أفريقيا تتمرد وتتحدّى…بقلم  محمد الرصافي المقداد

أفريقيا تتمرد وتتحدّى…بقلم  محمد الرصافي المقداد

هي دون شكّ قارّة الإنقلابات العسكرية، وحاملة الرقم القياسي في هذا الإختصاص، دون بقية القارات (205 بين اقلابات فاشلة وناجحة) (1)، ولا أعتقد أن هناك من سينافسها، فلا أحد ينافسها في هذا الإختصاص، لتبقى موريتانيا صاحبة الرقم القياسي، الصعب كسره ب16 انقلابا عسكريا (2)، انقلابات لم تكن أبدا في مصلحة البلدان التي وقعت فيها حركات التمرّد العسكرية، وكانت موجّهة بنسبة 99% من طرف الإستخبارات الغربية، ومن أجل تثبيت مصالحها، ودوام استمرارها بالضحك على الشعوب المستهدفة، واستغلالها بشتى الطّرق الترهيبية، وكان سلاح الإنقلابات العسكرية أداة فعالة في قمع الشعوب الأفريقية وإخافتها من العسكر الذين كان أغلب قادته تدربوا لدى دول الغرب، ووقع استقطابهم ليكونوا الحرس الخلفي للحفاظ على مصالحهم.

كثرة تلك الانقلابات أعطت انطباعا أوّليّا، دالّا على  امساك الدول الغربية الاستعمارية بناصية تلك البلدان المستضعفة، متحكمة في قياداتها العسكرية كما تشاء لا كما تشاء بلدانها وترغب فيه شعوبها، فآخر ما تعنيه لهم تلك القيادات هي مصلحة بلدانهم طالما أن الغرب وفيّ لهم سخي في عطائه وهم مقابل ذلك عملاء أوفياء له، عادة ما تستفيق الدول الافريقية بحسب أهمّية ما تجنيه دول الغرب منها، فيفرح الغافلون من شعوبها بالانقلاب على تردّد وتوجّس، اعتقادا منهم بأنّ ما حصل هو انقاذ وتصحيح لمسار سياسي خاطئ، لكنهم سرعان ما يكتشفون أن دار لقمان باقية على حالها، لم يتغيّر شيء من الأوضاع القديمة، في معاناة الشعوب الأفريقية، وقد وصل أمرها على مدى عقود، بالتعامل السلبي عند سماع أخبار أي انقلاب عسكري، ولم يرقى انقلاب واحد إلى مستوى قبوله واحتضانه، ليتحوّل إلى حالة ثوريّة تتبنّاها وتؤمن بجدواها، كل ما هنالك أن الشعوب سئمت من عبثية جيوشها، ولنا أن نعتبِر من حالة السودان، وما آلت اليه أوضاعه اليوم، بسبب الطغمة العسكرية العابثة به.

مضت الانقلابات القديمة بسيّئاتها، وجاءت الجديدة لتضع احتمالا هو الأقرب للقبول، لعلّه نابع الشعور الوطني الذي ظهر به المنقلبون الجدد، ومفتتحه جمهورية مالي، التي انتفض بعض قادتها العسكريين، ليفتحوا باب انقاذ ما يمكن إنقاذه من بلدان وصلت الى حضيض الفقر وتهديد المجاعة، بينما تمتلك بلادهم ثروات طبيعية هائلة، لم يستفد منها شعوبهم ولا دولهم بشيء، يستنقذهم من قاع الخصاصة والحرمان، ويحقّق لهم بعض الرخاء، اعتقدُ أنّها استفاقة وعي، جاء ملبّيا لطموحات شعبية تبنّاها هؤلاء العسكريين، وقاموا من أجل تحقيقها، مجازفين بحياتهم، فليس من السهل الإقدام على عمل وطنيّ خطير كالانقلاب الذي يستفزّ دول الغرب ومنظوماتها الدولية الخادم المطيع والمنفّذ لأحكامه الظالمة، وكما أسلفت أن تاريخ الانقلابات أعطانا مؤشّرا على فشل معظمها، كدليل على أن الفاشلة منها اجهضت من طرف دول الغرب لأنها كانت انقلابات وطنية.

