هذا الشهر هو بداية الخريف وفيه تجتر الأحزان , من أيلول الأسود جريمة إبادة المقاومة الفلسطينية , إلى صعود روح الزعيم جمال عبد الناصر إلى بارئها , بعد أن أوقف نزيف الدم الفلسطيني , ثم وفاة المناضلين خالد جمال عبد الناصر و محمود نور الدين اللذان قادا تنظيم ثورة مصر المقاوم للتطبيع والقابض على السلاح من اجل تطهير مصر من الموساد فقتل منهم من دنس البلاد .
وعلى الجانب الآخر كانت الاحتفالات تعم البيت الأبيض وتل أبيب وابوظبى على أنغام طرقعات الكاسات بين ترامب نتنياهو مع نفر من حكومة الإمارات –ترتوى بدم شعبنا الفلسطيني واللبناني نخبا للصداقة والدعارة, ليلة الذكرى ال 38 لمذبحة صابرا وشاتيلا .
وحتى لا ننسى , – عذرا- دعوني أجتر الأحزان فمن الأحزان يولد طوفان الغضب الساطع نورا على الشهداء, ونارا تحرق العملاء والصهاينة قتلة الأبرياء.
السادس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1982 ,ران الصمت على مخيم صابرا وشاتيلا لا يقطع سكونه الا أنين أصوات الوليد يتضور جوعا ,والأم الثكلى التى فقدت أبا الوليد منذ برهة من الزمن تعد بالساعات – وذلك حين خرج مع المقاتلين دفاعا عن بيروت (اللؤلؤة والدرة المكنونة ,لعالمنا العربي المسكون بالجن والعفاريت من قوى الرجعية العربية ,مشايخ الخليج- مستشهدا وهو يحاول امتطاء دبابة صهيونية تخطت الحدود.
كمدت الأم حزنها ووهبت الزوج لربها – وراحت تعصر ثدييها بشده لعل احدهما يروى ظمأ الوليد ,الذي راح ينهش فيهما دون جدوى فلم يجد ما بثنيه عن شده البكاء والعويل ,فمنذ أيام وحصار القوات الصهيونية لمخيم صابرا وشاتيلا يمنع مصادر الحياة , فمن أين يصير النهد ينبوعاً يروى ظمأ الوليد ؟ يواصل الطفل استرحام ثدي أمه ويزداد بكاء وعويلا , وقلب الأم الرؤوم يكاد يقطر دما مع كل صرخة ورفسة قدم ودمعة تنهمر من عيني الوليد لتصير كالسيل من عليين .
ويأمر شارون ، وزير الحرب الصهيوني، رئيس أركان جيشه اللعين (رفائيل ايتان )بتشديد الحصار على مخيم النساء والأطفال والشيوخ العزل , ويبدو انه قد أراد إسكات أنين الوليد وصرخاته التى بدأت تتعالى كل حين وقد صارت أقوى من طلقات البارود .
وعلى هدى الشيطان الرجيم مهدت العصابات الصهيونية الطريق لأكبر مجرمي التاريخ (أيلي حبيقه ) وقوات حزب الكتائب اللعين ومن معهم من جيش لبنان الجنوبي العميل ,ومن خلال عصابات هؤلاء الانعزاليين والصهاينة المحتلين اجتاحت مجموعاتهم مخيم العزل الفلسطينيين (صابرا وشاتيلا) , والى الداخل قتلوا كل من هو فى الطريق وأبادوا حوالي 4000 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح– لإسكات صوت الوليد –وتعالى صوت الوليد مع كل طلقة بارود ليزداد صراخ الرضيع .
وجن جنون القتلة ,وصار أنين الشهداء طنين فى آذان الصهاينة المعتدين والقوات العميلة من الكتائب وجيش لبنان الجنوبي الصهيوني , عاثوا يقتلون بدم بارد كل من يقابلهم غير مبالين بكهل وشيخ , و امرأة ولا طفل صغير .. بقروا بطون الحوامل و مارسوا الرذيلة مع بنت الطفولة قبل القتل والتقتيل , تجردوا من الإنسانية وصاروا كالبهائم المتدنية , وبدا أنهم يريدون إسكات كل الأصوات، وعلى مدى ثلاثة أيام من القتل والتدمير والترويع أبادوا الشجر والحجر والطفل الصغير فى كل إرجاء المخيم، فروت الدماء كل أركانه وغدت روافد تتجمع فى بركة تعوم فيها أشلاء وجثث الشهداء الفلسطينيين ومعهم اللبنانيين ,وكذا أم الوليد ,لكن صرخات طفلها الرضيع صارت تشق عنان السماء ولم تسكتها قنابل شارون ولا آيتان ولا مصاصي الدماء (ايلي حبيقة ولحد وسمير جعجع وبشير الجميل).
