قمة كوالالمبور: هل تكون منطلقا لعمل اقتصادي اسلامي حقيقي؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

قمة كوالالمبور: هل تكون منطلقا لعمل اقتصادي اسلامي حقيقي؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

خمسون عاما مرت على انشاء منظمة التعاون الاسلامي(1969)، ولو بسطنا البحث في ما تمخَض عن مؤتمراتها واجتماعاتها الموسعة والمصغرة، لما وصلنا الى قناعة بجدوى انشائها ووجودها، ومن أمّل منها انجازا وانتظر باكورته، رجع وقد تبددت آماله بخفّي حنين، وإذا أضفنا اليها ثلاثون عاما، مرت على تأسيس اتحاد المغرب العربي (1989)، ازدادت حيرتنا وانتهت بنا تأسيسات حكامنا وأمنياتهم الكاذبة الى سراب لم يعد يعني لشعوبنا شيئا، فنفضوا أيديهم منه، وفقدوا أي أمل في أن يقطفوا من تأسيسه ثمرة صالحة، تعود بالنفع عليهم، وهي شعوب غارقة في التبعية للغرب ومنظومته الاستغلالية، الجاثمة بكلكلها على دول ما اصطلح عليه بالعالم الثالث.

وفي حين نجح الأوروبيون انشاء اتحادهم، وتحققت بسرعة بإمضاء عدد من الدول الاوروبية، على اتفاقية ماستريخت سنة 1992، ويعتبر قوة اقتصادية لها وزنها في العالم، حافظا لمصالح أوروبا، في مواجهة التغوّل الأمريكي، وتنامي المارد الصيني، والاتحاد يضم اليوم 28 دولة في عضويته، فشل حكامنا في تحقيق شيء يعود علينا كشعوب مستضعفة بفائدة تذكر.

ازاء هذا الوضع الخطير، استشعر بعض حكام الدول الاسلامية الخطر المحدق ببلدانهم، بسبب السياسة الاقتصادية الامريكية المجحفة بحق دول، تريد اخضاعها لإرادتها، رأوا فيه ناقوس خطر دقّ جرسه عليهم، ودائرة الغضب قد تتسع بحسب المصالح الامريكية لتشملهم، ولئن تأخرت هذه المبادرة الى حد القمة المصغرة، التي دعا اليها الرئيس الماليزي مهاتير محمد، في عاصمة بلاده كوالامبور، ولبى دعوتها كل من الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وممثلون عن 18 بلدا، ومشاركة 450 عالما ومفكرا، وقد انطلقت اشغالها يوم الخميس 19/12/ 2019 ، للبحث عن استراتيجية جديدة في التعامل، مع القضايا التي يواجهها العالم الاسلامي.

هذه القمة التي اقيمت بعد لقاء جمع بين الرؤساء الباكستاني، والماليزي، والتركي، في سبتمبر الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يستسغها وليّ العهد السعودي، فعمل على عرقلتها، بسبب مشاركة الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني، فرفض أولا الدعوة التي وجّهت اليه للمشاركة، وفرض على الرئيس الباكستاني عدم المشاركة فيها بالتهديد، ومن ذلك اعادة ملايين الباكستانيين العاملين بالسعودية الى باكستان، فنزل عند رغبته، بينما أصرّ الرئيس الماليزي مهاتير محمد على المضيّ في المشروع الإسلامي، ولم يعر التماس السعودية ولا تهديدها أي اهتمام .

تعذّرُ الملك سلمان وابنه، أنه لا يمكن السماح بانعقاد مؤتمر دون ان يكون تحت مظلة منظمة التعاون الاسلامي، بينما اعتبر الرئيس الماليزي ان اقامته بالعنوان الخاص به وببلاده، كمؤسسين لمجال عمل اسلامي جاد، لا يتعارض مع الاهداف العامة، التي تأسست من اجلها منظمة التعاون الاسلامي، ولكنها لم تبلغ الى اليوم طموحات الشعوب الاسلامية.

لقد كشفت هذه المواقف المتناقضة زيف منظمة التعاون الإسلامي، من سوء إدارة، وضعف أداء سياسي واقتصادي، حصرها في مجرّد برتوكولات، قائمة بين أنظمة، لم تهيء لها مجالا حقيقيا لإفادة شعوبها.

ويبدو اننا سنشهد افول منظمة التعاون الاسلامي، التي هرمت وتبيّن عقمها، والقمة التي انعقدت في ماليزيا تراها السعودية – متوهّمة الزعامة – تمرّدا عليها، مع أن الهدف الذي أعلن متعلّق باقتصاديات البلاد الاسلامية، الواقع تحت تهديد العقوبات الاحادية الجانب من امريكا، وقد أشار الى ذلك الرئيس الماليزي بقوله: (مع وجود دول في العالم تتخذ قرارات أحادية الجانب، لفرض مثل تلك الإجراءات العقابية، يتعين على ماليزيا وغيرها من الدول، أن تأخذ في الحسبان دائما، أن العقوبات قد تفرض على أي دولة منا.)

ومن بين المقترحات المطروحة بين بلاده وكل من ايران وتركيا وقطر، بحث تنفيذ المعاملات التجارية فيما بينها بالذهب، ونظام المقايضة، كنوع من الحماية من أي عقوبات مستقبلية محتملة عليها، ومن هنا باستطاعتنا القول بأن زمن الخروج من حساب الدولار في التعاملات الاقتصادية قد بدأ اسلاميا، مسنودا بدعوات اخرى، للتخلي عنه من دول عديدة كالصين وروسيا، وخروج الدولار، وعدم اعتماده في التعاملات في التجارة العالمية، من شأنه أن يتسبب في سقوط قيمته سقوطا مدوّيا.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023