لا خيار … سوى كسر ظهر “الفساد والمفسدين” !!.. بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

لا خيار … سوى كسر ظهر “الفساد والمفسدين” !!.. بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

 

لا يوجد بلد يكاد يخلو من الفساد السياسي أو الفساد في مؤسساته، إلا أن تطور المجتمعات ومعايير الحوكمة والتحول الرقمي ساعد أرقى الشعوب (لا البلدان) في الحد من هذا الفساد وأصبح من النادر جداً أن تجده.. هناك بلدان عديدة قطعت خطوات كبيرة في مكافحة الفساد السياسي والفساد في مؤسساتها، إلا أن هذه البلدان كان لديها حكومات قوية وقرارات حاسمة لمكافحة هذه الظاهرة..

 

تمر تونس اليوم بأدق المنعطفات وأشدها خطورة ، كانت نتيجة حتمية لغياب الاستراتيجية الكفيلة بتطهير الفساد واجتثاث جذوره قبل أن يتمكن من النخر بمؤسسات الدولة ومقدراتها، ولربما أيضا لتفضيل الحكومات المتعاقبة الاستكانة لنمط كلاسيكي عقيم في إدارة مؤسسات وقطاعات الدولة وخصوصا تلك التي كان يعول عليها لتكون درعاً واقياً يحول دون بلوغنا هذا الواقع المؤرق المأزوم.. فكل متابع منصف، ولو بقليل من العقلانية والموضوعية، يعي ويدرك تماما أن أساس مشاكلنا السياسية والاقتصادية هو ثقافة الإفساد، التي تجذرت وتشعبت فروعها خلال العشرين سنة الماضية على أقل تقدير، فأفرزت الفاسدين الذين عاثوا في البلاد والعباد فسادا وظلما طال أخضر ويابس خيراتنا فكانوا سبب تأخرنا، بعد أن حطموا عجلات ومحركات التنمية والإستقرار التي طالما حلم بها وتمناها كل التونسيين لوطنهم منذ نشأته.

 

ولأن الفساد العريض والمستشري، والذي لا يمكن إنكاره وتجميله بأي شكل، هو السبب الأول والأخير وراء تراجع الاقتصاد والاستثمار وتدني الإنتاجية والأداء وزيادة معدلات البطالة وغياب العدالة في التوظيف وفي حصول الشباب على فرص العمل وضيق أحوال العباد، فلن يكون بإمكان الحكومة الحالية تحقيق الإصلاح الاقتصادي ودفع عجلة النمو والوفاء بوعودها إلا باتباع نهج جديد في محاربة الفساد وأساليبه والذي يعتبر في جوهره ونتائجه اصلاحا اقتصاديا بإمتياز، ولضمان تحقيق ذلك، فإن الأمر يتطلب اصلاحا إداريا جريئا ومستحقا يعالج الفساد بشقه الإداري الذي لم يلق الاهتمام الذي يستحق قبل الأن، كما يجب أن يسبق الاصلاح الاقتصادي الكفيل بتجاوز الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس . ويستدعي تحقيق ذلك مراجعة المنظومة الإدارية للمؤسسات و تطهيرها.. فعلينا أن ندرك بأن الفرق شاسع بين الفاسد والمفسد وبين الفاسدين والمفسدين وبين الفساد والإفساد، وبأن مشكلتنا ليست مع الفاسدين، لأنهم منحرفون بأنفسهم، ولكن مع المفسدين الذين يفسدون الأخرين; فلكل فاسد هناك مفسد يفتح له المجال ويمهد له الطريق للفساد ويزيل من أمامه العقبات، صحيح أن ضرر الفاسد عظيم وهائل ومؤذٍ، ولكن ضرر المفسد أكبر; فهو الذي يخلق البيئة والمناخ السرطاني الخبيث.. كما أن سرعة القضاء على الفساد، من وجهة نظري ونظر الكثيرين، ستجني عديدا من الثمار؛ من حيث استعادة المصداقية بالسياسات الحكومية وإجراءات الإصلاح في كافة المجالات، وخطب ودّ الاستثمار الأجنبي وخفض النفقات الحكومية من خلال انقاذها من الهدر وسوء الاستخدام، بالإضافة إلى ما تحمله من إشارات الثقة للمستثمرين الأجانب وتراجع شعور عدم اليقين لديهم في أن تكون تونس المقصد الأكثر أمانا لوجهة استثماراتهم وأعمالهم التجارية..

 

باتت دائرة كبيرة من التونسيين الشباب تواقين لرؤية تغيير جذري في الطريقة التي يُدار بها ملف مكافحة الفساد كفيل بإستعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها من أجل إنقاذ سفينة الوطن و تطهير مؤسساته، ويمكن تسخير هذه العاطفة الشعبية المؤيدة للتغيير والمتحمسة لسرعة التخلص من الفساد والمفسدين من خلال إحداث اشتباك إيجابي مع الأجهزة والمؤسسات المعنية لتعيين المساحات والآليات التي يمكن النفاذ من خلالها، مجتمعة على هدف الحدّ من الفساد وتمكين الإصلاح واستعادة توازن مفقود بين المؤسسات المختلفة، في مواجهة نخب مسيطرة بالتوريث أو النفوذ بتعاونها مع مجموعات من المتنفذين و العصابات وسيكون لهذا الاشتباك فوائده في صناعة الضمير والوعي المجتمعي بخطورة الفساد على استمرارية الدولة ومستقبل أجيالها ومحاصرة هذا السلوك ونبذه و مكافحته ، ويمكن لذلك أن يحدث في ظل الدعم الشعبي والتصميم الذي يبديه الرئيس قيس سعيّد الذي ما زال يحتفظ برصيد ثقة شعبية يمكن له أن يستند عليها فتشدّ ظهره وعضده.

 

الوطن ومستقبله وأبناؤه والحكومة لا يملكون جميعهم متّسع من الوقت لوقف طوفان الفساد وتطهير الوطن من الفاسدين والمفسدين بعد أن وصلنا الحلقة قبل الأخيرة، مما يجب أن نبدأ الآن دون تردد أو تأخير، لأنه لا صوت لمفسد أو فاسد يمكن أن يعلو فوق صوت الوطن، ولن يكون هناك عذر لأي كان بعد أن أطلق الرئيس صافرة الانطلاق.. و أمام الحرب على الفساد لا توجد خيارات إمّا الفساد وإمّا تونس..

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023