مقاربة للفوضى الخلّاقة للشرق الاوسط الجديد بمفردات ليبية…بقلم البانوسى بن عثمان

لا تستطيع أي مقاربة موضوعية. عزل ما يدور في ليبيا مند قرابة عشرة سنين من الزمان. عن ما يعصف بالفضاء الجغرافي لجنوب وشرق المتوسط،  وهو لا يخرج بمقدار شبر واحد. في تقديرى. عن ما عَرّفته واشارة اليه واسّمته وزيرة خارجية امريكا في عهد الرئيس بوش السيدة كندليزه رايس. وحملته مصطلح الشرق الاوسط الجديد .

 

وبهذا المسمى الجديد. نعرف بانه كان في ما قبله شرق اوسط قديم. تجتهد الصيغة الانجلوسكسونية لإدارة العالم في وجهها الامريكى. بإعادة إنتاجه في ثوب جديد. حمّلته مٌسمى شرق اوسط جديد،  كما قالت عنه السيدة الوزيرة حينها .

وهنا لا اسعى لأتناول مكّمن الجدّة في هذا الشرق الاوسط الجديد. ولا الذهاب وراء استفهام. هل هذه الصياغة الجديدة للشرق الاوسط. ستكون باجتراح يد امريكية خالصة،  عبر آلية اُطلقت عليها مُسمى الفوّضة الخلاقة،  وهل تتيح هذه. هامش واسع لليد الوطنية المحلية،  للمشاركة في صناعة هذا الجديد. بعيد عن سابقه. الذى جاء بالقديم على يد القابلة الانجليزية. اثر مخاض مشروع (سايس – بيكو). ولا الى ملاحقة الاسس التى نهض عليها الشرق الاوسط القديم. والتى – في تقديرى- ارّتكز على صِيغة تعتمد المشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية،  كدولاب رئيسى ووحيد في التفاعل مع الشرق الاوسط،  في ادارة شئونه وتوابعها. عبر هذا الزمن الذى قارب على قفل قرن من العمر .

 

ولا اريد الخوض في ملامح الشرق الاوسط الجديد. التى بدأت تتكشف على يد ادارة الرئيس دونالد ترمب. من خلال اتجاهه المباشر،  نحو معالجة وتفكيك المشكل الفلسطينى – الاسرائيلى. التى ارتكزت عليها وتفرّعت منه كل مؤسسات الشرق الاوسط القديم. ولا اسعى ايضا. الى كيف ولماذا استفز – في تقديرى – واستتار هذا الفعل،  كل المؤسسات العميقة،  التى يتشكّل من مفرداتها. المحلية. الاقليمية. الدولية. الشرق الاوسط القديم. وجعلها تقف مدّعومة برديفها العالمي،  في وجه هذا التوّجه لإدارة الرئيس الامريكى السيد ترمب .

 

بل كنت اسعى من خلال هذا المٌدخل. الى القول بان الدول العظمى النافدة في هذا العالم البائس. عندما تريد ان يتحقق امر ما. مثلا. كما في حالة الشرق الاوسط جديد. وتعتزم على بعثه فى دنيا الوجود. تقوم وبما تملك من فائض في القدرة. بالتخطيط والاعداد له وخلق الظروف والبيئة اللازمين لإنجاحه. وذلك بتمرير المُبتغى في الهدف والمسّتهدف. عبر مراكز ابحاث متخصصة. وبيوت خبرة ضليعة. وأيدي ذات تأهيل عالى. جاءت من ارقى جامعات العالم. لتتولى مسؤولية ذلك. ثم تجتهد هذه. وتجدْ متكأه على العلم. لنقل وتفّريغ التخطيط الى واقع ملموس. من خلال اعداد وخلق. البُنى التحتية اللازمة لتحقّقه على النحو الذى خُطط له .

 

فمثلا. ففى الحالة الليبية. والتى تشكل مفردة من مفردات جغرافية. هذا الفضاء الفسيفسائي الممتد على طول ضفتي شرق المتوسط وجنوبه. لم استطيع وجود تبرير منطقي مُقنع. لا يستند على غير الذى ثم طرحه في ما سبق .

 

* فتكّديس الذخيرة والعتاد الحربيين،  بمخازن تغطى الجغرافية الليبية. بكم هائل يتخطى حاجة البلاد بكثير. * ومُراكمة عائدات النفط الليبي على امتداد عقود من الزمان. كأرصدة وحوافظ مالية في خزائن بنوك خارجية وداخلية. وحقائب مالية جوالة تجوب قارات العالم. في حين كانت البلاد تعانى فقر مُخْجل. في جميع ما يتعلق بالبُنى التحتية. خدمية. صحية. تعلمية. زراعية. الخ. التى يحتاجها وتُمكن المواطن. في ادارة شأنه اليومي،  بقدر مقبول من السلاسة واليسر. * والاجتهاد في تهميش المؤسسة العسكرية التقليدية والاتجاه نحو تفكيكها. بخلق بديل موازى مؤهل لاستخدام السلاح الخفيف والمتوسط،  بدون تأطير وكوّدرت هذا الجسم الموازي،  بما يحّفظ توظيفه في غير صالح الوطن. * والذهاب نحو تفكيك الاطار العام للدولة الليبية. واعادة الناس الى كيانات ما قبل الدولة،  لاعتمادها مرّجعية لإدارة شأنهم اليومي. * والتغافل عن خلق آلية تحّصين مناسبة (للحفّاظ) تقيّهم وتُبعدهم عن توظيفهم في تطرّف،  يضر بهم وبمعّتقدهم وبمحيطهم .

