من تداعيات طوفان الأقصى…بقلم محمد الرصافي المقداد

من تداعيات طوفان الأقصى…بقلم محمد الرصافي المقداد

دخلت مقاومة الاستكبار والصهيونية مرحلة التحدّي، في مواجهة هاتين الآفتين الخطيرتين في عالمنا المعاصر، سمة هذه المقاومة عقائدية إسلامية، وهي التي كانت تفتقدها زمن المقاومات الأولى، التي طغى عليها الفكر اليساري والقومي العروبي، والذي قضى نحبه سريعا ولم يعد له مكان فاعل، أمام جبهة الفكر الإسلامي الثوري، التي تشكلت بعد قيام النظام الإسلامي في إيران، في حركات إسلامية سرعان ما ائتلفت برعايته الحكيمة، في إطار مشروع تحرير فلسطين الكبير.

 

هذا المشروع الذي طرحه الإمام الخميني، صمد رغم المؤامرات الغربية الفاشلة في ترذيله، بقي وحده الحلّ الأمثل القادر القيام بمهمّتين، مهمّة مناجزة الأعداء وتحقيق النتائج المرجوّة لها، والعمل الجاد على توحيد الصّف الإسلامي، حول القضية الفلسطينية، واتباع سبيل واحد في حلّها، وهو سبيل المقاومة المسلحة، بالتوازي مع كل مجهود يبذل في سبيل ذلك، بما فيه اعتبار المجهود الثقافي والإعلامي وسيلة ناجعة، في كشف زيف الإستكبار والصهيونية الإعلامي والثقافي والحضاري، فجميع الوسائل المتاحة في هذا المجال، ومن شأنها أن تسهم في صناعة بيان حقوق الشعب الفلسطيني وصناعة النّصر على يدي أنصاره وحلفائه، في قضية تحالف عليها أعداء الإسلام، من أجل السيطرة على المنطقة برمّتها، ووضع أيديهم الإستعمارية القذرة على مقدّرات الشعوب الإسلامية، بعدما سيطرت عليهم سياسيا بصناعة عملاء يحكمون فيها إلى اليوم، لم تتغير سياساتهم الخيانية في شيء من تواطئهم، على مرأى ومسمع من شعوبهم.

 

اليوم وبعد مرور 200 يوم على بداية طوفان الأقصى، أصبحنا نرى تعاظم إنجازات هذا التحوّل الكبير في مقاومة الأعداء، وهي إنجازات عسكرية وسياسية وشعبية باهرة، فما كان بعيد المنال بالأمس أصبح اليوم قريبا من النصر على العدو، ولن يثني المقاومة الفلسطينية وحلفها المبارك عن مواصلة مسيرتها الموفّقة، في المقاومة حتى تحقيق أهدافها، كثرة خسائر المدنيين في غزة، وما زاد في ثبات عزائم المقاومين في القطاع، انضمام فصائل مقاومة أخرى في لبنان واليمن والعراق وسوريا، لتنصهر جميعها في حركة جهادية واحدة، هدفها الأوّل والأخير نصرة فلسطين، وقد أحدثت ارباكا في حسابات الأعداء.

 

أما الإنجازات السياسية والشعبية، فتحوّل كبير في قناعة الشعوب في العالم بمظلومية الشعب الفلسطيني في حقّانية حقوقه المشروعة، وقد انتشرت هذه القناعة بين أوساط الطلاب في الجامعات الأمريكية أخيرا، فتحركت أكثر من 16 جامعة، من مختلف مناطق الولايات الأمريكية، في تظاهرات واعتصامات منددة بجرائم الكيان الصهيوني، التي لا تزال ترتكبها قواته في قطاع غزة، مطالبة بوقف تلك الجرائم فورا، ولا أعتقد أن أسلوب القمع البوليسي الذي اتخذته السلطات في تلك الولايات، سينجح في وقف تعابير التنديد التي انتشرت بين طلاب الجامعات، بل سيزيد من فضح وحشيّة النظام الاستكباري الغربي برمّته بقيادة أمريكا، وبيان زيف مبادئه في الحرية والديمقراطية ونبذ العنصرية والكراهية، هؤلاء الطلبة لهم وزنهم بين أسرهم وفي مجتمعاتهم، وهذا بإمكانه أن يزيد من ضغط الشعب الأمريكي على حكامه، وهذا مكسب حقيقي له قيمته المعنويّة، لم يكن ليحصل لولا طوفان الأقصى.

