هل “أشرك” حكام العرب!؟…بقلم: محمد الرصافي المقداد

هل “أشرك” حكام العرب!؟…بقلم: محمد الرصافي المقداد

في حين تعيش شعوبنا أنواع القهر، بعدم القدرة على امتلاك سياساتها الخارجية، وهي ترى حكامها يهرعون كل مرة، الى رحاب اعدائهم، ظنا منهم بأنهم اصدقاء، يتقرّبون اليهم بالمودّة، يرمقنا بقية العالم بنظرة الدّون والامتعاض، نتيجة التبعيّة المفرطة التي توختها حكوماتنا رجاء صفقات الذلّ المبرمة.

قد لا يبدو السؤال وجيها، عند من لم يعد يرى في أغلب القادة العرب عيبا، يجعل السؤال منطبقا عليهم تماما، لكنه من وجهة نظر غيرهم، قد أصاب مرماه فيما يرى منذ أمد غير بعيد، نزوعا إلى ركن وثيق، يحتمي به هؤلاء من نتائج سياساتهم الخاطئة، التي غالبا ما تكون عواقبها وخيمة، ومدعاة لنقمة الشعوب، ومعارضتها وكرهها لقادتها،  وقد لا أكون مغاليا إذا ما قلت، بأن حكام العرب أصبحوا المطيّة المفضلة، لقوى الغرب الاستكبارية بزعامة أمريكا، بل إنهم متنافسون عليهم، من يكسب إلى إسطبله أكبر عدد من البغال ذات القدرة على تنفيذ أعمالهم. شعوب العرب التي بلغت درجة اليأس من تغير حالها، واستنقاذ مصيرها من المجهول، الى واقع أفضل، بسبب دعم الغرب لهؤلاء الحكام، بكل ما كانوا يحتاجونه، من أجل كبح جماح شعوبهم، ولو بقمعهم بكل الطرق، التي يتغاضى عنها دعاة الديمقراطية الغربية. ويبدو ان مرحلة التبيعة للغرب، أصبحت عقيدة حكامنا الحاكمة في سياساتهم، بل أعتقد دون أدنى تردد بأنها تجاوزت سقفها لتصل الى حدّ قناعتهم بأن قوى الغرب هي المنقذ من تيه تردّي أوضاع حكمهم، ولا أستبعد عند بلوغهم هذا المستوى من القول بأنهم اتخذوهم أربابا، يجعلون لهم شيئا من الإيمان بقدرتهم على إخراجهم من مضايقهم وأزماتهم، كأنما عموا وصمّوا على ما في شعوبهم من مخزون خلق وابداع، وما في جيرانهم واخوانهم من استطاعة عمل الكثير مما يعوزهم، دون الرجوع الى الغرب في شيء منه. لقد صدّقنا فيما مضى من أننا تحررنا من دول الغرب الاستعمارية، وبقينا على ذلك الوهم نعيش، الى أن اصطدمنا في هذا الزمن بواقع مرّ، أثبت لنا أن الاستقلال كان مسرحية، وأن التبعية لا زالت قائمة بكل تفاصيلها، ماضية في سياسات حكامنا، مضيّ الحكم المؤبّد الذي يصدره القاضي على المتّهم. لقد اثبت حكامنا عجزهم عن تجاوز أزمات بلداننا الاقتصادية، بدون الإعتماد على هذا الغرب الذي جرّهم الى ملّته بالقروض تلو القروض، الى أن أغرقهم في مستنقعه الآسن، فأصبحوا مجنّدين لديه، على أتمّ الاستعداد لتنفيذ رغباته وطلباته، ولو كانت على حساب المبادئ والكرامة والسيادة والوطنية، وهذا واقع أصبحنا نعيشه اليوم بكل أسف وحسرة، ولا نجد له مخرجا، حتى بعد ثورات الربيع العربي المهجّنة والمعدّلة غربيّا. ما حصل في مصر أخيرا من أعمال عدائية ضد إيران، باحتجاز ناقلة نفط أوكرانية تحمل النفط الإيراني تنفيذا للقرارات الأمريكية الظالمة بحق الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تزامنا