطائرات المقاتلة ف-22 المتعددة الاغراض والتي تستخدم تكنولوجيا التخفي الى قاعدة العديد الجوية التي تعتبر أكبر القواعد الجوية الامريكية خارج الولايات المتحدة وبها اكثر من 15000 جندي امريكي وهذا ما يقارب 33% من تعداد القوات الامريكية المتمركزة في القواعة العسكرية في دول الخليج والتي يبلغ تعداها ما يقرب من 46000 جندي موزعين على الكويت والامارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والسعودية.
وتأتي هذه الخطوة والتي تمثل تعزيزا للقدرات الهجومية الامريكية في منطقة الخليج في إطار حملات التصعيد الاعلامية والسياسية والتهديد باستخدام القوة العسكرية الامريكية مع إيران. وفي الوقت التي تترفع فيه سخونة الموقف في الخليج بما يسمى “حرب ناقلات النفط” وزعزعة الاستقرار وأمن الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز نتيجة السياسة الامريكية الخرقاء وقرصنة البحرية البريطانية التي ما زالت تحتجز ناقلة نفط إيرانية في منطقة مضيق جبل طارق بناء على الاوامر التي تلقتها من البيت الابيض.
وقد انتهز الرئيس ترامب هذه الزيارة بالضغط على الامير القطري بالتوقيع على عقود تجارية مع شركات امريكية مثل بوينج, وجنرال اليكتريك, ورايثون, وشيفرون, وفيلبس وكلها طبعا لمصلحة الاقتصاد الامريكي والعمالة الامريكية. وبحسب الرئيس ترامب إن التعاون مع قطر كان من نتائجه خلق فرص عمل جديدة في أمريكا. ولا شك ان حلب دول الخليج بمئات المليارات من الدولارات سواء من خلال صفقات الاسلحة أو من الاستثمار في مشاريع داخل الولايات المتحدة من بنى تحتية وغيرها قد أدى الى تحسن في الاوضاع الاقتصادية لامريكا وهذه الورقة سيسخدمها ترامب في حملته الانتخابية للرئاسة لولاية ثانية لعام 2020 . وخلال مأدبة العشاء الذي اقيم عند زيارة امير قطر الاخيرة للولايات المتحدة قال ترامب على ذكر إيجاد فرص العمل ” نشكر الله انها كانت في معظمها من أموالكم وليس أموالنا. في الحقيقة وهذا أفضل انها كانت كلها من أموالهم وليس من أموالنا”. وقد سبق وأن دفعت قطر كل الاموال الازمة لبناء قاعدة العديد الجوية الامريكية وتعهدت بدفع كل تكاليف الصيانة وربما تدفع معاشات الجنود المتواجدين في القاعدة والخدمات التي تقدم لهم ايضا.
وفي مجال توقيع العقود والصفقات التجارية وعلى سبيل المثال فقد تم توقيع اتفاقية بين شركة قطر بتروليوم وشركة شيفرون فيلبس الامريكية للصناعات الكيماوية على تنفيذ إنشاء مشروع دولي للبتروكيماويات على الشاطىء الامريكي في خليج المكسيك كلفته 8 مليارات دولار وهذا سيمثل اكبر مصنع في العالم لتكسير الهيدروكربون العالية في البترول لانتاج ما يقرب من 2 مليون طن من مادة الايثلين ذات الاهمية الكبيرة للصناعات البتروكيماوية. أما العقود التجارية التي وقعت مع شركة جنرال اليكتريك فقد فاقت 5 مليارات دولار وهكذا دواليك. ومن الضروري التنويه على ان هذه الشركات العملاقة العاملة في مجال الطاقة او المرتبطة بالمجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة تلعب الدور الاكبر في تحديد المرشح للرئاسة في امريكا سواء من خلال استعمال نفوذها الاعلامي أو المالي حيث تقوم بالتبرعات لصالح مرشح دون الاخر لانها تعلم ان هذا سيدر عليها مزيدا من الصفقات التجارية والتسليحية مع الدول الحليفة والصديقة والادوات من خلال الادارة الامريكية. والمثال الاكبر على هذا هو ما قدمه الرئيس ترامب لهذه الشركات التي كل همها هو تحصيل الارباح والابقاء على عجلة الانتاج في مصانعها من خلال العقود والصفقات.
أما عن ردود الفعل الخليجية فقد جاءت كما هو متوقع من السعودية والامارات اللتان تتنافسان مع قطر في كسب مودة ساكن البيت الابيض. فبينما اشار القائم بالاعمال الامريكي في قطر ويليام جرانت على الاهمية الكبيرة لهذه الزيارة فقد حاولت كل من السعودية والامارات للتقليل شأن من هذه الزيارة كما هو متوقع. ومن المضحك ان تعليق أحد الامراء السعوديين على الزيارة لم ينصب على الجانب السياسي بل إنصب على حجم الصفقات المبرمة بين قطر والولايات المتحدة. حيث ذكر ان قيمة الصفقات والاستثمارات التي عقدت بين قطر والولايات المتحدة على مدى السنوات الماضية كانت اكبر من الناتج المحلي القطري البالغ 186 مليار دولار بينما الصفقات والاستثمارات السعودية كانت 400 مليار دولار اثناء زيارة ترامب للسعودية مقابل 800 مليار دولار للناتج المحلي السعودي. أما انور قرقاش وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية فلقد علق على صفحته على التويتر ” زيارة الشيخ تميم إلى واشنطن جاءت بعكس المرجو منها فالانسلاخ عن المحيط مكلف وشعار السيادة لا يحفظه هدر السيادة، حقائق لن تغطيها مبالغات إعلامية أو استثمارية أو انفاق سخي على القواعد، سياسة الأب بلعبها على التناقضات سقطت والإبن يدفع الثمن ماديا ومعنويا”. وكأن اي من الدول الخليجية ومن ضمنها الامارات تملك قرارها السيادي خارج إطار البيت الابيض.
عندما قامت الخلافات بين قطر من طرف والسعودية على وجه التحديد التي استطاعت ان تحشد الامارات ومصر والمحمية السعودية البحرين الى جانبها في الصراع مع قطر كانت السعودية تعول على ان تقف الولايات المتحدة الى جانبها. وبدأت نشر الاشاعات حول خلاف مع قطر وأن أمريكا قد تعمل على نقل قاعدة العديد الجوية وغيرها من الاكاذيب ولكن الادارة الامريكية لم تقم بأي من هذه الخطوات بل عملت على استغلال هذا الخلاف لحلب اطراف النزاع. والزيارات المتكررة لامير قطر والحفاوة التي يستقبل بها في واشنطن إنما هي دليل واضح على ان الولايات المتحدة لن تتخلى عن قطر لصالح السعودية والامارات وأنها في نفس الوقت لن تعمل على إنهاء الصراع بينهما لان الابقاء على الخلاف يتيح لها اللعب على الطرفين للقيام بكل ما تطلبه الادارة الامريكية منهما.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023