قوة إرادة الشعب اليمني في مواجهة العدوان…بقلم محمد الرصافي المقداد

قوة إرادة الشعب اليمني في مواجهة العدوان…بقلم محمد الرصافي المقداد

اليمن العريق  بتاريخه وأصالة شعبه، عرف باليمن السعيد قديما، عندما كان الرجال يصفون الأشياء على حقيقتها، أرض طيبة وشعب خلوق، وعراقة وأصالة عربية، لم يسبقه اليها غيره اليمني، امتدت إليه أيادي القوى الآثمة، في محاولة لثني إرادة شعبه، بعد ثورته التي أطاحت بأحد أخبث عملاء حكامه في تاريخه المعاصر، فقلبت حياة شعبه وأمن بلاده الى جحيم مستعر، تواصل للسنة الخامسة على التوالي، ولا يزال متاججا، مستهدفا كل متحرك في اليمن، عسكريا كان أم مدنيا، حضارة ومرافق، مستجمعا في تحالفه الآثم دولا عربية  سقط منها الحياء، وذرت قيمها رياح الطمع، وعاقبة كل طامع وخيمة، إذا جاءت من باب الإرتزاق على حساب حقوق الشعوب ومصالحها.

لا شك أن الجرائم التي أرتكبت بحق الشعب اليمني المستضعف كثيرة ومتعددة، وهي في مجملها جرائم حرب، تستوجب القصاص من مرتكبيها، الذين يجب أن يحالوا على محكمة العدل الدولية، وغض الطرف على وقائعها من طرف المجتمع الدولي، يعتبر  بحد ذاته جريمة أخرى، يجب أن تدان شعبيا على الأقل، طالما أن أغلب حكوماتنا متواطئة بالصمت على ما جرى ويجري من تجاوزات، تتعارض مع الدين والعرف والانسانية، لو ارتكبت بحق شعب آخر، لا تتعارض مبادئه مع القوى الغربية المهيمنة على العالم، لقامت الدنيا ولم تقعد، من أجل مناصرته والوقوف الى جانبه.

لكن منذ سنة تقريبا، انقلبت موازين الحرب الظالمة، لتتحول الى صالح الجيش اليمني، والقوى الشعبية المشتركة معه في صد العدوان، لتشكل سلسلة من الانتصارات اذهلت قوى العدوان وأربكت حسابات من كان ينتظر رضوخ الشعب اليمني لأعدائه، وسقطت جميع أعذار ومبررات من اتخذ من عاصفة الحزم ومن عنوان الشرعية المزيف، سبيلا لاستمرار عدوان ما كان له أن يقع لولا الاملاءات الامريكية الصهيونية.

أما لماذا أؤكد على التورط الامريكي الصهيوني في دفع عملائه، لشن حرب ظالمة، بعنوان شرعي على الشعب اليمني، وهو في بداية طريقه الثوري الجديد؟ فلأن من أخذ على عاتقه تحقيق استقلال وعزة اليمن، هم هؤلاء الذين تأكدوا أن أكبر وأخطر أعداء العرب والمسلمين – واليمنيون منهم – هي الصهيونية العالمية، المنتشرة بين حكومات الغرب، وفي مقدمتها أمريكا، لذلك فإن شعارهم المرفوع في تظاهراتهم ومناسباتهم، واضح لم يخفوه على احد، لأنهم لا يخافون فيه لومة لائم.

وما يجز في النفس حقا، أن يقف الشعب اليمني بين الشعوب العربية في حالة غربة وتجاهل، وهو يواجه أسوأ عدوان عرفه العصر الحديث، بعد العدوان الامريكي على فييتنام، دون أن يجد جبهة معارضة لذلك بين الدول العربية والعالمية، باستثناء بعض ممن منعتهم قيمهم مبادئهم التزام الصمت، أو التواطؤ مع من مضى الى مشاركة المعتدين، ومشاركتهم في جرائمهم، بالطائرات والآليات والجيوش.

لقد استمدت المقاومة اليمنية من قوله تعالى : (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) دفعا معنويا للوقوف في وجه العدوان المرتكب بحقهم، حوّلوه الى عامل نصر، غيّر حالة الاستضعاف التي ابتلي بها بسبب السياسات العقيمة، التي كانت تحكمهم قبل الثورة، الى قوة كبرت اليوم لتتحول الى واقع ثابت ليس من الممكن تجاوزه لا بالتجاهل ولا بالقوة.

عوامل نجاح المقاومة الثورية اليمنية عديدة، بدأت بالثلة المؤمنة من أحرار اليمن، زادها الصبر الذي تحلى به الشعب اليمني، حتى أصبح مثالا يضرب في الاستماتة على المبادئ، وعنوانا لائقا بشعب استضعفته القوى الكبرى الظالمة، والمهيمنة على دول وشعوب العالم، جعلت منه نموذجا فريدا من نوعه في هذا العالم، يبني عليه شرفاء الانسانية، إصرارا على مواجهة القوى الشريرة على الأرض.

الحالة اليمنية سواء كانت على المستوى الشعبي أو الحكومي، ليس بمقدور أي شعب أو حكومة عربية مجاراتها، فهي لم تأتي من فراغ كما أشرت سابقا، وإنما تأسست على القيمة الأخلاقية التي عرف بها شعب اليمن، ومنها استمد صبره، وعمل بمقتضاه على دحر العدوان، فارضا نفسه كمعادلة جديدة، في عالم الشعوب المستضعفة، جدير بأن يمثل قدوتها، في تغيير حالها الارتهاني للقوى الكبرى وعملائها، وتحقيق الاستقلال الحقيقي بدل الاستقلال الصوري، وتخليص شعوبها من تبعية لم تقدّم لهم شيئا، واثبتت عقمها على مدى أكثر من نصف قرن.

نجاح الحكومة الثورية اليمنية في جمع شتات الشعب اليمني، في اقناع رؤساء قبائل(الجوف)، بمساندة المسيرة الثورية المقاومة للعدوان، الذي استباح كل بقعة في اليمن، فقد تمكنت قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية سيطرتها على مدينة الحزم، مركز محافظة الجوف، بالتعاون مع قبائل المحافظة، وبذلك تصبح محافظة الجوف ثالث محافظة يمنية، تمتلك شريطاً حدودياً كبيراً مع السعودية، تسقط تحت سيطرة قوات الجيش واللجان، بعد محافظتَي صعدة وحجة، ويبدو أن محافظة مأرب المجاورة لها، هي المرحلة التالية التي تعتزم قيادة صنعاء، بدء عملياتها العسكرية، لاستكمال السيطرة عليها.

الضربات الدقيقة والموجعة، التي وجهتها قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية، الى مرتزقة العدوان، سواء على الصعيد الميداني العسكري، او على والصعيد الاقتصادي، بضرب مجمع ارامكو النفطي مجددا للمرة الثانية، مخلفا فيه أضرارا هامة، اجبرته على تعطيل اقسامه المستهدفة، ووقف الانتاج فيه، يعتبر تحوّل نوعي هام، من شأنه إن تواصل، أن يقضي على آمال المتورطين في العدوان على اليمن، بمواصلة عملياتهم العسكرية.

وما سنشهده مستقبلا في الشأن اليمني، سيثبت معنى الارادة الشعبية، اذا اجتمعت مع قيادتها السياسية، في مسار الثورة الحقيقية، النابعة من الحاجة الملحّة، الى الخلاص من التبعية والعمالة للغرب، وأدواته الخبيثة في عالمنا العربي.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023