نداء من أجل تعزيز الرقابة وكشف أنشطة الجمعيات الصهيونية في تونس…بقلم د مصباح الشيباني

نداء من أجل تعزيز الرقابة وكشف أنشطة الجمعيات الصهيونية في تونس…بقلم د مصباح الشيباني

منذ صدور المرسوم عدد 88لسنة2011المتعلق بالجمعيات في تونس، ونتيجة لحالة الميوعة القانونية والسيولة السيادية التي أحدثها هذا القانون وغيره من التشريعات الكولونيالية الأخرى في تونس ما بعد 2011، تضاعف عدد الجمعيات والمنظمات بشكل لافت ليصل وفق اخر الاخصائيات الى حوالي 23676 جمعية الى غاية10ديسمبر2020.
طبعا هذه الجمعيات التي تتوزع على كامل تراب الجمهورية وتنشط في مختلف المجالات المدنية والحقوقية والثقافية والفنية والشبابية …الخ رغم اهمتها ينبغي أن لا يحجب عنا ضبابية أنشطة بعضها، وغياب شبه تام لبعضها الاخر التي فقدت شروط استمراريتها، وبعضها الاخر الذي انحرف في أنشطته عن تحقيق أهدافه المعلنة والرسمية، وأصبح يعمل في غرف الظلام لتحقيق أهداف اخرى سياسية وارهابية وتطبيعية مع الصهيونية..
في هذا الاطار، تزايد عدد الجمعيات ذات الأنشطة المشبوهة التي تمثل قنابل موقوتة والمدعومة من جهات أجنبية عربية وغربية – تمويلا وتأطيرا- وباتت تلعب على المكشوف دون مراقبة أو محاسبة أو حتى متابعة من قبل السلط الرقابية والهياكل القضائية المعنية. وقد كتبنا في هذه المسألة ونبهنا الى خطورتها منذ عام 2012، حيث راهنت هذه الجمعيات على واقع التشتت للقوى الوطنية وغيابها عن ساحات الفعل المجتمعي الحقيقي ( الشبابي والثقافي والاجتماعي)، واستغلت حالة التشظي السياسي وضعف المؤسسات الرقابية للدولة وتواطؤ بعضها معها، لتجد نفسها طليقة الأذرع في ساعة فارغة دون بلا حسيب ولا رقيب
سوف أتوقف في هذا النص، ودون ذكر كثيرا من التفاصيل، بالحديث عن بعض هذه المنظمات الناشطة في مجال الدعاية للتطبيع الثقافي والفكري والسياسي مع الصهيونية تحت أسماء متنوعة( جمعيات ومنتديات ومراكز بحوث..) وباسم عناوين وأنشطة متعددة ( ثقافية وحقوقية وشبابية ..)، وما يجمعها كلها او الرابط المشترك بينها هو العمل على تأطير الشباب في تونس، وغالبا داخل غرف مظلمة( داخل النزل وغيرها)، لتقوم بدور ” مجموعات التفكير” (Think Tank) وتستهدف انتاج جيل جديد بمخيلات سياسية وعقائدية وفكرية جديدة بالطريقة التي تتناسب مع غاياتها الاستراتيجية ومشاريعها المستقبلية التي تريد تمريرها، وأهمّها نشر ثقافة التطبيع مع الصهيونية باسم الروابط الانسانية ونشر الديمقراطية وحقوق الانسان لكن ضمن الانتماء الى “الفضاء المتوسطي” اي ضمن مشروع ” الشرق الاوسط الجديد”.
من أمثلة هذه المنظمات التي كنت بصدد متابعة أنشطتها وتوثيقها من حين لاخر، ومن خلال أسمائها وعناوينها ورؤسائها تعرفون غاياتها التي ذكرتها، ومنها نذكر على سبيل المثال: ” مركز دراسة الاسلام والديمقراطية”( منظمة تونسية امريكية تمارس انشطتها منذ تأسيسها عام 1999) ، وما يسمى ” منتدى سفراء السلام حول العالم” ( عقد دورة تكوينية لمجموعة من الشباب في احد النزل بجربة خلال الاسبوع الماضي)، وما تسمى ب” الجمعية الدولية لحماية أطفال المتوسط” ( مقرها جنيف وتنشط في عديد الجهات التونسية..) واخيرا، الاكثر افصاحا عن خلفيتها الصهيونية ما تسمى ب” الجمعية التونسية لمساندة الأقليات” والقائمة طويلة.
