كتب أحمد القديدي: من يبرمج الحرب على إيران و يهدد السلام العالمي؟

يتحرك رئيس حكومة “إسرائيل” نتنياهو ويزور عواصم أوروبية أبرزها باريس وبرلين بالتنسيق مع واشنطن بغاية معلنة رسميا وهي إقناع الدول الأوروبية بإلغاء الاتفاق بينها وبين إيران حول ملفها النووي أسوة بالولايات المتحدة وسجل المراقبون للشأن الشرق أوسطي أنه لا ماكرون ولا ميركل استمعا إلى “نصائح” نتنياهو بل بالعكس أكدا علنا في مؤتمرات صحفية مشتركة أنهما يعارضان الرئيس ترامب في قراره وما يزالان يعتبران أن الإتفاق الموقع في يوليو 2015 قادر على وقف السباق النووي ومنع إيران من الوصول إلى تصنيع سلاح نووي وأن طهران ملتزمة ببنود وشروط الاتفاق برقابة جدية من الوكالة الدولية للطاقة النووية التي يتاح لها التفقد دون إعلام مسبق لكل المفاعلات الايرانية وأكدا حرص ألمانيا وفرنسا على احترام الإتفاق ومواصلة التنسيق مع طهران دون إنخراط الحليف الأميركي في العملية. كما سجل المراقبون في الغرب موقف دول الجوار لايران هذا الموقف العقلاني من هذا الملف الحساس وحرص الدول الاسلامية على السلام الإقليمي والأمن العالمي ومساندتها لكل الجهود الرامية إلى الحفاظ عليهما في مرحلة حساسة يسمع فيها دق طبول الحرب ضد إيران مع تواصل العدوان الإسرائيلي على المتظاهرين الأبرياء على الحدود مع القطاع بقتل المواطنين الفلسطينيين أخرهم المسعفة الشهيدة رزان النجار وهي تؤدي رسالتها النبيلة.
في زيارتي الأخيرة لباريس أتيح لي أن أقابل بعض الأصدقاء من السياسيين الأوروبيين والأميركان الذين عرفتهم أيام المسؤوليات أو المنافي واكتشفت أن هاجسهم الأهم في ملف النووي الأيراني والتحريض الاسرائيلي هو التركيز على احتمال حرب تشن على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ظرف السنة القادمة والعلاقة بين هذا السيناريو الخطير وبين فهم السياسات الخارجية الأميركية الجديدة منذ اعتلاء الرئيس ترامب سدة الحكم وتنامي التوجهات اليمينية المتطرفة للحكومة الإسرائيلية الراهنة ثم تفكيك الشفرة لتحليل التناقضات المتصاعدة بين مصالح الدول الأوروبية ومصالح الولايات المتحدة هذه التناقضات التي بلغت حدا غير مسبوق على جبهتين إثنتين هما ملف النووي الإيراني وإعلان ترامب الحرب التجارية بفرض رسوم ضريبية على الصلب والمعادن والمواد المصنعة بقرار 6 مايو الحمائي و الذي يضع حدا للتحالف الغربي الأطلسي القائم منذ إنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية!! قال لي أحد الأصدقاء الفرنسيين إن أخطر ظاهرة على السلام في دول الغرب المرفهة هي هذا التصدع في صرح الوحدة الأطلسية الذي صمد أمام تهديدات الحرب الباردة على مدى نصف قرن و تمكن حلف الناتو القوي من تفكيك المعسكر الشيوعي و الانتصار عليه بدون حرب (بالإشارة إلى عنوان كتاب شهير للرئيس الأسبق ريتشارد نيكسن وهو النصر بلا حرب) وأضاف مخاطبي بأن هذا الصرح الغربي المشيد بدأ يتشقق بإرادة جناح متصلب لدى الراعي الأميركي حيث شرعت الدول الأوروبية بعد الزلزال تخطط لحماية مصالحها الإستراتيجية دون الاعتماد الكبير على المظلة النووية الأميركية وتذكرت حواراتي الشخصية مع صديقي الكبير الراحل (ميشال جوبير) وزير خارجية فرنسا في السبعينيات حين كان يتكهن بحلول هذا اليوم الذي تنفصل فيه عرى وأواصر التحالف الأميركي الأوروبي مما يضطر الاتحاد الأوروبي إلى سن سياسات دفاعية قوية أوروبية مشتركة بين دولها لا تعول فقط على الحليف الأميركي بل تبلغ حد الشريك الكامل لأميركا في الدفاع عن الغرب ضمن الحلف الأطلسي! اليوم وقع ما كان صديقي ميشال جوبير يتنبأ به و ينشره في الإعلام حتى أن نظيره الأميركي آنذاك الداهية الشهير هنري كيسنجر كان ينعته بأنه أخطر عدو أوروبي يهدد المصالح الأميركية!
الجواب على سؤالنا من برمج الحرب على إيران هو بسيط للغاية ويعيدنا لسؤال آخر قديم هو من برمج الحرب على العراق في عهد بوش الأب ؟ الجواب هو أن نفس المخططين للحرب العالمية الشاملة من المحافظين الجدد المتحالفين مع الأساطير التلمودية حين إخترعوا كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقي عام 2003 ثم اخترعوا فرية صفقة القرن اليوم مما يهدد السلام العالمي باتساع بؤر العنف والتطرف ويخل بالتوازنات التقليدية في العلاقات الدولية.
“الوطن العمانية”
شارك على :

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023