لا وحدة مغاربية دون قوة بحرية ضاربة.. 

 لا وحدة مغاربية دون قوة بحرية ضاربة.. 

بقلم فوزي حساينية-كاتب جزائري |

“..استنادا إلى السجلات البحرية التاريخية في المتاحف بأوربا عن القرن الثاني عشر الميلادي ( 6هـ ) يظهر تفوق المغاربة على غيرهم في بناء دور الصناعة وسائر أنواع المراكب المقاتلة، هذه القوة البحرية جعلت الموحدين يساهمون في حماية التجارة بالبحر الأبيض المتوسط من القرصنة بين الأطراف المتعاقدة، ويتحدث بن خلدون عن أهمية البحرية الموحدية في عهد الخليفتين يوسف والمنصور بأنها بلغت درجة لم تصلها من قبل ولا من بعد ..” هذه الفقرة التي نقرأها في كتاب… ” رسائل موحدية ” والذي حققه ودرسه أحمد عزاوي الأستاذ بجامعة بن طفيل بالقنيطرة في المملكة المغربية الشقيقة، تحتاج إلى وقفة تأمل واستشراف، ولو بإيجاز شديد.                   

– وما يمكن قوله تعليقا على هذا المقطع المُشرق من تاريخنا المغاربي، هو ما سبق وأن قلناه في مرات عديدة سابقة، من أنَّه لا معنى إطلاقا لأي مشروع يرمي إلى الاضطلاع ببناء الوحدة المغاربية إذا لم يأخذ بعين الاعتبار حتمية امتلاك المغرب العربي الموحد لقوة بحرية ضاربة، وهذه القوة البحرية لن تكون مجرد استجابة لأمجاد بحرية ماضية فحسب، بل ستكون أساسا استجابة لمقتضيات الجفرافيا أي لعبقرية المكان الذي تتمتع به المنطقة المغاربية ، فنحن كمغاربيين نطل على سواحل أهم و أخطر بحر في العالم، وهو البحر الأبيض المتوسط الذي يتقرر فيه مصير الإمبراطوريات الكبرى في العالم منذ بداية التاريخ..فضلا عن سواحلنا المطلة على المحيط الأطلسي، أين توجد جزر الخالدات الضائعة ( الكناري ) ويجب أن لا ننسى أن99 بالمائة مما تعرضنا له من أخطار عبر التاريخ جاءتنا عن طريق البحر، كما أن الكثير مما أنجزناه في ميادين السلم والحرب كان عن طريق البحر، فالبحر ليس فقط جزءً من جغرافيتنا بل إنه جزء من امتدادنا المتجذِّر في عصور التاريخ والأزمان الغابرة، وعلى ضوء هذه الحقيقة الساطعة يمكن لأي مغاربي يؤمن بالوحدة المغاربية، ويعتقد فعلا في وحدة المصير المغاربي، أن يقف بوضوح على مستقبل علاقتنا وحضورنا في عالم ، البحر الذي يتوسط بحار ومحيطات العالم. 

– ولذلك فإن الفينيقيين والقرطاجيين و النوميديين، كل هؤلاء كان لهم دورهم في الاهتمام بالقوى البحرية، ويمكن أن نتساءل هنا، هل امتلكت الدولة النوميدية في عهد ماسينيسا مثلا قوة بحرية مناسبة ؟ هل تمكنت دولة صيفاكس من بناء قوة بحرية ؟ الأمر ليس مستبعدا، فهناك مؤشرات تاريخية وأثرية قوية تُرجِّح ذلك، والتساؤل يبقى بعد ذلك مطروحا ومفتوحا،ومن المؤكد والثابت تاريخيا وأثريا أن الأغالبة، والحماديين ، والزيريين، والمرابطين، والفاطميين والموحدين، وصولا إلى عروج وخير الدين، كل هؤلاء ساهموا عهودا بعد عهود في بناء وقيادة القوى البحرية المغاربية سواء في فترات وحدته السياسية أو في فترات الانقسام السياسي وتعدد الدول في المنطقة المغاربية، لكن من الواضح أن فترات الوحدة السياسية هي التي عرف فيها المغرب العربي أمجاده البحرية الهائلة، وخاصة في العهدين الفاطمي والموحدي..

إنه تاريخ طويل شاهد على أن القوة البحرية، جزء لا يتجزأ من الشخصية المغاربية، ولذلك فإن التفكير في مغرب عربي مُوَحَدٍ دون قوة بحرية هو استهتار بعظمة التاريخ، واستخفاف بمستقبل الأجيال، فالقوة البحرية إذا ضرورة لازبة لكي يكون المغرب العربي المُوحد قادرا على التحاور الخلاَّق والشجاع مع قدره ، وكذا الاستجابة الديناميكة للتحديات التي تطرحها حركة التاريخ، خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط .

                                              

                                                

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023