لبنان والثورة…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني*

لبنان والثورة…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني*

المتتبع لما يجرى في لبنان مع تطورات الوضع الاقتصادي والسياسي والمعيشي الخانق اللذي تحياه قطاعات واسعة للشعب اللبناني والنقمة الشعبية الواسعة على الشلل السياسي الذي تمر بها البلاد نتيجة الارتهان الى الخارج والتشبث بالمصالح الضيقة لرأس المال الاحتكاري للطبقة الفاسدة يدرك ان مجمل هذه الاوضاع تشكل الظروف الموضوعية لثورة إجتماعية لها سمات طبقية واضحة المعالم بإمكانها ان تطيح بكل الهياكل السياسية ومفرزاتها في هذا البلد. ولكن العائق الرئيسي الذي يحول دون ذلك هو العامل الذاتي المتمثل بالولاءات الطائفية والمذهبية ولرموز إقطاعية متجذرة لعقود من الزمن مما يجعل التخندق والتمترس في أماكن بعيدة عن الإنتماء للوطن هو المسيطر لغاية الان. وبالتالي فإن الثورة الاجتماعية المفترضة التي هي الطريق الوحيد المؤدي لانقاذ لبنان الوطن ومنع إنهيار الدولة سيستبدل بحالة عارمة من الفوضى في الشارع كما نراها على أرض الواقع وسيؤدي حتميا الى إنهيار الدولة إذا ما بقيت هذه الحالة.

 

ولا بد ان نشير هنا على ان تأليف الحكومة أو عدمه لن يحل المعضلة الجوهرية التي أدت الى تردي الاوضاع الى هذه الدرجة الخطيرة والمصيرية والغير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث. نعم هنالك أطراف خارجية عدة لا يريدون الخير للبنان ويريدونه تابعا ومنضويا تحت راية الاستراتيجية الامريكية وتحت العباءة السعودية في سياساته الخارجية في المنطقة على وجه التحديد وأن يكون مواليا ومتطابقا مع مواقفها فيما يخص العداء لايران وسوريا وحزب الله على وجه التحديد وأن لا يكون متنفسا إقتصاديا لسوريا على وجه الخصوص ولو بأدنى حد ممكن. ومن أجل ذلك مورست وتمارس على لبنان أقصى الضغوطات السياسية والاقتصادية وتردي الاوضاع الى هذا الحد كوسيلة ضغط لتركيع لبنان كدولة وشعب.

 

ولكن ما يجب ان نؤكده هنا لو أن الهيكل والنظام السياسي للبنان كان مغايرا لما هو عليه وهو النظام الذي خلفه المستعمر الفرنسي لما كان تأثير العوامل الخارجية بالشدة التي نراها الان واستفحال الاوضاع الى هذه الدرجة. ولما تردد لبنان في التوجه نحو الصين وروسيا وإيران وسوريا على وجه التحديد للمساهمة في التصدي للضغوطات والعقوبات المفروضة عليه بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

ولكن للاسف فلبنان كدولة وحكومات تبقى مقيدة الى حد كبير ولا تستطيع إتخاذ القرارات السيادية مهما كانت النوايا الحسنة في هذا الاتجاه. ولدينا الكثير من من الحالات وربما أقربها هو إعادة بناء ميناء بيروت الذي دمر بالكامل نتيجة الانفجار والذي يعتبر ركيزة إقتصادية مركزية للبنان فقد تمنعت لبنان لغاية الان من قبول العرض الصيني لاعادة بنائه وتأهيله بالكامل. ولا شك ان الضغوطات الخارجية الى جانب الفساد المالي والسياسي قد لعب دورا في هذا المجال. هذا الى جانب  أن التحقيقات وبعد ما يقرب من نصف السنة على الانفجار ما زالت مستمرة للان دون أفق انها ستنتهي قريبا مع استمرار الوضع القائم الان في لبنان. كما ورفضت او تمنعت عن استقبال المساعدات الايرانية التي عرضت على لبنان لغاية الان بالرغم من الاوضاع المأساوية ونقص المواد الغذائية والإرتفاع الجنوني للاسعار مع تدهور سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار.

 

*كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023