كتب محسن النابتي*: وثيقة قرطاج2 وتونس الى أين؟

تدحرجت الأمور بسرعة داخل القوى والمنظمات التي أعدت ووثيقة قرطاج 2 تحت عنوان الانقاذ الى اسوإ السيناريوهات، بحيث تحولنا من انقاذ تونس الى انقاذ وثيقة قرطاج 2 والتوافق الذي يجمع حزبي النهضة والنداء. وعلى كل ما حصل كان احد مآلات المحتملة منذ البداية وان كان اسوءها نظرا لدخول عوامل جديدة لم تكن موجودة اثناء اعداد وثيقة قرطاج 1 وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وأهم هذه العوامل هو نتيجة الانتخابات البلدية التي غيرت من ترتيب الحزبين وجعلت حركة النهضة تتصرف باعتبارها هي القوة الحاكمة وليس نداء تونس وهذا كان منتظرا، العامل الثاني هو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية 2019 وطغيان الحسابات في انتظار هذا الموعد، وأهم عامل في تقديري دفع الى هذا المآل هو التدخل الخارجي الذي بات مكشوفا وصفيقا في المشهد السياسي التونسي وترتيبه، بحيث تجاوز الامر املاءات صندوق النقد الدولي والتزام الشاهد بالتنفيذ الحرفي لها الى تدخل سفارات اجنبية ودول من أجل فرض خيارات بعينها، فلم يعد خافيا ولا سرا تشبث السفيران الفرنسي والامريكي وغيرهما بالسيد يوسف الشاهد ولم يعد خافيا الاستعدادات الدولية خاصة الاوروبية والأمريكية لاختيار رئيس تونس في 2019.

كيف تعاطت القوى الرئيسية الثلاثة الفاعلة مع هذه العوامل (وهي حسب رأي النداء والنهضة والاتحاد العام التونسي للشغل بدرجة اساسية)؟

فالنداء كان وفيا للارتجالية والتشنج والتسرع وهو ما كشف نوايا الحزب منذ الوهلة الاولى وهي انه غير معني كثيرا بالمضمون بقدر ما هو معني بترتيب المشهد وتمهيد الطريق لآل السبسي للاستمرار في الرئاسة بأي شكل، والظاهر انه لم يضع اي من العوامل الجديدة في حساباته كنتيجة الانتخابات البلدية وقرب استحقاق 2019 والدعم الخارجي للسيد يوسف الشاهد وأيضا ضعف كتلته البرلمانية وتخلي عدد كبير من الاحزاب المناصرة له وذات وزن برلماني مثل مشروع تونس وأفاق عليه والتي كان لها دور في وثيقة قرطاج 1 وإزاحة حبيب الصيد.

النهضة تبدو اكثر استيعابا للمستجدات فأرادت ايصال رسالة واضحة ان ما قبل الانتخابات البلدية ليس كما بعدها، وبدأت تعلن خروجها من جلباب الباجي في انتظار 2019 والاهم انها تريد الاستفادة في هذا الغرض بالذات من الدعم الخارجي ليوسف الشاهد لتقول لصندوق النقد الدولي من جهة انها الاكثر التزاما بوصفته التقشفية وبكل طلباته في الاطاحة بما بقي من المؤسسات والمنشات العمومية وأيضا توصل رسالة للقوى الخارجية التي عبرت عن دعمها للشاهد انها اكثر شريك موثوق لها في تونس، ومن هنا جاء تشبثها الكبير بالشاهد دون ان ننسى تفطن النهضة الى الهشاشة الداخلية الكبيرة لنداء تونس، ودعم الشاهد يعني ازمة اخرى وانشقاق اخر داخل هذا الحزب سيطال وزراء ونوابا قد يكون اخر الازمات التي ستنهي ما بقي منه.

الاتحاد العام التونسي للشغل مشاركته في المسار كله كانت مثار جدل كبير فمن جهة يعرف الاتحاد ان المنظومة القائمة لا تصلح ولا تصلح وان تناقضاتها لا علاقة لها بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية وإنما بمستقبل الحكم ومحاولتها حسم صراعاتها الداخلية قبل موعد 2019 ومع ذلك زج بنفسه في هذا المسار، ربما كان بهدف عرقلة الاندفاعة الكبير ة للحكومة الحالية تجاه ما يسمى بالإصلاحات الكبرى وفرض سياسات التقشف، وأراد الاتحاد استغلال حالة التناقض الداخلي لإعاقة مشروع تسليم مفتاح مقاليد الاقتصاد التونسي للدوائر المالية والقوى الاجنبية العالمية، ولكن اعتقد انه الان وجد نفسه جزء من ازمة حادة ووضع امام تحدي كبير يفرض عليه اما الذهاب الى رفض خيارات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية من خلال التعبئة العامة والمواجهة معها وتحمل كل ما سيترتب عن ذلك، أو العودة الى مسار الكواليس ومحاولة انقاذ مسار وثيقة قرطاج 2 بأخف الاضرار خاصة وان الاتحاد ليس معنيا مباشرة بانتخابات 2019 ، ولكن في كلتا الحالتين فان الاتحاد يواجه وضعا صعبا يتطلب حسب رأيي تغييرا جذريا في اليات التعاطي من محاولات التأثير الداخلي في مسار الاحداث والتعويل على التصدعات الداخلية في الائتلاف الى مواجهته من خارجه من خلال قيادة ائتلاف وطني يشترك مع المنظمة في كثير من خياراتها الاقتصادية والاجتماعية وأيضا في موضوع السيادة الوطنية. بقية القوى المشاركة في مسار وثيقة قرطاج 2 اعتقد انها بلا اهمية وليست سوى كمبارس عند احد الطرفين، ولكن يبقى السؤال مشروعا عن مآل الاوضاع . واعتقد اننا نتجه الى تصعيد كبير وصيف سياسي ساخن قد تكون نتيجته انفراط عقد التوافق وحينها لا مفر من موعد انتخابي سابق ولو بأشهر ولكن الازمة الحادة التي تعيشها البلاد ماليا واقتصاديا قد تلعب دورا كبيرا في ايقاف اندفاع الجميع نحو التصعيد فلا الوضع يسمح باللعب طويلا على حافة الهاوية ولا اللاعبين بارعين في اللعب الجيد على حافة الهاوية فالسقوط السريع اقرب اليهما من حبل الوريد وحينها لا يمكن التكهن بما ستؤول اليه الامور في تونس. ولكن هناك فاعل آخر حاضر بالغياب الى حد الان هو الجبهة الشعبية وبقية القوى الوطنية واعتقد ان ترك الامور تتعفن داخل الائتلاف الحاكم وسياسة ضبط النفس نجحت في ابعاد الجبهة الشعبية عن المساهمة في الازمة وهي من المرات القلائل التي تتجنب الجبهة الشعبية الرد الفوري والتعاطي الحيني مع الازمات،ولكن لا يجب لهذه السياسة ان تستمر طويلا لان الاوضاع يمكن ان تنزلق سريعا الى غير ما نتوقع وبالتالي حان وقت اخذ زمام المبادرة والعمل من خارج سياق الائتلاف الحاكم وخياراته ومشاوراته وفتح افق اخر للإنقاذ.

* الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي والقيادي بالجبهة الشعبية.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023