لقد كانت سوريا مُبْصرة عندما عَمِيتْ أخواتها…بقلم محمد الرصافي المقداد

لقد كانت سوريا مُبْصرة عندما عَمِيتْ أخواتها…بقلم محمد الرصافي المقداد

كتاب النظام الإسلامي مفتوح للعقول النيّرة، ومشاريع ثورته التي انتصر فيها شعبه، وقام بمؤسساته على أثرها، لم يقرأه ويفهم ما جاء فيه، سوى القليل من أنظمة العالم العربي والإسلامي، وفيما كانت بقية دول العالم، خاضعة مستسلمة سياسيا وإعلاميا واقتصاديا، لوسائل الغرب وأدواته الخبيثة، المعادية للإسلام وتحرّر شعوبه، وسائل وسوست لتوابعها من دول العمالة، بخطر تصدير الثورة الإسلامية، فانبرى كل نظام من تلك الأنظمة يتبرّأ ويتآمر ويقاطع، ويُجري على ألسنة وسائل إعلامه المتنوّعة، سيل الأكاذيب على إيران، في المقابل، كانت هناك ثلاث دول مُدركة لحقيقة ما جرى في إيران، تفاوتت وانفردت في مواقفها إيجابا عن باقي الدول العربية، وهُما سوريا وليبيا، لكن سوريا تميّزت بالرؤية الراجحة والموقف الصّائب، الذي كان يجب أن يُتّخذ حيال إيران، وهي تشقّ طريق استكمال ثورتها بصعوبة، وسط أعداء تربّصوا بها شرّا، خصوصا بعد العدوان العسكري الذي شنّه عليها الرئيس العراقي صدّام، وهو عدوان اشتركت فيه دول الغرب بتسليح رهيب، لم يُسمح به لغيره كالسلاح الكيماوي، والدّعم اللوجستي في جميع ما كان يحتاجه العراق خلال ذلك العدوان، وتزويد قيادة العمليات العراقية بالصور والإحداثيات بطائرات الأواكس الأمريكية، لأوضاع جبهات القتال على مدار 24ساعة، وتطوّع عملاؤها من دول الخليج بأموال النفط الطائلة، لتغطية نفقات الحرب، ودول أخرى كالأردنّ والسودان(1) شاركتا في العدوان على إيران بالعساكر النظامية والمتطوعين، واستمر كل ذلك ثماني سنوات، دافع فيه الإيرانيون عن بلادهم أمام تلك الهجمة العالمية ببسالة نادرة، رغم النّقص الفادح من الأعتدة الذي كانوا يشكُونه، ضربوا فيه امثلة رائعة في الجهاد والفداء، وسطّروا خلال عملياتهم الدّفاعية ملاحم بطولية نادرة، قدّموا فيه من خيرة شباب ثورتهم شهداء أبرار، ونجحوا في صدّ العدوان الآثم، وإنهاء حلم كانت تتمناه أمريكا بإسقاط النظام الإسلامي، ومُنِيت قوى العدوان مجتمعة انظمة عربية عميلة ودولا غربية بزعامة أمريكا – التي كانت تنتظر بشرى انهيار المنظومة الثورية الإيرانية- بانتكاسة وخيبة أمل كبيرين.

حينها كان هناك رئيس سوريّ إسمه حافظ الأسد، استطاع بنظره الثاقب، أن يفهم أفكار وأهداف الثورة الإسلامية الإيرانية – وهي واقعا جليّة لمن يُبصرها – وتيقّن من مقاصدها التي تألّف منها مشروع الإمام الخميني الكبير، في تخليص الأمّة من هيمنة قوى الإستكبار العالمي، وربْطِ ذلك كلِّه بتحرير فلسطين، باعتبارها قطب تدخّلهم السّافر، وقاعدة تمركزهم الخبيثة في المنطقة، لقد كان الرئيس الرّاحل مدركا حقيقة الإمام الخميني وثورته، ودعواته التي خصّ بها شعبه، وشعوب المنطقة معْنيّة بها، خصوصا تلك الخاضعة للقوى الإستعمارية، فكان تعامله مع أحداثها الطارئة، وقائدها الإمام الخميني رضوان الله عليه، ومن بعده الإمام الخامنئي، بحنكة رجل سياسة حكيم، إمتلك ميزة قول الحقّ وإنّ عزّ، والوقوف مع أصحابه وإن قلّوا، وببُعْدِ نظره استطاع أن يستشرف مستقبل إيران في العالم، كدولة اختارت طريق التغيير الثوري، للخروج من مستنقع التّبعية لقوى الإستكبار الغربي، متحدّية صهيونيتها في فلسطين المحتلة، وفي دول العالم المتواطئة مع المشروع الصهيوني.

