أضغاث أحلام أمريكا والغرب عن إيران…بقلم محمد الرصافي المقداد

أضغاث أحلام أمريكا والغرب عن إيران…بقلم محمد الرصافي المقداد

يستغرب من لا دراية له بعالم السياسة ومَكْرِهِ فيتساءل: كيف يمكن أن ينقلب دور الغرب من داعم لأنظمة عميلة له، متغاضيا عن خروقاتها الكثيرة لحقوق الإنسان بحقّ شعوبها، محاربا لأنظمة وطنية معادية للإمبريالية بمختلف الطرق، ليصبح فجأة مدافعا عن حقوق الشعوب، بهبوب رياح الربيع العربي على المضطهدين منها؟ فهل يُعْقَلُ أن يتحوّل الشريك السيّء، إلى ناطق بحقوق الإنسان، مدافعا عنها بأساليبه المسترابة ضدّ منتهكيها، بعد أن أثخنها ضررا؟ وكيف نستسيغ هذا الإنقلاب في سياسات أمريكا والغرب، وهي التي قامت على أساس التمييز والعنصرية، وبنت قوّتها الفعلية مما انتهبته من الدول الضعيفة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؟ ونحن نعلم أن من دخل عالم الشيطنة لن يتحوّل فجأة إلى ملاك، ولم نعلم انّ شيطانا خرج ليعلن توبته من أعماله الشريرة، كذلك هو الغرب في سياساته.

تناقض اجتمعت عليه دول الغرب، وتحالفت من أجل استبدال سياسة اضطهاد وامتهان الشعوب، بسياسة استبلاهها، وتصوير ما تقدّمه إليها في خيرها وصالحها، بينما هو خداع ومخاتلة وغشّ، ولن أتردّد في القول هنا بأن الغرب لا يجتمع على خير أبدا، فعينه الواحدة التي يرى بها لا تبصر غير مصالح دوله، مقسّمة بين القطب الأقوى وهي أمريكا، وبين أفلاكه التي تدور حوله (بريطانيا فرنسا ألمانيا)، ولا أخال هذا الغرب سوى الدّجّال الذي ظهر بتعاليمه الشيطانية، ليقدّم لنا مشاريع إفساده في الأرض، كمشروع الشرق الأوسط الجديد، بإقرار الكيان الصهيوني محتلا لفلسطين ومهيمنا على المنطقة، ويعمل على مشروعه الديني المزيف، بعنوان الديانة الابراهيمية الجديدة، من أجل محو أي ظاهرة إسلامية بإمكانها أن تُهدّده.

مؤسسات ومنظمات الغرب الدولية، عمل على انشائها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، من أجل أن تخدم سوى مصالحه ومشاريعه، في استغلال الدّول وشعوبها، فليس له من غاية أخرى فوق هذه الغاية، بعدما بذل جهوده الجبّارة من أجل تحقيقها، ونحن نرى من خلال مداولات تلك المؤسسات والمنظمات، كيف تعاملت سلبا مع قضايا شعوب استحقاقية تحرّرية، وفي مقدّمتها قضية فلسطين، وكيف تعاملت سلبا مع حقوق الشعوب المسلوبة، بل وتآمرت على تلك الشعوب بما أفسد ثوراتها وعرقل نموّها، كلّنا نعلم ماذا عانى الشعب الكوبي من الحصار الأمريكي الجائر، الذي بدأ بعد أسقطت ثورة الشعب الكوبي الدكتاتور باتيستا.

كان من الممكن أن تستمر سياسة الكيل بمكيالين لدى أمريكا والغرب، فيواصلون دعم عملائهم على حساب الشعوب، ولكن افتضاح تلك السياسات التآمرية لدى الشعوب المتضررة، فرض على الغرب تغيير سياساته عكسا، ليتظاهر بمناصرة الشعوب المستضعفة، وغضّ الطرف على حركاتها الثورية العفوية لإستغلالها فيما بعد كما حصل في تونس، ومصر، وليبيا، والعراق، بحيث أصبح المواطن من تلك البلدان، يتمنى رجوع دكتاتوريه إلى الحكم، لكي يتخلّص من خيبته، وذهاب جهوده أدراج الرياح.

حركات الشعوب ومحاولاتها تغيير أوضاعها من سيئة إلى حسنة، معروفة بقياداتها وحسن تنظيمها، ووجاهة مطالبها المرفوعة على ألسن ثوّارها، ودون ذلك يصعب اعتبار أي حركة شعبية ثورة، فثورة الشعب الصيني التي قادها (ماو تسي تونج) عادتها أمريكا وبقيت على عدائها لها إلى اليوم، كذلك ثورة الشعب الإيراني، التي قادها الإمام الخميني، عادتها أمريكا ومعها حلفاؤها، استمرت أمريكا ومعها كيانها اللقيط المحتل لفلسطين الحبيبة على معاداة إيران، لأسباب عديدة منها:

أنّ هذه الثورة كانت واضحة المعالم، بقيادتها العلمائية إسلامية في فكرها وأدبياتها،

لم تخفي شيئا من شعاراتها منذ انتصارها، فهي إذًا الثورة الإسلامية الوحيدة التي حصلت في العالم في العصر الحديث، مستلهمة من ثورة الإمام الحسين.

