هل ستبقى مصر هبة النيل العظيم؟!… بقلم محمد النوباني

هل ستبقى مصر هبة النيل العظيم؟!… بقلم محمد النوباني

بدأت اثيوبيا أمس بملء خزانات سد النهضة الذي اقامته على النيل الازرق ضاربة عرض الحائط بكل توسلات واستجداءات نظام السيسي لتأجيل هذه العملية لإجراء المزيد من المفاوضات للوصول الى حل تفاوضي لازمة السد بما يحفظ ماء وجه النظام ويجنبه الظهور بمظهر العاجز أمام شعبه. وهو الذي يهدد بالتدخل عسكريا في ليبيا لمساندة خليفة حفتر بحجة ان ما يجري هناك يشكل تهديداً للامن القومي المصري.
وطبقاً لما رشح من معلومات فقد حاول المسؤولون المصريون بعد إعلان وزير الري الأثيوبي رسمياً امس عن بدء عملية ملء خزانات السد الاتصال بالمسؤولين الاثيوبيبن لإستيضاح الامر منهم ولكنهم فوجئوا بأن الهواتف الأرضية لا تجيب في حين ان الهواتف الخليوية مغلقة.
وغني عن القول أن الحكومة الإثيوبية لم تكن لتتعامل بهذا الاستهتار مع مصر لو انها لا تحظى بدعم غير محدود من قبل اسرائيل التي ساعدتها في إنشاء السد وزودتها بمنظومات دفاع جوي متطورة للدفاع عنه او لو انها لم تكن متأكدة الى درجة اليقين بان النظام المصري الحالي لا تتوفر لديه لا الإرادة السياسية ولا الشجاعة التي تمكنه من إستخدام القوة العسكرية المصرية او حتى التلويح بإستخدامها لانتزاع الحقوق وبالقوة في حال عجزت الوسائل الدبلوماسية عن فعل ذلك.
بكلمات اخرى فإن الحكومة الإثيوبية تعلم علم اليقين بأن أقصى ما يمكن لظام السيسي الذهاب إليه هو التوجه الى مجلس الامن الدولي ومطالبته بعقد جلسة طارئة للبحث في تظلمات مصر والتمني على الحكومة الإثيوبية النظر بعين العطف الى مطالب مصر العادلة بحقوقها المائية وهذا ما كشفت النقاب عنه امس مصادر مصرية مطلعة في القاهرة عندما قالت بأن الحكومة المصرية أجرت اتصالات مع فرنسا وألمانيا لعقد جلسة طارئة لمجلس الامن الدولي.
وهذه الخطيئة الاستراتيجية المصرية هي تكرار لنفس للخطيئة التي ارتكبتها القيادة المنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية عندما أسقطت الخيار العسكري كوسيلة لاسترجاع الحقوق وذهبت إلى عملية تفاوضية عقيمة معتقدة بأن المراهنة على عدالة القضية لوحدها وعلى ما يسمى بالمجتمع الدولي يكفيان لانتزاع الحقوق وإذا بهما اقصر وأسهل الطرق لضياعها.
ويمكن القول ان حقوق مصر في مياه النيل ضاعت عندما استنجد الرئيس المصري عبد الفتاخ السيسي بالرئيس الامريكي دونالد ترامب وطلب منه الضغط على رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد لإستجداء تنازلات في قضية حقوق مصر المائية متناسياً ان ترامب لا يمكن ان يغضب نتنياهو من اجل سواد عيون السيسي، وضاعت حقوق مصر عندما أخضع نظام السيسي قضية سد النهضة للتفاوض من دون التلويح بالخيار العسكري في حال فشل المفاوضات. وضاعت حقوق مصر المائية في مياه النيل عندما تخلى نظام السيسي عن قطاع غزة وحاصرها لحساب اسرائيل متناسياً بأن اسرائيل وليس قطاع غزة هي من تشكل تهديداً للامن القومي المصري.
ومن نافلة الفول ايضاً ان مصر المكبلة بإتفاقات كامب ديفيد والمتحالفة مع الولايات المتحدة الامربكية ومع دول عربية تتهافت للتطبيع مع إسرائيل ولها استثمارات مالية كبيرة في اثيوبيا مثل السعودية والإمارات والخاضعة لشروط واملاءات البنك وصندوق النقد الدوليين هي أضعف من أن تمارس ضغوطاً على اثيوبيا لاجبارها على مراجعة موقفها من موضوع السد
ولكي تكتمل معالم الصورة لا يجب ان ننسى بان هناك مخططاً اسرائيلياً منذ أيام ً اول رئيس وزراء فيها وهو دافيد بن غوريون إلى صحراء النقب لإنعاشها وتطوير الزراعة فبها كما يجب ان لا ننسى ايضاً أن هناك مخططاً اسرائيلياً قديماً قديماً جديداً لضرب الزراعة المصرية والامن الغذائي المصري على اعتبار ذلك احد الوسائل المؤدية للخلاص من الخطر الديموغرافي المصري.
اخيراً أنا لست خبيراً في علم المياه “الهيدرولوجيا” لكي اتحدث عن أبعاد هذه الخطوة وتاثيرتها السلبية على مصر بالأرقام ولكن ما أنا متأكد منه أن اثيوبيا لن تتراجع  عن استكمال ملء خزانات سد النهضة والبحيرة الملحقة به إلا أذا جاء الى حكم مصر جمال عبد الناصر جديد يعيد الى مصر دورها القيادي في العالم العربي وفي افريقيا وثقلها التي يتناسب مع حجمها في العالم.
وبدون ذلك فستعطش مصر وسيجوع شعبها ولن تبقى هبة النيل كما وصفها المؤرخ اليوناني “هيرودوت “.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023