أعرف معنى “صفقة” ولكن لم أفهم معنى “العصر”!…بقلم نصار إبراهيم

حاولت وحاولت أن أفهم صفقة العصر التي يتحدثون عنها، فدخلت بابا لأجد نفسي أمام سبعة أبواب، كل باب منها يفضي لسبعة أبواب جديدة، وفقط إشارة على شكل دونالد ترامب يمسك برأس كوشنير مع ملاحظة: اتبع السهم!
وكلما أوغلت في متابعة السهم ضعت أكثر حتى تهت في صحراء سيناء (التي قيل أن اليهود ضاعوا فيها 40 سنة من قبل… فهل هذه مجرد صدفة صدفة) التي كما تقول الصفقة سيقتطع منها 30 ألف كم مربع لتقام عليها للفلسطينيين دولة، وقيل بانه تم رصد ما يقارب 3 ترليون دولار لأقامة تلك الدولة سيدفع معظمها ملوك وأمراء النفط والغاز وستساهم أوروبا وأمريكا واليابان بنصيبهم فيها، حيث ستقام المدن والساحات والجامعات والمستشفيات والمدارس والحدائق والشوارع والمطاعم والكازينوهات ومراكز التدليك والتجميل والتفقيس، بالإضافة إلى أنفاق المترو والحدائق المعلقة وأيضا محطات تحلية مياه البحر وتبريد جو الصحراء بمبردات عملاقة…
وعلى الهامش ستقام مدينة سحرية أو أسطورية اسمها “نيوم”.. لتنعم فلسطين الجديدة والأردن ومصر والسعودية و طبعا الشقيقة إسرائيل بخيراتها اللامحدودة… وهكذا تتشابك المساحات ما بين جزر تيران وصنافير وسيناء ونيوم… والصفقة كما تبدو بسيطة جدا: أن يتم الاعتراف بفلسطين وطن خالص لليهود وأن تكون القدس عاصمة أبدية لدولتهم اليهودية إسرائيل.
في هذا السياق يتواصل الجدال والنقاش وتعقد اللقاءات السرية وشبه السرية والعلنية تماما، ويجري إطلاق الوعود الاقتصادية التي تبشر بولادة شرق أوسط جديد، وبازدهار اقتصادي لا مثيل له بما يذكرنا بالوعود التي رافقت صفقة أوسلو: بأن الضفة وغزة ستكونان سنغافورة جديدة أو هونغ كونغ.. ليجد الفلسطينيون أنفسهم بعد عشرين عاما محاصرين بالجدران والحواجز والفقر والبطالة والاعتقالات والقروض والديون…
المهم… في غمرة هذه الفوضى وعدم اليقين هل هناك من بمقدروه من القادة والساسة والعارفين ببواطن الأمور والواصلين لرأس النبع وذيله ليخبرنا ما هي بالضبط “صفقة العصر” التي يتحدثون عنها؟ وهل المقصود بـ”العصر” هنا القرن، أم أن الكلمة تعود في جذرها للفعل “عَصَرَ”؟.
صفقة العصر هذه تذكرني بالحوار الذي دار بين البرت آينشتين وإحدى السيدات، حيث
طلبت منه إحداهن أثناء الحفل أن يشرح لهن النظرية النسبية، فروى القصة التالية:
سرت مرة مع رجل مكفوف البصر، فذكرت له أنني أحب اللبن، فسألني: ما هو اللبن؟
فقلت: أنه سائل أبيض.
فقال: أنني أعرف ما هو السائل، ولكن ما هو اللون الأبيض؟
قلت: أنه لون ريش البجع.
قال: أما الريش فأنني أعرفه، ولكن ما هو البجع؟
قلت: انه طائر برقبة ملتوية.
قال: أما الرقبة فأنني أعرفها، ولكن ما معنى ملتوية
عندئذ أخذت ذراعه ومددتها، ثم ثنيتها، وقلت له: هذا معنى الألتواء، فأقتنع، وقال: الآن عرفت ما هو اللبن.
ثم التفت الى السيدة وقال: ألا تزالين ترغبين بمعرفة ما هي النظرية النسبية؟.
في النهاية… وبعيدا عن السخرية، وبعيدا عن محاولة الدخول والخروج من الأبواب و الركض في المتاهات وملاحقة أسهم ترامب وصهره كوشنير فإن صفقة العصر وبكلمة واحدة تعني: ضياع فلسطين إلى الأبد .. ونقطة.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023