مساندة الرئيس الراحل حافظ الأسد لإيران، لم تأتي من باب طائفي كما يدّعيه البعض، بل كان من مبدأ عُرِفَ به هذا الرّجل الحكيم، يمكن تعريفه بأنّه نابع من عزّة قائد، رفض أن يكون أداة بيد تلك القوى الغربية الشريرة، فأظهر موقفه الواضح الرافض للتطبيع مع الكيان الغاصب، خلاف مصر والأردن، رغم كل الإغراءات التي عُرِضت عليه حينها، ومنها خروج القوات الصهيونية من الجولان المحتلّ، وعودته إلى حضن الوطن، مقابل الإمضاء على اتفاقية سلام كما حصل لمصر، وبين موقف النظام الإسلامي من قضية فلسطين، وتحرير الأراضي المحتلة بالقوة، وليس بالمفاوضات التي أثبتت عقمها، وبين موقف أمريكا ودول الغرب، في العبث بمصالح الشعوب العربية والاسلامية، وانتهاك حقوقها بالتلاعب بها بواسطة عملاء، سخّروا أنفسهم لخدمة أعداء بلدانهم، تجلّى موقف الأسد الأب واضحا لا غبار عليه، مساندا سياسة إيران تجاه منطقة الشرق الأوسط، والتي تتّفق مع منهجيّته في القطع مع العدوّ الصهيوني، والإستعداد ليوم تحرير الأرض منه.

ويدُ الجميل التي امتدّت من سوريا لإيران، بما أمكن لها من دعم، كوفئت هذه السنوات بوقوف إيران إلى جانب النظام والشعب السوري، أمام الهجمة العالمية للإستكبار وأدواته العميلة، من مجاميع إرهابية وهابية تكفيرية، ودول تدّعي الإسلام كتركيا – والإسلام من نظامها براء- آوت ومهّدت وأسهمت وسمحت من حدودها الجنوبية، بدخول تلك المجاميع المجرمة، لتعيث في المحافظات السورية، فسادا ودمارا وقتلا ونهبا لمدّخرات الشعب السوري، فقام النظام الإسلامي بردّ الجميل بأجمل منه، ولبّى نداء الواجب في مؤازرة سوريا على مواجهة المؤامرة، فقدّم ضباط حرسه الثوري بخبراتهم، وأعتدته وأمواله، لوقف الغزو الوحشي الذي تعرضت له شقيقته سوريا، وتظافرت تلك الجهود المُشرّفة، مع جهود الجيش العربي السوري، وروافده على ساحة القتال في مختلف المناطق السورية، بالقضاء على داعش وتوابعها من المشروع الأمريكي الصهيوني، لإخضاع سوريا لإرادة الغرب بعد إسقاط نظامها.

الرئيس الراحل ترك وراءه إبنا بارا بمبادئ والده، ووفيّا لبلاده وشعبه، أبى إلّا مواصلة نهج أبيه، في سياساته الخارجية، معتبرا إيران حليفة بلاده، بما أظهرته طوال سنوات، من صدق في القول ووضوح وإخلاص في العمل، بدليل أنها لم تدّخر جهدا في مدّ يد العون لبلاده، والرئيس بشار الأسد من الرؤساء القلائل في البلاد العربية الذين يمتلكون ثقافة ووعيا وسعة فكر كبيرين، أهّلته ليكون من أفضلهم، رفض بدوره أن يرهن بلاده لإرادة الغرب ويخضع لإملاءات دوله الإستعمارية، وكعزّة نفس أبيه قاوم وصمد وانتصر أخيرا على أخطر محنة مرّت بها سوريا، وسوف تتعافى بإذن الله مما لحقها من أذى المفسدين في الأرض، خدمة للإستكبار والصهيونية.

مهما قيل من مزايدات إعلامية بشأن العلاقات السورية الإيرانية، نسبتها إلى أساس طائفي لا علاقة له بواقع هذه العلاقات، التي انبنت أساسا من خلال موقف سوريا المعادي للكيان الصهيوني، والرّافض تماما لمسار التفاوض فضلا عن التطبيع معه، وهذا ما قرّب الإستراتيجيّة الإيرانية من السّورية، في مسألة مقاومة هذا العدوّ، وما يجمع بين إيران وسوريا يصبّ في إطار خدمة القضية الفلسطينية أساسا، وتقوية محور مقاومة الكيان الصهيوني، ليبلغ مستوى قوة ردع معتبرة، تنامت حلال العشريتين الأخيريتين، من شأنها أن تحقّق النصر المرجوّ، الذي تنتظره الأمّة العربية والاسلامية، وتُعِدّ له فصائل المقاومة العدّة، ولعلّ ميقاته بات قريبا.

إنّ أيّ حقّ لا يُعرَفُ بالرّجال، فقد تخطئ المظاهر وأشخاصها، إنّما يُعرف بالمبادئ والمواقف، وإن اختلفت العقول في رؤاها بعض الشيء، فإنّ ذلك لا يبني تناقضا واختلافا، والأساس الصّلب الثابت الذي تُبنى عليه العلاقات الشخصية والدّولية، هو إتّباع الحق، كما قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: (لا يعرف الحق بالرجال أعرف الحق تعرف أهله)(2)

محمد الرصافي المقداد

المصادر

  80 دولة جهزت صدام في الحرب على إيران1-

https://www.irdc.ir/ar/news/16/80-

2 – ميزان الحكمة محمد الريشهري ج1ص658

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023