مع أحكام اصدرتها محكمة مصرية يوم الإثنين، على عدد من المصريين الأبرياء، بتهم التجسس لصالح إيران، وهي تهم ملفّقة ومعدة مسبقا، استجابة لرغبات أمريكية سعودية إماراتية، تسعى الى خلق مناخ عدائي مفبرك ضد ايران، وتمهيدا لمرحلة أخرى من توتير العلاقات معها، يدعونا الى الجزم بأن هؤلاء الحكام، شعروا بذلك أم لم يشعروا، أصبحوا لعبة بين أيدي أعداء شعوبهم، وفي تصوّرهم أنهم بين أيد صديقة. واقع انظمة عربية آثرت أن تدير ظهرها لشعوبها، وتتبع سبل اعدائها ممن تآمروا على قضاياها المصيرية، ولعبوا دورا أساسيا في تأخّرها عن ركب الشعوب المتقدّمة، أنظمة أثبتت مرة أخرى أنها أصبحت مرتهنة لسياسات خاطئة، افضت بها الى حالة سيئة، هي اشبه ما تكون بالشّرك في الاعتقاد، بأن هذا الغرب بزعامة امريكا يملك مصيرها، وبيده الخير والشر بشأنها، وحريّ بقادتها أن يبادروا الى محراب عبادته، بالطاعة الكاملة والامتثال المطلق لنزواتها، فهو بما اجتمع من قواه، آلهة بالمنظور السياسي العربي الحالي، طاعتهم تجرّ عليهم الرضا، وتمنحهم فرصا أخرى في استدامة سلطانهم. الشعب الايراني شعب مسلم، وحكومته مستمدّة من دستور الدين الحنيف، وقضاياه مشتركة مع بقية الشعوب الاسلامية، لم يسئ يوما لدولة عربية واسلامية، وكل ما لفّق عليه قديما كان محض افتراء، ثبت بهتانه وبطلانه، وما لفق عليه حديثا، ما هو الا استنساخ لسيرة قديمة وعقيمة، تدعو شعوبنا للخجل منها، طالما أن حكوماتنا لا تمتلك من الحياء شيئا، يردعها عن المضي فيما خططته أمريكا والكيان الصهيوني من سوء، استهدفت فيه ايران الفتية الخارجة عن طوع امريكا وحلفائها، والمستقلة بقراراتها الوطنية والاسلامية، والخادمة لقضايا أمّتها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تخلى عنها العرب بصفة تكاد تكون نهائية. لكن يبقى لنا امل في أن تنهض شعوبنا، من سقطة الذّلّ التي أوقعهم حكامهم فيها، فيعملوا على مسح عار سياسات عملاء، فقدوا كل قيمة إسلامية وحتى انسانية، قد أوقفوا اهتماماتهم فقط في الحفاظ على كراسي حكمهم، ليس بالرجوع الى شعوبهم وتحقيق مطالبهم وآمالهم في غد أفضل، بل بالسمع والطاعة والامتثال لنزوات شياطين الانس، آلهة كل حاكم عربي اعتبر أن للغرب قدرة في تغيير واقع حاله، ونسي قدرة الله. إنّ الآمل في الاصلاح السياسي لا يزال قائما، طالما أن في حكام العرب بذرة خير، لا تزال باستطاعتها أن تنموا نموا صالحا، لتظلل بفيئها الواعد بكل خير، على شعوب لا تزال تملك القدرة على التغيير، ومن يدري لعل الخلاص قريب طالما أن الوعد الالهي لا يزال قائما. وأخيرا لن تفلح مؤامرات الغرب وعملائه في تغيير مسار ايران الاسلامية، العازمة على تغيير المعادلة السائدة، في هيمنة القطب الاستكباري الواحد على العالم، هدف انساني عالمي سيقف معه كل شعب أبيّ شريف، ويسقط عنه كل عميل ذليل كما تساقط أوراق الخريف.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023