ليس لداء حمق ترامب سوى العزل…بقلم محمد الرصافي المقداد

ليس لداء حمق ترامب سوى العزل…بقلم محمد الرصافي المقداد

يتابع الفرنسيون والناطقون باللغة الفرنسية، شأن السياسة العالمية وتطورات الأحداث والأزمات فيها، شأنهم في ذلك، شأن الذين يولون اهتماما بالمستجدات الحاصلة فيها، إيمانا منهم بأن أي قضية تشغل العالم، هي ذات بعدين، بعد محلي أول، يقع ثقله الأكبر على شعوب المنطقة الواقع فيها الحدث، وبعد عالمي ثان، يمس بقية شعوب العالم، بقدر آثاره وتداعياته عليهم.

وان من مظاهر وعي الشعوب وشعورها بالمسؤولية، معايشتها للأحداث العالمية، حدثا بحدث، ومتابعتها يوما بيوم، ومعرفتها الدقيقة باسبابها ودوافعها، وموقفها العادل منها، باعتبار أن العالم بأسره، دولا وشعوب ماضيا وحاضرا، أصبح اليوم قرية صغيرة، بما وفّره التقدم التكنولوجي والتطور العلمي، في شتى المجالات، وفي مقدمتها الانترنيت.

ولا أعتقد أن شعبا واعيا، بإمكانه أن يكون خارج هذه الاهتمامات، مستغينا عنها، دون أن يكون متخلّفا ثقافيا ومعرفيا، يعيش على هامش سعي الشعوب كالأنعام، بل اضل سبيلا، لذلك فإن الاهتمام بالشأن العالمي أمر لازم، تقتضيه الحاجة إلى العيش المشترك، الذي بإمكانه بحسن قراءته واطلاعه، أن يمنع كوارث يمكن أن تحصل بسبب اهمال المتابعة والاهتمام، والحكمة التي قدمها لنا الإمام علي، ووضعها على محرار تمييز الأحداث، تؤكد لنا ان الغيبة عن متابعة الأحداث، من شأنها أن توقع أصحابها في المحظور، فتصيبهم بسوء التقدير: (كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر يركب ولا ضرع يحلب.)

كتب (آلان فراشون Alain Frachon)، الكاتب الصحفي الفرنسي، مقالا له نشره بصحيفة (العالمle monde الفرنسية) بتاريخ 26 سبتمبر 2019، بعنوان (دونالد ترامب يجد نفسه في موقع الذليل أمام ايران) قال فيه، أن ترامب أوقع نفسه ضحية سياسة الضغط الأقصى على طهران، معتبرا أن أسلوبه غير ناجح، في الاستفزاز الجديد لإيران، واصفا إياه بملك التفاوض الذي وضع نفسه في ورطة عن طيب خاطر، متورطا بمفرده في الخليج العربي، عدما أدار عجلة استكباره ضد ايران، ليجد نفسه في موقع لا يريد أن يكون فيه، ذليلا من قبل إيران، وبدون استجابة كافيه كان يتوقع عكسها، كما جرى الأمر مع كوريا الشمالية، وكان لقاء استعراضيا، غلب عليه سعي كل طرف لأن يدوّن اسمه في التاريخ، بذلك اللقاء الأجوف.

الموقف الأوروبي الذي عبر عنه آلان فراشون، مختلف نسبيا عن الرسمي الأمريكي، وأوروبا بعدما استوعبت درس الماضي، أصبحت تتنصل من السياسة العمياء، التي لا تبصر بغير العين الامريكية، وموقفها من الملف النووي الإيراني، يعتبر أحد علامات التّحوّل في مواقف الإتحاد الأوروبي، المعارضة للمواقف الأمريكية، التي أصبحت تراها مغالية ومتطرفة، ولا تتماشى مع المصالح الاوروبية، والاتحاد الأوروبي مع إدراكه ذلك، لا يزال الى اليوم يبحث عن طريق او آلية، تمسح له بالانفكاك من الآثار المترتبة عن كل معارضة للأمريكيين، والى الآن ما يزال الأوروبيون بعيدون عن تحقيق ذلك، وهو اليوم يجني خيبة اتباعه الاعمى.

