قضية ساخنة: مناورات أردوغان- صناعة أحداث أم شراء للوقت؟

قضية ساخنة: مناورات أردوغان- صناعة أحداث أم شراء للوقت؟

كثيرة هي المواقف التي يطلقها الرئيس التركي في هذه الأيّام، بدءاً من الحديث عن عملية عسكرية مشتركة مع روسيا وإيران لمكافحة الإرهابيين في إدلب، وليس انتهاءً بالحديث عن ضمّ كل من العراق ولبنان إلى مسار المفاوضات في أستانا.

الرئيس التركي الذي “يحاول أن يظهر بمظهر صانع الأحداث”، وفق تعبير الرئيس الأسد، يدرك جيّداً حتميّة المعركة العسكرية في إدلب، النقطة الأكثر أهميّة في مفاوضات أستانا، وبالتالي تصبّ كل مناوراته في إطار منع أو تأجيل هذه العملية العسكرية.

أردوغان الذي عارض بشدّة قبل أشهر العملية العسكرية في إدلب ومنعها قبل الانطلاق بفترة وجيزة، يدرك اليوم أن أحاديثه السابقة عن صفقة مع الإرهابيين لم تعد تجدي نفعاً بعد فشل تجربة الأشهر الماضية، ومن هنا يبحث الرئيس التركي عن أساليب أخرى قد تحقّق الغاية نفسها.

لا تبدو مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واضحة، بل ينتابها الكثير من الغموض الذي ينمّ عن نوع من الضعف والارتباك في تحقيق الأهداف التي رفعها منذ بدء الأزمة السورية، وهنا تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:

أولاَ: يدرك أردوغان جيّداً أن المسار السياسي لمفاوضات أستانا لا يصبّ في مصلحته، ولاسيّما في ظل التناغم السياسي بين كل من الرئيسين بوتين وروحاني، وبالتالي يعمل على الحديث عن ضمّ كل من سوريا ولبنان إلى هذه المفاوضات لأهداف تتعلّق بشكل المفاوضات من جهة ومضمونها من جهة أخرى.

ما يريده أردوغان هو تمرير المزيد من الوقت ريثما تنجلي ضبابية الخروج الأمريكي من سوريا من جهة، وعدم الظهور بمظهر الخاسر من العملية العسكرية في إدلب من جهة أخرى.

ثانياً: ما سعى إليه أردوغان قبل أشهر هو الحديث عن الحلّ السياسي في إدلب رغم علمه المسبق بسيطرة جماعاته والجماعات الإرهابية على هذه المناطق واستحالة الدخول بحلّ سياسي.

يعلم أردوغان جيّداً، كما إيران وروسيا والدولة السورية، أن الزمن يخدمه والجماعات التي تعمل لحسابه في إدلب لا أكثر، اليوم وبعد فرصة الحل السياسي التي قدّمتها كل من إيران وروسيا سابقاً لم يعد بإمكانه المناورة كالسابق لذلك يسعى لتمرير الوقت عبر ضمّ هاتين الدولتين الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى تأجيل صدور أي قرار مصيري كعملية إدلب.

إن الأمور التقنية لمسار دخول هذه الدول إلى المفاوضات، ولاحقاً ارتفاع عدد اللاعبين وكثرة الآراء ستؤدي بطبيعة الحال إلى تأجيل صدور أي قرار مصيري، وربّما الاختلاف عليه أكثر فأكثر، الأمر الذي يصبّ في مصلحة أردوغان أوّلاً وأخيراً.

ثالثاً: لا ندري إذا كان هناك تنسيق حول هذا الأمر بين أمريكا وأردوغان “الإخونجي” والأجير الصغير عند الأمريكي، كما وصفه الرئيس الأسد.

رغم اختلاف المواقف بين تركيا وكل من لبنان والعراق حول المسألة السورية، إلا أن وجود قواسم مشتركة كاللاجئين من جهة، والقدرة الأمريكية على التأثير على قرارات هذه الدول من جهة أخرى قد دفع بأردوغان للزجّ بأسماء هذه الدول.

قد يسعى أردوغان لتقديم تنازلات للجانب العراقي حول الوجود العسكري مقابل تصويت العراق لوقف العملية العسكرية في إدلب، وهذ الأمر سواء حصل أم لم يحصل سيصبّ في مصلحة تركيا عبر شراء المزيد من الزمن، لا نستبعد أن يطرح أردوغان لاحقاً الأردن كونها أيضاً أحد دول الجوار السوري وتستضيف اللاجئين، وبالتالي يقدّم رؤية جديدة تهدف لزعزعة الطاولة وشراء المزيد من الوقت تحت شعار أن دول جوار سوريا هي أكثر من تأذت مما حصل في سوريا، وبالتالي هي التي يجب أن تشارك في تقرير المصير.

لم يطرح أردوغان اسم الأردن حالياً خشية استفزاز كل من إيران وروسيا نظراً لفاعلية التأثير الأمريكي على القرار الأردني، ولكن من غير المستبعد طرحه لاحقاً.

رابعاً: لم يستبعد الرئيس أردوغان إمكانية خوض بلاده عمليات عسكرية مشتركة مع روسيا وإيران في محافظة إدلب السورية إذا اقتضت الضرورة ذلك.

العبارة التي أراد أردوغان المناورة فيها على الخيار العسكري الذي تركّز عليه كل من إيران وروسيا بعد فشل الخيار السياسي مع الجماعات الإرهابيّة، أرفقها بالجملة التالية “راحة وسعادة وازدهار السكان في إدلب، والأمر الأهم بالنسبة إلينا هو سلامة الناس هناك”، في محاولة منه للعب مجدّداً على الحبال الزمنية للعملية العسكرية، ما أراده أردوغان من هذه الكلمة أن تكون مقدّمة لأي سيناريو مرتقب في إدلب.

خامساً: يمكن تفسير كلام أردوغان على أنّه نوع من النزول عن السلّم بشكل تدريجي، أردوغان الذي “يغضب تارة، ويثور ويهدد تارة، ومؤخراً بدأ ينفذ صبر أردوغان”، وفق وصف الرئيس الأسد، لا يريد الخروج منكسراً أمام كل من روسيا وإيران وبالتالي تحدّث عن ضم كل من العراق ولبنان ليقول إن التوافق الإقليمي أفضى إلى الحل العسكري، وليس روسيا وإيران.

إن حديث أردوغان عن العملية العسكرية المشتركة يندرج في الإطار نفسه حيث يريد الخروج بهيئة المنتصر في هذه الأزمة.

عوداً على بدء، يبدون أن كل مناورات أردوغان التي يسعى فيها لتقديم نفسه على أنّه صانع الأحداث في سوريا، هي في الحقيقة محاولات لشراء المزيد من الوقت لا أكثر لكن موسكو وطهران ودمشق لن يصبروا طويلاً على تركيا.

أردوغان يعلم جيّداً أن آراء العراق ولبنان ستكون أقرب إلى إيران وروسيا من تركيا، لكنها وإن لم تطل أمد وقف العمليات في إدلب فإنها ستحفظ ماء وجه أردوغان، فمن يعرف أردوغان جيداً، يدرك أنه لا يتكّلم عندما يكون قادراً على الفعل، ويعلو صوته عندما يبدو عاجزاً أو فاقداً لزمام المبادرة.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023