ما يجري في محافظة المهرة اليمنية من مخططات سعودية؟… بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

ما يجري في محافظة المهرة اليمنية من مخططات سعودية؟… بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

هنالك الكثير مما يدور في اليمن السعيد لا تعيره وسائل الاعلام الاقليمية او الغربية الاهتمام الذي تستحقه حيث أنها تقوم بالتركيز في غالبيتها على الازمة الانسانية والاوضاع المعيشية والصحية القاسية التي يعاني منها الشعب اليمني أو على التطورات في ساحات القتال والمعارك بين الجيش اليمني واللجان الشعبية وقوات البغي والعدوان التي تتزعمها السعودية والامارات منذ أكثر من اربعة أعوام. ولا ننكر ان هذه الاخبار ذات اهمية كبيرة ولكن بالاضافة الى ذلك هنالك الكثير مما يحدث على الارض من الضروري التنبه له لانه يفضح بالدرجة الاولى الاطماع السعودية في اليمن على سبيل المثال وأن تواجدها هو تواجد استعماري بإمتياز وذلك من خلال ما تفعله على الارض. وهذا ما يحدث في محافظة المهرة على سبيل المثال التي تعتبر من اكبر المحافظات اليمنية بعد حضرموت وتشكل البوابة الشرقية لليمن. وهذه المحافظة تميزت بهدوء نسبي كبير للان قياسا بالمناطق والمحافظات الاخرى بالرغم من حجم الدمار الكبير الذي شهدته اليمن على المستوى المادي والبشري. هذه المحافظة شهدت مؤخرا تظاهرات وحركات شعبية واسعة مناهضة للتواجد السعودي بالرغم من ان سكانها كانوا من المؤيدين لقوات ما سمي “التحالف العربي”.

إن إزدياد حركة الاحتجاجات والتظاهر ضد التواجد السعودي في محافظة المهرة التي تقع شرقي اليمن يعود الى إزدياد ملحوظ في أعداد القوات السعودية المتواجدة في المنطقة الى جانب إنشاء العديد من المعسكرات لهذه القوات وكذلك زيادة ملحوظة في عدد نقاط التفتيش التي اقيمت على الطرقات في المحافظة الى جانب المنطقة الحدودية مع سلطنة عمان. هذا بالرغم من الهدوء الذي شهدته المنطقة منذ بدأ العدوان الغاشم على اليمن. وهذا مما اثار حفيظة سكان المنطقة وزيادة شكوكهم بان القوات السعودية باقية ولن تغادر تلك المنطقة وخاصة وأن تلك المنطقة لم تشهد المعارك التي شهدتها العديد من المناطق والمدن اليمنية وبقيت الى حد كبير منطقة مسالمة. وبالتالي اصبح سكان المنطقة يعتبرون ان القوات السعودية تشكل قوات إحتلال رسمية لهذا الجزء من اليمن. وتاتي هذه الخطوات السعودية متزامنة مع تصريحات الامارات رسميا بأنها تنوي سحب قواتها من اليمن , هذه القوات التي شكلت القوة الضاربة الرئيسية فيما يسمى بـ “قوات التحالف العربي” في اليمن, وذلك لاسباب قد تعود الى فشل العدوان الغاشم على اليمن الذي لم يحقق وحتى بعد اربعة سنوات اي من الاهداف السياسية التي رفعت منذ بدأ الحرب المجرمة على اليمن منذ شهر آذار 2015 ولغاية الان. هذا الى جانب ان الامارات قد حققت الكثير من المكتسبات السياسية حيث اصبحت قوة رئيسية في المنطقة ضمن الفلك الامريكي وربما ستكون مرشحة لاخذ دور ريادي ضمن هذا الاطار بديلا عن الدور الذي لعبته السعودية لفترة عقود من الزمن. هذا الدور قد يتعزز في الفترة القادمة وخاصة أن قضية مقتل الصحفي المعروف الخاشقجي والذي وجهت اصابع الاتهام للامير محمد بن سلمان بالضلوع في مقتله ما زالت تطفو الى السطح بين الحين والاخر.

من الواضح ان السياسة التي اتبعتها السعودية في اليمن في محاولة شراء رؤساء القبائل والمشايخ في منطقة المهرة الى جانب وعودها بتحسين الاوضاع المعيشية لسكان المنطقة وبرامج إعادة الاعمار وشق الطرق والعمل على بناء مستشفى لابناء المنطقة ومدارس ..الخ, هذه السياسة قد فشلت. وأن تصرفات السعودية في تلك المنطقة وخاصة سيطرتها التامة على ميناء نشطون الاستراتيجي وتحكمها به اوجدت قناعة على المستوى الشعبي اليمني ان القوات السعودية هي قوات إحتلال وعليها ان ترحل. ولقد ظهر هذا جليا من خلال الشعارات التي رفعت في التظاهرة الحاشدة لسكان المحافظة حيث تصدرت اليافطات التي كتب عليها ” لا للاحتلال السعودي…نعم للسيادة الوطنية” و ” صمودنا مستمر” هذه التظاهرة الحاشدة. ولقد بدأ وصول القوات السعودية الى تلك المنطقة بعد إنسحاب القوات الاماراتية في نوفمبر عام 2017 بعد فشلها في إنشاء مليشيات محلية تابعة لها كما حدث في منطقة شبوة وحضرموت.