هنا بيروت أنا رجل من صابرا وشاتيلا، أنا الذي رأى القتل والدمار والظلام وهو يحيط بي وأنا أرى , أنا الذي رأى أمي تحتضني وأنا طفل رضيع أشاهد روحها تصعد للسماء، وأرى الدماء تحيط بي من كل حدب وصوب فى مخيم الموت، وأرى مدافع الصهاينة وعملاء الكتائب والقوات اللبنانية والجيش الجنوبي تحصد الأرواح , كنت هناك وأمي وأناتها كانت لي كالجوى والدماء تسيل من جسدها النحيل , أنا الذي رأى الابتسامة على شفاه المغدورين ,وأرواح الصغار تعانق الشيوخ , كنا سويا كان حضن أمي مازال ينبض حياة ونهديها كانتا لي ترياق , وكنت أرى , أنا الذي رأى صمت الخرفان والخصيان والعميان من العُربان، وتآمر العملاء والجبناء , وكنت أرى, ويقسم الوليد , بكل الذي رأى وبمن جعله يرى ,وبعد أن شب عوده وصار فتى ,أنه لن يدركه الكرى ,إلا بعد أن يطيب الثرى من تحت أجساد شهداء صبرا وشاتيلا , بالثأر من القتلة الصهاينة وعملائهم من الكتائب وكل القوى الدائرة فى فلك العدو الصهيوني .
لتبقى الذكرى ال 38 لمجزرة صبرا وشاتيلا جديرة بكل الذين تمنوا أن يدشنوا جيلا جديدا قويا وقادرا على الأخذ بالثأر لشهدائنا الأبرار من الأطفال والنساء والشيوخ العزل , حاضرة تستعيد المجزرة وكأنها وليدة اليوم , وكل يوم ولا تنسى دماء الشهداء , وفى استعادتها عهد على تجريد العملاء من ملابسهم وأن تعريهم وتقذف بهم الى مزابل التاريخ حتى تزكم روائحهم الأنوف , وأن ترصد الرجعية العربية التى تشرب الآن نخب دماء شهدائنا مع من قتلهم من الصهاينة , هؤلاء الذين استطابوا الثريد وامتطاء العبيد.. هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم , محاولين الآن السير فوق جثث شهداء صبرا وشاتيلا للوصول إلى سوريا ليتآمروا عليها بتمويلهم قوى الإرهاب لينفذوا أوامر سيدهم الامريكى والصهيوني لإخراج سوريا المقاومة من طريق نضالها ضد العدو الصهيوني ,متآمرين فى ذلك مع قوى الكتائب اللبنانية وقوى 14 آذار المتحالفة، ومع حزب القوات اللبنانية بقيادة العميل سمير جعجع أحد شركاء قتله شهداء صبرا وشاتيلا .
وسيبقى نضال شعبنا العربي جذوة متقدة تستمد نارها ونورها من دماء شهدائنا الأبرار فى صابرا وشاتيلا – وسيبقى الوليد الذي نجا من مجزرة الطغاة وهو فى حضن أمه المغدورة يبكى ويشق بكائه عنان السماء ,وهدير دموعه تنساب ,الى أن يجففها الثأر من شارون وآيتان وكل الكيان الصهيوني الغاصب ومن قوى العمالة فى الكتائب والقوات اللبنانية والمتحالفين الجدد معهم من قوى 14 آذار .
ولا يبقى إلا الكهنة المطبعين الآن , هؤلاء الخصيتان والعميان عملاء ال C I A والموساد،وهؤلاء مثواهم نار جهنم ويئس المصير خالدين فيها حين تقذفهم شعوبهم إلى مستقرها جزاءا بما فعلوا نكالا من الله .
ولأننا ندرك أن جريمة الإبادة لشعبنا الفلسطيني واللبناني فى صبرا وشاتيلا لا تسقط بالتقادم , فهذا تجديد للوعد والعهد بالثأر على مدى التاريخ .