لن تسقط حقوق الشعب الفلسطيني بالقوّة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لن تسقط حقوق الشعب الفلسطيني بالقوّة…بقلم محمد الرصافي المقداد

نعيش اليوم زمنا متميّزا بإرادة الشعوب وقدرتها على فرض منطقها، من أجل إنجاح قضاياها، فما عشناه من يوم انطلاق طوفان الأقصى، يؤكّد على تنامي هذه الظاهرة لدى عدد من شعوب العالم، وفي مقدّمتها الشعب الفلسطيني، هذا الشعب المظلوم الذي سلبت أرضه وانتهكت حقوقه، وتناقص أنصار قضيّته، بتخلّي أغلب حكام العرب عنه، لكنه في المقابل ازداد تلاحم الشعوب العربية مع شقيقهم، في محنته التي بقيت بدون حلّ، إصرارا من دول الاستكبار الغربية على تجاهلها.

موجات التضامن مع الشعب الفلسطيني تجاوزت أشقاءه إلى شعوب أخرى، تحرّكت مدفوعة بفطرتها الإنسانية الصافية التي لم تتأثّر بلوثة العنصرية، من أجل الضغط على حكوماتها، لإيقاف ما ترتكبه الآلة العسكرية الصهيونية من مجازر مروعة في قطاع غزّة، المحاصر منذ أكثر من 16 سنة، ومن المؤسف له أن تكون أطراف عربية مشاركة في ذلك الحصار، فمصر شريكة فعليّة فيه بإغلاق معبر رفع، وهو المنفذ الوحيد الباقي خارج نفوذ الكيان الصهيوني، لكن حكم السيسي استجاب لإرادة الكيان الصهيوني، مُحْكِما طوق الحصار ومشددا فيه، فلا يُخفّف إلّا بموافقة صهيونية أمريكية، وهذا عار على الحكومة المصرية وحالة شاذّة من السّلبيّة التي اعترت الجيش والشعب المصري، وبحاجة إلى تصحيح منهما، وإعادة تموضع يعطي لمصر مكانتها الصحيحة، في مساندتها الفعلية للقضية الفلسطينية.

حكام عرب آخرون في الخليج، مساندون فعليّون للعدوان الصهيوني على غزّة، ولا يتحرجون في استقبال زعماء الكيان الصهيوني، والتعامل معه على جميع الأصعدة حتى العسكرية، وكأنّي بهم قد اسقطوا أقنعة الزيف عن سياساتهم، فظهروا بوجه حقيقي، تظاهرا منهم فيما مضي بأنّهم مساندون للقضية الفلسطينية، بينما هم في الواقع خونة لشعوبهم وللشعب الفلسطيني، ولو علم هؤلاء الحكام أن إرادة الشعوب لا تقهر، واعتبروا من التاريخ أنّ سُننه في عواقب الخونة والظلمة سيئة ووخيمة، لما أمكن للكيان الصهيوني أن يستمرّ في بقائه على أرض فلسطين، ويتفنّن في اعتداءاته على الشعب الفلسطيني استضعافا له بكثرة الخونة من حوله.

فبخصوص دولة الإمارات العربية، قام وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، بالاتصال بزعيم المعارضة الإسرائيلية، (يائير لابيد) معربًا له عن تضامن الإمارات مع إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية.وقال لابيد في تغريدة له على تطبيق التغريدات القصيرة «إكس»: تحدثت قبل قليل مع وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة عبد الله بن زايد، وأعرب وزير الخارجية بن زايد عن تضامنه مع إسرائيل، وشكرته على دعمه.وقالت وزارة الخارجية الإماراتية السبت الماضي، إن الهجمات التي تشنها حماس ضد المدن والقرى الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة وإطلاق آلاف الصواريخ على التجمعات السكانية، تشكل تصعيدًا خطيرًا وجسيمًا.(1)

لقد كشف أولياء الكيان الصهيوني من الحكام العرب عن وجوههم القبيحة، في ظرف يحتاج فيه الشعب الفلسطيني من يقف إلى جانبه، في صدّ عدوان همجيّ، ترتكبه كل ساعة قواته العسكرية جوا وبرا وبحرا، على مرأى ومسمع من دول العالم، قد خيّم الصمت عليهم سوى تعابير شعبية، لا تزال تتفاعل نصرة للشعب الفلسطيني، في العدوان الذي يتعرّض له، عزاء الفلسطينيين وسلواهم وحدهما، في ما ملكته أيديهم من وسائل دفاع عن أنفسهم، تمكنت إيران من تزويدهم بها، ولولاها لما أمكن لمقاوميها صدّ العدوان الصهيوني على قطاع غزة.