قد تنجح أوروبا في تثبيت نظام انتيكس المالي اذا ما وجدت أكبر عدد ممكن من الدول الأوروبية ضمن قاعدتها الأوروبية وسندا ماليا آخر من خارج الاتحاد، وفي هذه الحالة يكون ترامب قد مني بفشل ذريع في تحشيد الدول تحت مظلته ضد إيران، وتخرج ايران من هذه المعركة الاقتصادية متفوقة، خارقة العقوبات بشأنها، وعازلة تراكب وسياسته في زاوية معزولة.

التمرّد العالمي الذي تقوده اليوم إيران ضد أمريكا، وسياساتها المتعجرفة الظالمة، بدأ يكبر ويتمدد، حيث لم تعد ايران وحدها متحدّية القوّة الاستكبارية المتغطرسة على العالم، فهناك عديد الدول التي تحركت في جبهة معارضة أمريكا، من أمريكا اللاتينية، الى آسيا، وأوروبا، وافريقيا، وان كنا قد شهدنا من قبل نشوء محور المقاومة ونموّه، وبلوغه مستوى القدرة على مقاومة الاعداء(صهيونية، وإرهاب تكفيري، وتحدّ امريكا)، وافشال مخططاتهم في المنطقة، فإن جبهة التمرّد ضد امريكا، سيكون لها أثر في ازاحتها عن موقعها، من تهديد القوى العالمية الحرة، وسيكون دور ايران في انهاء ومن سيطرة القطب الواحد على العالم، محوري وأساسي فيها.

تعدد الشخصيات والجهات التي وصفت الرئيس الامريكي بالأحمق، وقد بدأ الجزب الديمقراطي تحقيقا رسميا، بشأن مزاعم مفادها أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سعى للحصول على دعم سياسي من دولة أجنبية، بهدف إلحاق الضرر بخصم سياسي، ومن شأن هذا التحقيق أن يفضي إلى عزل الرئيس، على اثره جاء نفي ترامب القيام بأي تصرف غير لائق، لكنه في المقابل أقر بأن اسم جو بايدن، منافسه المحتمل في انتخابات الرئاسة المقبلة، ورد في نقاش مع الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، في مكالمة هاتفية في جويلية الماضي.

وذكرت تقارير إعلامية أمريكية، أن مسؤولين كبار في البيت الأبيض، قلقون بشأن احتمال تورط محامي ترامب، رودي جولياني، في تحريك مجموعة من السياسات الخاصة بأوكرانيا في الخفاء، لاستهداف جو بايدن. ولم يكن القرار الذي اتخذته نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، بعد مطالبات من حزبها، نبنيّا على فراغ، لذلك قالت: يجب محاسبة الرئيس.

من جانبه صرّح جو بايدن وهو نائب الرئيس السابق باراك اوباما: إنّ عزل ترامب سيكون مأساة، ولكنها مأساة من صنعه، وبايدن حسب سبر الآراء، المرشح الأوفر حظا لمواجهة ترامب، في انتخابات الرئاسة عام 2020. ويلقى التحقيق دعما كبيرا من الديمقراطيين، في مجلس النواب، حيث يحظى بتأييد أكثر من 145 عضوا من بين 235 عضوا.

الرئيس الامريكي ترامب اوقع نفسه في أكثر من ورطة، اذا نفذ من واحد منها، فإن سيقع في الذي يليها، سياسة مشوبة بحمق، لم يعهد من قبل بعلوّ نسبته، في من سبقه من رؤساء أمريكا، فمن أي جانب سيقع المتهوّر الأمريكي الاحمق يا ترى؟ من سوء تصرفه مع منافسيه، أم إن أزمة الخليج الفارسي المفتعلة بسياساته الرّعناء ستطيح به؟

محاولة اجبار ايران على النزول عند استكبار ترامب بالعقوبات تارة، وبالاستدراج الى مفاوضات لا طائل من ورائها، لن تفلح في اقناع الساسة الايرانيين، الذين يعملون تحت راية ولي فقيه عارف بزمانه، ومدرك أن الاستكبار العالمي الذي تتزعمه أمريكا، ليس جديرا بالثقة والمعاملة المتكافئة، وعلى ترامب ان اراد أن يعبر عن مصداقية ما – وان كام ذلك معدوما- أن يبادر بإلغاء كافة العقوبات عن ايران، وبعدها لكل حادث حديث.

.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023