ما أصل الداء مع النهضة ومن معها وما اتجاه الطفرة الثورية النوعية والمزدوجة من الأسفل ومن الأعلى؟

ما أصل الداء مع النهضة ومن معها وما اتجاه الطفرة الثورية النوعية والمزدوجة من الأسفل ومن الأعلى؟

صلاح الداودي، استاذ بالجامعة التونسية. منسق شبكة باب المغاربة للدراسات |

يمكن أن نقول دون ادعاء ان غالبية الناس ينظرون بنفس الطريقة إلى تفاصيل الأمور والفكر الذي تقوم عليه، وإنما بالحس العام المشترك، يمكن أن نقول ان الأسس العميقة للخلاف بين غالبية الشعب التونسي والرئيس من جهة وحركة النهضة ومن معها من جهة اخرى تتمثل في طبيعة الدولة والمجتمع ونمط الحكم ونموذج الاقتصاد وتنازع الصلاحيات ورؤية العلاقات الخارجية وثقافة الدولة وشكل وماهية النظام السياسي والانتخابي ووجود الجمهورية نفسها زائد هدر حقوق الشعب واغتيال أحلامه وهيبته وسرقة مقدراته وتشويه سمعته تبعية وارهابا وفسادا وتطبيعا.

ما جرى هو إنقاذ للوطن والشعب على طريقة حجب السلطة ونزعها عن البرلمان والحكومة وبالتالي عن حركة النهضة ومن معها. هذا المسار سوف تترتب عليه عدة أوامر خلع ومنع وترتيب لواقع جديد وأفق جديد. إن هذا التوصيف الأدق حسب رأينا ناتج عن فهمنا ومعرفتنا، المتواضعة طبعا بطريقة تفكير السيد الرئيس وبخياراته الدستورية والقانونية والسياسية، حيث عمل بالأحرى على تعليق مؤقت وجزءي للعمل بالدستور الحالي بالاستناد على الفصل 80 ومطابقته للضرورة المستوجبة والواجب الوطني المقدس المستحق والذي بات خيارا إجباريا دون اعتبار حرفية النص الدستوري الذي لم يعتمد عليه الرئيس سوى من جهة كونه المدخل الوحيد. وعلى هذا النحو والاساس يكون رئيس الجمهورية التونسية محقا في اعتبار ان الوضع الواقعي الاستثنائي يتطلب قرارا استثنائيا بما في ذلك الاخراج الاستثنائي لهذا الفصل بما يجعله استثناء على الاستثناء أو داخل الاستثناء وفي نفس الوقت عدم المساس بقوانين الدولة العامة وبمجمل دستورها روحا ونصا إلى حين العودة للسير الطبيعي، بل تفعيلها للجانب المعطل من الدستور وأهم ما فيه من حقوق ومن مؤسسات لم تفعل بعد وحتى انتخابات جهوية وغيرها لم تقم أبدا حتى الآن. ما يتطلب تنظيم مؤقتا جديدا للسلط العمومية والمؤسسات الدستورية بما ان الرئيس أصبح إلى جانب الحكومة المصغرة المرتقبة، أصبح رئيس الجهاز التنفيذي ورئيس الإدارة وهو ما ينسحب على مجمل المؤسسات والسلطات المحلية وغيرها فيما عدا السلطة القضائية التي سوف تبقى مستقلة وقد تراجع عن رغبته في رئاسة النيابة العمومية وطبعا سوف تبقى كل ابجديات الحقوق والحريات محفوظة. جوهر الأمر وخلفيته ان الرئيس لا يعتبرها لا حالة حرب ولا حالة طبيعية وإنما حالة ثالثة ثورية تماما مثل سنة 2011 ولذلك تحديدا نحن نقول انه علق العمل جزئيا ووقتيا بسير الأمور الاعتيادي وأنه بصدد تنظيم جهاز الدولة من جديد وما ذلك سوى نوعا من استئناف المسار الثوري وإعادة الحق إلى الشعب أو غالبية الشعب وهو صاحب الحق والسيادة وصاحب الحركة الثورية التي جمدت طويلا وخربت عميقا وعطلت كثيرا وتم الانقلاب عليها بشكل خطير في الداخل ومن الخارح.