فيما لم تكن أمريكا وبريطانيا وبقية دول الغرب، لتخفي حقيقة تصهينها، فمن يعيش في مستوطنات على أرض فلسطين المغصوبة، هم واقعا رعاياها ومواطنوها في المقام الأول، نزحوا إليها من مدنها، لينفذوا مخططا استعماريا جديدا، هدفه الأول السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، بعدما وضعوا أيديهم على دويلات الخليج، وطوّعوها لإرادتهم السياسية والعسكرية، فهي اليوم دول مسلوبة الإرادة، مسخّرة لخدمة حركة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وليس بمقدورها أن تفعل غير ذلك، دول أسيرة للغرب، مدينة له بقيام أنظمة حكمها.

من الغباء والعيب أن ننتظر عملا أو موقفا من أنظمة عربية، كانت مبادرة إلى إمضاء اتفاقات سلام مع كيان صهيوني، أثبت أن أساسه خال من أي تصرّف أو منطق سلام، وتاريخه شاهد على أنه كيان عدواني سجلّه مليء بجرائم الإبادة للشعب الفلسطيني، وفي جعبته مخططات التوسّع التي لم تعُد خافية على أحد، وطموحه في أن تكون حدود هيمنته، أبعد من النيل إلى الفرات، فذلك لا يشبع طموحات قطعان عنصرية، لا تزال ترى أنفسها أفضل الأعراق البشرية، بينما هي في حقيقتها قتلة أنبياء الله وعصاة وحيه.

لقد عرّى طوفا الأقصى الجميع، فلم يبقى وجه متخفيا وراء صورة مزيّفة، الجميع ظهروا بحقائقهم، ومواقف الشعوب الأمريكية اللاتينية مشرّفة، بإجماع تضامنها مع الشعب الفلسطيني، فيما يعرّض له اليوم من أعمال إبادة، لا يمكنها أن تستمرّ على وتيرة الحقد الذي يكنّه الكيان الصهيوني لأصحاب الأرض الحقيقيين، هذا الشعب الفلسطيني الصامد، ببسالة وشجاعة رجال مقاومته، الذين أثبتوا أنهم من طينة نادرة من الرجال، لا يعوزها شيء من الصمود في وجه العدوان والحصار.

يخطئ الكيان الصهيوني أنه بهذا الأسلوب من العدوان الهمجي، بإمكانه أن يسلب حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه، مستنصرا بحلفائه من دول الغرب، بزعامة أمريكا ودول الخيانة العربية، بزعامة الإمارات والسعودية، فما اقترفه لحد اليوم من جرائم، هي بحدّ ذاتها مصنفة جرائم حرب واضحة، زاد من عزلته الشعبية والدولية، لن تسقط بالتقادم، وليس بمقدورها مهما بلغت من همجية أن تُسقط حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، وقيام دولته المستقلة على كامل مساحتها، فلا تتعايش فيها دولتان كما روّج لنا الغرب، دولة صهيونية مدججة بالأسلحة، متحكمة في كامل فلسطين بالمعابر وحائط الفصل العنصري، وسلطة خائن فلسطين، على أرض مسرى ومعراج النبي صلى الله عليه وآله، لا يمكن أن تكون غير دولة واحدة، هي دولة فلسطين وعاصمتها القدس الموحّدة شرقيها وغربيّها، قريبا سيضيء صبحها وتتقشّع غمامة محنتها، وسنصلّي في المسجد الأقصى بإذن الله تعالى.

 

المراجع

1 – الامارات تعلن دعمها لإسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية

https://alhorianews.com/

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023