 

كل هذا وغير. لا تستطيع أي مقاربة موضوعية لمفرداته. ان تُدّرجه في غير اعداد وتأهيل الجغرافية الليبية. للذي يعصف بجنباتها على مدار السنين العشرة الماضية. وبما يتساوق مع ما دهبنا اليه سلفا .

 

ليس هذا وحسب. بل شاهدنا جهرتا. الايادى التى قامت بكل هذا. قد عملت على جلب العديد ممن قد تتلمذ على يد رموز وقادة التطرّف،  في ازقّة قندهار وكهوف تورا بورا. بعدما حط بهم الرحال في افغانستان – باكستان. بعد مرورهم بمحطات. السودان. اليمن،  موريتانيا. الاردن. باكستان. مانشستر لندن.

 

جلبتّهم ذات الأيادي جو وبحر وبر،  الى الجغرافية الليبية. كمطلوبين وملاحَقين امنيا. ومن تحت غطاء ما اصطلح علية (بالمُراجعات)،  ثم اخلاء سبيلهم وادماجهم في المجتمع. وفى ما بعد واثناء انتفاضة فبراير. شاهدناهم وهم يجتهدون ويجدّون ليتصدروا مشهد حراك المغبونون بليبيا. ولم يكفوا حتى انتهوا بالانتفاضة الى (صخيرات المغرب) وعرّابها. حيت اُطّرت فيهم ولهم. في الرئاسي. الاعلاء. النواب. في مخرجات مؤتمر الصخيرات وتوابعه. ومن ثم ذهبوا لتقاسم جهد الناس في معاناتهم وتضحياتهم. محاصصة في ما بينهم. وفى خدمة عرّابهم. الذى وفّر لهم غطاء الشرعية الدولية من داخل اروقة مجلس الامن. مُتغافل عن كل ما تلّهج به حناجر الليبيين من غضب واحتجاج. ومُسفّها في عديد المرات،  محتوى ومضمون مُداخلات،  مندوبى الهيئة لليبيا،  امام مجلس الامن والجمعية العامة. وربما مداخلات الدكتور سلامة المندوب السابق،  ونائبة استيفانى من الشواهد الساطعة على ذلك.

 

كنت احاول ان اصل بالقول. بان المشهد الليبيى قد صِيغ على هذا النحو. ولا يجب التعاطى معه على نحو خارج هذا النحو. بمعنى. لقد تشُكل المشهد الليبيى عبر مراحل الانتفاضة وما قبلها. بالأيادي التى اعدّت وهيّئة الجغرافية الليبية،  بكل ما يجعل منها بيئة صالحة. للذي يعصف بها مند قُرابة عشر سنين. وبأيادي العناصر التى جيء بها من كهوف تورا بورا وضواحى قندهار،  وجميع من ثم تمّريهم عبر. السودان. اليمن. الاردن. موريتانيا. باكستان. وثم تعّميدهم في ضواحي مانشستر لندن. وهؤلاء جميعا. سيكونون بيادق في خدمت أجندة عرّابهم. التى لا تسعى الى غير توظيف موارد ليبيا البشرية والطبيعة. وكل ما تمتاز به جغرافيتها. على نحو ينتهى في خدمة هذا العرّاب العتيد. وبعيدا عن مصلحة ليبيا والليبيين وفضاءها الاقليمى القريب والبعيد. ولا يلامس هذا المسار،  لا من قريب او بعيد كل ما له علاقة بالاستقرار والسلم الدوليين.

وفى تقديرى. ان الذهاب بالتأزم الليبيى والاجتهاد والعمل على جره. نحو خلق واقع موازى. بعيدا عن المخرج الصخيراتى. يسّتند فيه ويتكئ على الوعاء الجغرافى في مكونات ليبيا الثلاث. سيكون الاقرب بلا ريب. الى تطّويع كل موارد ليبيا،  سوى كانت طبعيه او بشرية او ما في حكمها. نحو توّظيفها في خدمة هذا الوعاء الجغرافى الليبيى وقاطنيه بجميع تنوّعهم وتعددهم العرقي والمذهبي وسواه. وسيدفع هذا التوجّه وعلى نحو تلقائى. نحو كل ما يلامس الاستقرار والسلم الدوليين. ويبعد ليبيا ومحيطها الاقليمى القريب والبعيد عن دوائر الارهاب الجهنمية.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023