تدعي السعودية ان سبب إنشاء الحواجز على الطرق وتواجد قواتها في المنطقة بما في ذلك إقامة معسكرات لهذه القوات إنما يعود الى مراقبة الحدود مع عمان الذي تدعي السعودية انها تستخدم لتهريب الاسلحة الايرانية الى الحوثيين هذا الى جانب تهريب المخدرات وهو ما نفته السلطات العمانية بالمطلق. ومن ينظر الى جغرافية اليمن يستطيع ان يرى ان الادعاء بان هذه الحدود تستخدم لتهريب شحنات من الأسلحة الايرانية على الحوثيين في المناطق الشمالية لليمن هو إدعاء كاذب ويدعو للضحك وذلك لطول المسافات وسيطرة القوات السعودية والاماراتية وقوات الرئيس المخلوع هادي على الطرق التي تؤدي الى شمال اليمن.

السعودية تريد السيطرة على محافظة المهرة وعلى الاخص على ميناء نشطون لتحقيق حلما طالما راود ال سعود الا وهو الوصول الى بحر العرب بالسيطرة على هذا الميناء الحيوي والاستراتيجي وبناء بنية تحتية متطورة وذلك لاستخدامه لتصدير النفط السعودي دون المرور بمضيق هرمز الاستراتيجي او باب المندب وبالتالي بعيدة عن إيران. وكان المخطط الذي عرضته السعودية على الرئيس السابق على عبدالله صالح ورفض آنذاك يقوم على مد خط انابيب من السعودية الى هذا الميناء حاملة النفط السعودي لتحمله ناقلات النفط الى الاسواق العالمية من خلال بحر العرب وهو طريق اكثر أمنا وغير خاضع لتجاذبات سياسية او تعريضه للخطر فيما إذا نشبت الحرب مع إيران. وهذا هو السبب الرئيسي التي تسعى من خلاله السعودية للابقاء على قواتها في المنطقة وإحتلالها. واليوم اكثر من اي وقت مضى تظهر الاهمية الاستراتيجية لهذا الميناء وخاصة مع التصعيد الذي نشهده في منطقة الخليج بشأن الملاحة في مضيق هرمز والذي من خلاله يعبر ما يقرب من 30% من إحتياجات النفط العالمية.

من هنا نرى ان هنالك مصلحة استراتيجية سعودية لاحتلال منطقة المهرة وهنالك انباء كانت قد تحدثت ان السعودية بدأت فعلا في بناء خط الانابيب في المهرة لمده الى الاراضي السعودية وعلى ان هذا المشروع قد تسارع في المدة الاخيرة مع زيادة التصعيد وحدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة وما سمي بحرب “ناقلات النفط” عبر مضيق هرمز. تصعيدا قد يفجر حربا في اية لحظة إذا ما إتخذ اي فريق خطوة خاطئة غير محسوبة النتائج. السعودية تسعي ان تفقد إيران أو ان تقلل من ميزة وأهمية إطلالها على مضيق هرمز الاستراتيجي. بالاضافة الى السيطرة على الميناء فإن منطقة المهرة هي منطقة غنية بالبترول الذي لم يستخرج بعد كما يشير المسح الجيولوجي للمنطقة وقد أقيمت المعسكرات للقوات السعودية في تلك المناطق الغنية بالبترول.

إن القتال العنيف والشرس الذي دار في محاولة سيطرت “قوات التحالف العربي” على الحديدة والذي لعبت فيه القوات الاماراتية دورا رياديا وخاصة على الارض كان جزءا من مخطط السيطرة على الموانىء الرئيسية والاستراتيجية في اليمن. وهذا المخطط على ما يبدو ترك للسعودية الان للقوات السعودية والمرتزقة من القوات السودانية في محاولة تحقيقه بعد قرار إنسحاب القوات الاماراتية من مناطق الاقتتال الضاري نظرا لعدم رغبتها في تحمل مزيد من الخسائر البشرية في قواتها. وأغلب الظن ان الامارات ستعيد تموضع بعض قواتها بحيث تبقي السيطرة على المناطق التي لن يحدث فيها المجابهة مع الجيش اليمني واللجان الشعبية وتقوم بسحب الباقي من قواتها وهذا ما بدأ فعلا منذ بضعة أشهر وهذا بعيد كل البعد عن السبب الذي اعطته الامارت رسميا من انها تريد الانسحاب لتعطي فرصة لتحقيق السلام عن طريق المبعوث الدولي لليمن.