أنها لم تهادن القوة العظمى في العالم أمريكا، بل وجّهت لها صفعة اقتحام سفارتها بطهران، (وكرُ الجاسوسية)، لا يمكن أن ينساها سكان البيت الأبيض مهما كانت أسماؤهم ودرجات اعتدالهم وتطرفهم، فهي أيّام عصيبة على السياسة الأمريكية، وتحوّل جديد في تعامل المستضعفين مع قوى الإستكبار في العالم، من شأنه ان يشجّع شعوبا أخرى على النّسج على منوال الشعب الإيراني.

خسارة أمريكا لإيران مع مكانها الاستراتيجي الهام، بعد ان كانت حليفا قويا لها في المنطقة، لا تعادلها خسارة، وقد كان يُطلَق على دكتاتورها مِنْ قبْلُ بشرطي المنطقة، فهي مغتاظة مما حصل، وتريد أن تلحق أكبر قدر ممكن من الأذى للنظام الإسلامي القائم في إيران، لذلك استمرت في محاربته بأشكال وصيغ مختلفة، لعلّ أخطرها الدعايات الكاذبة والحصار الاقتصادي المفروض بالعقوبات المسلطة عليها من طرف أمريكا ومجلس الأمن الدولي.

من أجل تثبيت مصالحها، وقفت أمريكا في وجه كل حركة شعبية معادية، مثالنا الرابع هو الشعب اليمني، ومحاولات أمريكا وعملاؤها من دول الخليج إجهاضها، بتحالف عدوان عربي لم يرعي شيئا من إسلام وعرق، وبتوجيه أمريكي غربي، منذ أكثر من سبع سنوات ونصف، لكنها إلى اليوم لم تفلح في إخضاع هذا الشعب الأبيّ الصامد المقاوم، رغم قلة ذات يده في الدّفاع عن خياراته الثورية، والتي وقع تشويهها إعلاميا.

هذا الغرب المتلوّن كالحرباء في سياساته، سوف لن يقرّ قراره، ولن يهدأ له تنمّرُهُ تجاه أي حركة شعبية صادقة، تهدف إلى إنقاذ الشعوب المستضعفة، التي لقّب حكوماتها بدول العالم الثالث، وبعبارة أخرى، فإنه يتحرّك بوقع مصالحه أين تكمن، وكما جمعت دوله المصالح ستفرّقها من جانب آخر المصالح، وبمقدار الضّرر المُلْحَقِ بها، سوف ترى هذه الدول أين تكمن مصلحة كل واحدة منها، وسط الساحة السياسية المرتبطة بالإقتصاد ارتباطا وثيقا، وعليه فإنّ استمرار الغرب في هذه السياسات التآمريّة ضدّ مصالح الشعوب المستضعفة، ومحاولاته المتكرّرة السيطرة عليها بأساليب متعدّدة، منها نشر ثقافته التحرّرية من كل قيمة دينة، وترويج الأكاذيب عن الأوضاع في البلدان المعادية له ومحاولة اقناع الشعوب المستهدفة وبقية شعوب العالم بأنّها تمثّل واقعا معاشا هناك خصوصا إيران الإسلامية التي تواجه منذ هذا الصيف محاولات التأثير على عرقيات الشعب شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، لكي ينظمّوا إلى أعمال الفوضى والشغب الحاصل في عدد من المنطق، والموجّه أمريكيا وصهيونيا برعاية سعودية واضحة.

أعمال الشغب الواقعة في إيران يعوّل عليها الغرب كثيرا، ويراها طوق نجاة سياساته الخارجية، في صورة إثمار شجرتها (شجرة الزّقّزوم)، بالعودة من جديد للهيمنة على هذا البلد المتمرّد على دول الغرب، واخضاعه إلى الاستغلال والتحكّم في موارده وشعبه وقيمه، وما ظهر من خلال أعمال الشغب المحرّكة من الخارج، يدعونا إلى التوقف عندها، خصوصا أعمال نزع الحجاب الإسلامي، ودعوة النّساء إلى التعري، فهي واقعا حركة عصيان لله ورسوله صلى الله عليه وآله، قبل أن تكون عصيانا للنظام الإسلامي، كذلك وقعت اعتداءات متفرّقة استهدفت رموز الإسلام ومظاهر عزّته، كإسقاط عمائم العلماء وتلامذة الحوزات العلمية من على رؤوس أصحابها بكلّ وقاحة، وإحراق المساجد والحوزات العلمية، والتطاول على رمز ولي الفقيه دون وجه حقّ، واستهداف النظام الإسلامي بالتشكيك في سياساته الداخلية والخارجية.

من هنا أقول، إنّ أمريكا وكل من وقف وراءها، قد خسروا المعركة في داخل إيران، وسوف يكنس الشعب الإيراني مظاهر الفوضى والشغب، بكل القوة التي أعلن فيها موالاته للنظام الإسلامي لما تأسس سنة 1979، دماء الشهداء الأبرار لن تذهب هدرا وسيزداد هذا النظام قوة واقتدارا بمرور الزمن، فهل سيعي الغرب أنه كذب كذبة بخصوص إيران، وضِغْثُ أحلام تهيّأ له فكيف له أن يصدّقها، والعقلاء عادة لا يبنون آمالهم على أوهام تهيأت لهم.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023