إن اتجاه الحركة التصحيحية التي قام بها رئيس الجمهورية التونسية يلبي رغبة الشعب في التغيير ويحقق ما كان يريده رئيس الجمهورية منذ مدة وهو يعلم انه لا سبيل إلى تحقيقه من خلال البرلمان وان الحل الوحيد هو هذا التعليق. ولقد حاول مع البرلمان وفشل على سبيل المثال في ملف محاسبة ناهبي اموال الشعب. ونحن نعلم انه أعد جملة من المبادرات الرئاسية التي تمر حسب الدستور بالبرمان وكان ذلك استحالة مطلقة دون كسر تجميد هذا البرلمان لكل تقدم في أي ملف بما في ذلك التنمية ودفع مسيرة التقدم نحو تحقيق أهداف الشعب العامة ولا نكشف سرا اذا قلنا ان الرئيس كان تحت ضغط شديد شعبي وحتى من أنصاره لانه تأخر عن الفعل وبدأ يفقد شعبيته وربما شرعيه وأمانة الحفاظ على الوطن والدولة والشعب. ومن بين مبادرات وبرامج الرئيس التي يرى انها نابعة من الشعب ما يتعلق بملف الشهداء والجرحى وما يتعلق بالصحة العمومية وانقاذ الأرواح وما يتعلق بالتربية والتعليم وما يتعلق بالمحاسبة الاقتصادية والصلح الجزائي لفائدة المشاريع التنموية. وهذا ما يفسر العمل المتسارع داخل مؤسسات الدولة ومن خلال القانون والقضاء لوقف الافلات من العقاب ومحاسبة كل من تورط وتم تجميد ملفه من خلال نظام النهضة ومن معها. وايضا من خلال ملفات الدولة التونسية بمختلف هيءاتها ما تعلق منها باقطاب مكافحة الإرهاب والتهرب وتبييض الأموال والنهب وما تعلق بمحكمة المحاسبات حول الانتخابات وبتقرير لجنة تقصي الحقائق… الخ. يبقى فقط موضوع تجريم التطبيع مع العدو الصهيوني والذي نتمنى ان يصدر فيه الرئيس مرسوما وان كان ذلك مستبعدا إلى حد ما وليس مستحيلا. ومن هنا أهمية الاجراءات وجدواها على مستوى حفظ مصالح الدولة وحياة الشعب والمحافظة على كيان الجمهورية وسلامة الأمن العام.

أولا خطوة الرئيس محسوبة جيدا مع مؤسسة الجيش الوطني ومختلف المسؤولين الآمنين ومرتبة مع عدة جهات صديقة بشكل من الأشكال وفي وقت من الأوقات وأيضا هي حركة غير مطلقة وتتجه أكثر فأكثر إلى منتصف الشجرة لا أعلاها ولا ظلها بضغط داخلي وخارجي. من المؤكد ان دور حركة النهضة الإقليمي سوف يحجم وينتهي وان افلاتها من سلطة دولة القانون والمؤسسات إلى زوال وان تجاوزها لعدة نقاط سيادية حمراء بصدد التلاشي. ستتم محاسبة من يجب محاسبتهم وليس من النهضة فقط وبشكل عادل وهادىء وستفرض عليهم الأحداث التراجع وعدم التصعيد لأنهم لم يفشلوا فقط وإنما ادينوا شعبيا وسياديا وقانونيا وأيضا فقدوا قوتهم ورعايتهم الإقليمية والدولية إلى حد كبير وسيعجز نظام اردوغان وغيره عن التاثير ومواجهة شعبنا ودولتنا، مع اننا نعتقد ان المزاج الدولي ما زال وسيبقى مستفيدا من حركة النهضة ومن معها ولن يلفظها تماما ولا يريد ان يفقد مصالحه في تونس ولا الرئيس التونسي يريد الذهاب إلى الأقصى مثلا في شأن عدة أمور اقتصادية ومالية وعلاقات دولية واتفاقيات ثنائية وغيرها من املاءات الصناديق الدولية ونحن نتمنى أن يغير ويراجع كل ذلك لان أساس سيادة تونس وشعبها هو التحرر من التبعية مصدر كل الإرهاب والفساد والتجويع والتطبيع. ولا نعول كثيرا صراحة. أما على مستوى المشهد السياسي فسوف تصعد قوى أخرى مستقبلا إلى الواجهة ولن تكون هناك حقيقة أي قدرة لهم على الاستفراد بالحكم أو السيطرة عليه، وهنا أيضا نحن لا نساهم ابدا في فسح المجال لرئيس الجمهورية ليفعل ما يريد منفردا بما في ذلك تغيير النظام الذي يجب أن يناقش مع كل القوى ويعود أمره نهاية للشعب. وبالتالي فإن كل المسارات أو الآليات الديمقراطية واردة في أي خارطة طريق جديدة بما في ذاك الحوار والانتخاب والاستفتاء وإمكانية حل البرلمان تماما بالاستقالات أو بالادانات القضائية وحكم المحاكم في إبطال عدة أمور بما فيها بعض نتائج الانتخابات جزئيا أو كليا، مركزيا أو حتى محليا أو بعودة الضغط الشعبي أو كل هذا معا.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023