تنام دولة مالي على مخزون معتبر من الثروات الطبيعية والمعادن، تضعها في خانة أهم الدول الأفريقية إنتاجاً ومخزوناً، أبرزها: اليورانيوم، الذهب، الفوسفات، الملح، الجرانيت، الكاولين المتمثل في مادة صلصالية نقية بيضاء اللون، الحجر الجيري، والبوكسيت. تحتل دولة مالي المرتبة الثالثة أفريقياً من حيث إنتاج الذهب بـ61.63 طناً بعد كل من غانا وجنوب أفريقيا. لا تتوفر إحصائية واضحة عن احتياطي أو إنتاج مالي من اليورانيوم فيما تقدره بعض الدراسات بنحو 100 مليون طن.(3)

ولم يكن الانقلاب العسكري في مالي لينجح، لولا الإلتفاف الجماهيري حوله ومساندته بقوة، وإصرار العسكريين الوطنيين على قطع يدها من بلادهم، تلك حقوق شعوبهم بالتصرّف في مواردهم من ذهب ويورانيوم وغيرها من الموارد الهامّة(3)، والتواجد العسكري الفرنسي في مالي مثلا جاء بداعي محاربة الإرهاب، تعلة طالما لجأت إليها دول الغرب، صانعة الإرهاب بأشكاله المتعددة – كالتحالف الذي تقوده أمريكا في الشرق الأوسط بعنوان مكافحة الإرهاب- هذا الغرب الحاقد الذي لا يتورع في القيام بأي عمل، من شأنه أن يضمن جلب أي منفعة إليه، حتى لو كانت على حساب الشعوب المستضعفة، فآخر ما تعنيه لهم أوضاعهم.

التمرد المالي الذي أخرج فرنسا من بلاده، وقطع عنها  إمداداتها الثمينة، وجد تأييدا من دول اتخذت موقفا مناصرا لحركات قوى شعوب العالم المنتفضة على الغرب، وأعطت مثالا واضحا لدول أفريقية، لا يزال أغلبها يعيش تحت طائلة الإتفاقيات الغير متكافئة مع فرنسا على سبيل المثال، فرنسا اليوم في وضع لا تُحْسَدُ عليه، خصوصا بعد قطع واردات الذهب واليورانيوم إليها من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لذلك فإنّ تهديدات فرنسا بالتدخل العسكري لإعادة الأوضاع على ما كنت عليه سقطت في الماء بتحالف تلقائي طفا على سطح ردود الأفعال الفرنسية فالدول الثلاثة الخارجة عن بيت الاستغلال الفرنسي مع الجزائر مستعدة لمواجهة أي حماقة فرنسية، وحماقات الغرب اليوم لم تعد تجدي نفعا .

بالأمس انتفض أحرار بوركينا فاسو،  واليوم جمهورية النيجر، لتتشكل نواة دول متحررة بحقّ من فرنسا، يبدو أن دولا أخرى سوف تحذو خذو الدول الثلاث، لتشق طريقها نحو التحرر من الهيمنة الإستعمارية الغربية، ومن غير المستبعد أن يأتي الدور على بقية الدول، التابعة استعماريا للمنظمة الفرنكوفونية، كالسنغال التي تبدو على صفيح ساخن من المظاهرات الشعبية(4)، وهي الدولة العجوز في عمالتها لفرنسا منذ تنصيب (ليوبولد سنغور)، وقد تحذوا بقية الدول الافريقية حذو مالي وبوركينا فاسو والنيجر،

ما يجمع هذه الدول وضعها الاقتصادي السيء جدا، مع أنها تمتلك مخزونا كبيرا من اليورانيوم والذهب والفوسفات ومعادن أخرى تعمل فرنسا على استغلالها بأبخس الإتفاقات، وفيما تزاد فرنسا عتوّا وامتلاكا لأكبر احتياطات الذهب تزداد الدول المصدّرة لهذه المادة الثمينة فقرا وعُسْرا في حياة شعوبها، وفيما تنهب فرنسا اليورانيوم بالأثمان البخسة لتزدهر اقتصادياتها من وراء ذلك تعيش الدول الأفريقية حالة تخلّف فظيعة.

المراجع

1 – انقلاب النيجر: لماذا يغلب عدم الاستقرار السياسي على دول إفريقيا؟

https://www.bbc.com/arabic/interactivity-66355260

2 – قائمة الانقلابات في أفريقيا https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 – مالي.. جنة ثروات أفريقيا وسط جحيم الإرهاب

https://al-ain.com/article/mali-natural-resources

4 – آلاف السنغاليين يتظاهرون في داكار رفضا لترشح الرئيس لولاية ثالثة

https://arabic.euronews.com/2023/05/13/protest-senegal-dakar-macky-sall-refusal-controversial-third-term-demonstration-presidenti

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023