في النهاية نود ان نؤكد ان السعودية تحاول جاهدة للسيطرة على الموانىء الرئيسية لسببيين رئيسيين. أولا: لاستخدام هذه الموانيء كمحطات وبؤر لتصدير البترول السعودي عن طرق اكثر أمنا وأقل تعرضا لاية مخاطر قد تنجم من التصعيد مع إيران. وثانيا: لتضييق الخناق والحصار الاقتصادي البحري على الشعب اليمني على أمل ان يؤدي ذلك إما لتقديم تنازلات من جانب الجيش اليمني واللجان الشعبية بما فيهم الحوثيين او على امل تثوير الشعب اليمني المحاصر ضد الحكومة في صنعاء وإسقاطها وفي تصوري المتواضع هذا كحلم إبليس بدخول الجنة. هذا الحلم السعودي لن يتحقق وما سنشهده هو مزيد من الغوص السعودي في المستنقع اليمني وهو كما يقول المثل “هذا ما جنت على نفسها براقش”. وهذا يعود لاسباب منها:

أولا: القدرات القتالية للجيش اليمني واللجان الشعبية وتطوير الاسلحة الاستراتيجية التي تمتلكها من صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة اصبحت تهدد فعليا وبحسب الخبراء العسكريين المناطق والاماكن الاستراتيجية داخل الاراضي السعودية من مطارات ومنشآت نفطية ومحطات توليد الكهرباء وغيرها. هذا بالاضافة الى تحول الاستراتيجية العسكرية من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم ونقل المعركة البرية الى داخل الاراضي السعودية والقيام بإحتلال بعض المناطق والقدرة على المكوث بها لفترات طويلة. وثانيا: موجات الغضب الشعبي على التواجد السعودي في جنوب اليمن الاخذ بالتصاعد والنمو وخاصة بعد إتضاح الصورة حتى للذين ايدوا دخول هذه القوات في البداية واصطفوا مع قوى البغي والعدوان والتحالف العربي. لقد توضح للشعب اليمني في الجنوب ان السعودية تطمع في السيطرة الفعلية على الارض اليمنية وعلى مقدرات اليمن وحرمان الشعب اليمني منها. هذا الى جانب ان الحراك الجنوبي الذي قاتل لفترة مع قوات التحالف العربي يشعر الان بأن هذه القوات إماراتية كانت ام سعودية قد طعنته في الظهر لانه كان يسعى في فصل الجنوب عن الشمال وهو ما ايدته الامارات في البداية. اما وقد قررت الامارات الانسحاب من المناطق الجنوبية او بعضها فإن قوات الحراك الجنوبي ستقاتل القوات السعودية في جنوب اليمن بإعتبارها قوات محتلة للبلاد. وثالثا: طبيعة الشعب اليمني بكونه وعلى ممر التاريخ لم يسمح لاي غازي او معتدي بالاستيلاء على بلده وعلى انه يمتلك من الشهامة والتضحية والعزة والشعور بالكرامة الكثير الكثير وعلى استعداد عالي للتضحية في سبيل الحرية والكرامة. وهذا ما هو واضح فعلى الرغم من قدراته التي لا تقارن على الاطلاق بالقدرات العسكرية والاسلحة المتطورة لما يسمى بالتحالف العربي وبرغم الدمار الهائل الذي احدثته قوى البغي والعدوان الا ان هذا الشعب ما زال صامدا ويقارع المحتل ويكبده الخسائر يوميا ولديه الاصرار والعزيمة للاستمرار حتى طرد المحتل.

السعودية وبالاخص عن طريق ولي العهد الامير محمد بن سلمان المتهور والذي لا يفقه بالحروب والذي لم تتجاوز خبرته بها اكثر ربما من ممارستها من خلال الالعاب على الاكس بوكس, متورطة الان في مستنقع لا تحسد عليه. فهي إن خرجت وانسحبت مثل الامارات ستخرج مهزومة وهذا يهدد مكانتها”و هيبتها” ليس في الخليج ومجلس التعاون الخليجي بل ومكانتها الاقليمية والدولية. وهي إن بقيت فإنها ستغوص اكثر وأكثر في المستنقع الذي خلقته بيديها ولا شك ان اي من هذه الاحتمالات مر كالعلقم والذي يبدو ان السعودية لا بد انها ستضطر الى شربه في النهاية. وهذا جزاء من لا يقرأ التاريخ ولا يتعظ ويتصرف بغباء وحماقة وعنتريات الجاهلية.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023