طبعاً، واعتمادا على المرسوم المذكور المنظم لأنشطة الجمعيات في تونس، وجدت هذه المنظمات او الفعاليات المدنية، المجال مفتوحا أمامها لممارسة مختلف أنشطتها التي كانت في السابق مقيدة بضوابط قانونية واضحة، ويتوفر فيها الحد الأدنى من المراقبة والمحاسبة خاصة لما تكون هذه الأنشطة تهدد وحدة الشعب وسلامة الوطن أو أمنه. وأشير الى مثال من خلال الانشطة الاخيرة ل ” الجمعية التونسية لمساندة الاقليات ( مع التذكير أن مسألة الاقليات بدعة استعمارية غربية) وهي مشاركتها في ” المنتدى الاقليمي المعني بالأقليات في افريقيا والشرق الأوسط” ( 15و16جوان 2021). وما لفت انتباهنا هو موقف الكاتبة العامة لهذه الجمعية التي عبرت عنه وهو رفضها للفصل 74من الدستور حول شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، وادانتها مثلما تقول:” عدم احياء ذكرى ترحيل اليهود التونسيين تحت استعمار ألمانيا النازية وقانون التبشير الذي يحد من حرية التعبير…” وهذا الكلام الذي نقلته حرفيا من موقع هذه الجمعية، دليل قاطع على هدف الجمعية في التبشير للصهينة والتعايش السلمي مع دولة الاحتلال ….
نذكّر السيدة الكاتبة العانة لهذه الجمعية وأمثالها ، أن اليهود الذين تركوا بلادهم وهاجروا الى فلسطين وشاركوا في المشروع الصهيوني لم يتم ترحليهم ، بل غادروا البلاد عن طواعية مثلهم مثل اليهود الاخرين من جميع مناطق العالم هذا أولا. وثانيا، اليهود الذين يقيمون في تونس ليسوا أقلية، بل هم جزء من المجتمع التونسي لهم ما لبقية الديانات الاخرى من حقوق وواجبات وعليهم ما عليهم. وثالثا، ان عملية هجرة اليهود الى فلسطين المحتلة سابقة للنازية بحوالي قرن كامل، حيث بدأت مع مشروع ” ادوار متفورد”(1845) وصاحب هذا المشروع ديانته مسيحية وليست يهودية. وهو أول من دعا الى اقامة دولة يهودية في فلسطين، ثم تم ضبط مراحل تنفيذ هذا المشروع مع مؤتمر ” بال” بسويسرا عام 1897بقيادة الصهيوني ” تيودور هيرتزل” الذي ضمنه في كتابه: الدولة اليهودية.
لهذا، نحذر من محاولة تزييف التاريخ واخفاء الحقائق وأهمها أن المشروع الصهيوني وهجرة اليهود الى فلسطين سابقة للنازية والحرب العالمية الثانية بقرن كامل. ولمن يريد التوسع في هذه المسألة احيله الى كتاب مهم للكاتب” محمد السماك بعنوان: الاصولية الانجيلية أو الصهيونية المسيحية والموقف الامريكي”(1997).
ان هدف هذه الجمعيات هو تسميم أخلاق شبابنا وازدراء ارتباطاتهم العائلية والاجتماغية والدينية وهويتهم الوطنية تحت عناوين وهمية ، وعبر التركيز على بعض نقاط الضعف في صفوف هؤلاء الشباب مثل : البطالة والهشاشة النفسية والفقر..الخ والدفع بهم ليكونوا مجرد هوامش في التاريخ وأدوات تنفيذ لا يمنكهم التفكير باستقلالية او خارج” براديغم الدونية” او الطاعة العمياء على كل صعيد. هذه الجمعيات المشبوهة في التمويل والاهداف والادوار التي نجحت في تنظيم عديد الأنشطة شبه دورية التي تعجز عن تنظيمها المؤسّسات العمومية والرسمية. فهذه الجمعيات لم تتأسس من اجل سواد أعيننا، وانما لتحقيق أهداف الكولونيالية الجديدة الناعمة الصهيونية التي تنطلق من عقول الشباب. اذ تعمل على تدجينهم وتوجيههم نحو الاتجاه المطلوب، ليتحولوا الى قطيع مطيع يقوده ذئاب في حمل خرفان.
تنشط هذه الجمعيات في ظاهرها بالمجالات الحقوقية والانسانية…، ولكن في حقيقتها تستهدف خلق حالة من الاستباحية في النسيج الوطني، وتنشئة الشباب على ثقافة التطبيع مع الصهيونية في ظل انهيار الممنوعات السيادية وغياب المراقبة والشفافية والمساءلة من الجهات الرسمية، خاصة لما تكون القوى او الجهات الداعمة لها أو المشاركة في أنشطتها أجنبية. في الظاهر تبدو لنا أنها تقدم خدمات مجانية، ولكن لا ننسى أنه من الحكم ودروس التاريخ وعبره التي تعلمناها هي أن “كلّ منتوج يقدم لك مجانا، اعلم أنّك أنت سلعته”.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023