 

ذكر موقع فرنسا 24 عند هذه الأحداث التي تصبّ إعلاميا وشعبيا في صالح القضية الفلسطينية، مما يؤكّد أن تحوّلا كبيرا يتحقّق لفائدتها حتى داخل أمريكا نفسها التي تقف بكل امكاناتها إلى جانب الكيان الصهيوني، فكتب على صفحته: (يتصاعد الاحتقان في الجامعات الأمريكية التي تشهد مظاهرات متزايدة ضد الحرب في قطاع غزة، وحيث أوقف مئات الأشخاص، في وقت تواجه شرطة مكافحة الشغب طلابا غاضبين. فيما هدد رئيس مجلس النواب مايك جونسون، خلال زيارة إلى جامعة كولومبيا، بأن يطلب من الرئيس جو بايدن تعبئة الحرس الوطني في الجامعات، التي تعاني من “فيروس معاداة السامية”.من لوس أنجلس إلى نيويورك، مرورا بأوستن وبوسطن وشيكاغو وأتلانتا، تتسع حركة الطلاب الأمريكيين المؤيدين للفلسطينيين، حيث نُظمت احتجاجات في عدد من الجامعات المرموقة عالميا، مثل هارفرد ويال وكولومبيا وبرينستن، فيما تهدد السلطات بإرسال قوات أمنية لتفريقها) (1)

 

وتحت مبرّر معاداة السامية، الذي طالما رفعته الدول المناصرة للكيان الصهيوني الغاصب، في وجه كل من يقف إلى جانب الفلسطينيين، وحقوقهم المشروعة التي داس عليها هذا الكيان، تبنى السياسيات الغربية على ذلك الأساس، ضدّ الدول والشعوب المؤيّدة للقضية الفلسطينية العادلة، فقامت حتى داخل بلدانها ومدنها بالتضييق على تظاهرات مؤيدة لغزّة، ( في ذات السياق، طردت شرطة أتلانتا، جنوب الولايات المتحدة، صباح الخميس طلاباً من جامعة إيموري وأقرّت في بيان بأنّها استخدمت مواد “كيماويّة مزعجة” على المتظاهرين في مواجهة “عنف” البعض. ورغم التحركات الأمنية، إلا أن الحراك الجامعي يشهد وعلى ما يبدو توسّعاً. فقد أُنشئ في وقت باكر الخميس مخيّم جديد في حرم جامعة جورج واشنطن في العاصمة، حيث من المقرّر تنظيم تظاهرة.(2)

 

يبدو من خلال هذه التظاهرات التي انطلقت من داخل الجامعات الأمريكية التي كانت هادئة، ثم أعلنت غضبها مما يجري في غزّة من جرائم إبادة للمدنيين، لا تفرّق بين الأطفال والنساء والمرضى وهدم وتفجير المشافي والمرافق المدنية، ولا تقيم وزنا للقوانين الدولية، في حرمة انتهاك حقوق الشعوب، وانتفاض الطلبة بأمريكا ينذر بعاصفة توسّع هذه الاحتجاجات مما سيعسّر من جهود كبح جماحها ولو بالقمع البوليسي، وهذه من نتائج طوفان الأقصى، ومن شأنها أن تقلب مواقف مناهضة للكيان الصهيوني، إلى معادية له في عقر أمريكا، وبفضل هذه المقاومة الباسلة، ترتقي القضيّة لفلسطينية إلى مصاف انتشار ملف قضيتها العادلة، لتتبناه الشعوب الغربية ومعارضة حكوماتها، وهذا الضغط الطلابي والشعبي، ستكون له آثاره في كبح جماح ميلان حكوماتها ميلة واحدة، إلى جانب الكيان الصهيوني المجرم، وسيجبرها على تعديل كفّة ميلانها.

 

المراجع

 

1 – التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين

 

التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين (france24.com)

 

2 – التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات

 

التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات – DW – 2024/4/26

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023