إعلان دقاش مدينة سياحية و انعكاسات النمو السياحي المحتمل على التنمية المحلية

إعلان دقاش مدينة سياحية و انعكاسات النمو السياحي المحتمل  على التنمية المحلية

فتحي بوليفه: أستاذ باحث في الجغرافيا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة، جامعة سوسة ا

دقاش مدينة واحية تنتمي إداريا إلى ولاية توزر بالجنوب الغربي التونسي، تمّ في 25 ديسمبر 2019 إعلانها مدينة سياحية، على غرار مدن توزر ونفطة وتمغزة بنفس الولاية، بطلب من المجتمع المدني لهذه المدينة ومجالسها البلدية المتعاقبة.تتميز هذه المدينة بعدة مقومات طبيعية وتاريخية و ثقافية تتفرّد بها عن بقية المدن السياحية بالجريد (توزر ونفطة) يمكن استثمارها في النشاط السياحي كشط الجريد ومهرجانه وجبل الشارب والحديقة الوطنية بدغومس وعدة مواقع أثرية مهملة ومهمشة وتظاهرات ثقافية تقليدية يمكن تثمينها سياحيا. لكن هل تكفي هذه المقومات لبعث نشاط سياحي متكامل في غياب بنية تحتية ووحدات فندقية لاستقبال السياح؟ هل سيكون لهذا التحول انعكاسات ايجابية على النسيج الحضري والاقتصادي والاجتماعي لهذه المدينة؟ هل ستكون له انعكاسات سلبية على البيئة الهشة لهذه المنطقة الواحية الصحراوية؟                        

1– المقومات السياحية لمنطقة دقاش

1.1- تعريف منطقة دقاش

يعود تاريخ هذه المدينة إلى الحقبة الرومانية حيث كانت تسمى Thigesتيقاس” ثم أصبحت تسمى في العهد البيزنطي Takiousتقيوس” ثم أصبحت تسمى دقاش منذ بداية الحقبة الاسلامية. هي من أول البلديات التي أحدثت في البلاد بعد الإستقلال في 20 نوفمبر 1957 وتنتمي إداريا إلى ولاية توزر، وهي منطقة واحية تمتد على التخوم الشمالية لشط الجريد على مساحة تفوق 555 كلم2 أي قرابة 10 % من المساحة الجملية للولاية،على مسافة لا تتجاوز 9 كلم عن مدينة توزر. يسكنها حسب التعداد العام للسكان و السكنى لسنة 2014، 21590 نسمة (22628 نسمة حسب تقديرات 2018) بعد أن تم ضم القرى الأربع المحاذية لها[1] (سبع آبار، المحاسن، بوهلال[2] و دغومس).

خريطة 1- موقع معتمدية دقاش بولاية توزر

المصدر: ولاية توزر بالأرقام 2018 و إنجاز شخصي 2021.

2.1- المقومات السياحية لمدينة دقاش ومنطقتها

تفتقر هذه المنطقة إلى التجهيزات و جل أصناف وحدات الإيواء السياحي، رغم أنها كانت تمثل منذ الستينات من القرن العشرين منطقة لسياحة العبور من دوز وقبلي نحو مدن توزر ونفطة وتمغزة، و كانت تصنف في كل أمثلة التهيئة الترابية الجهوية مجالا لتركز معامل تكييف التمور. حتى وجود بعض وحدات الإيواء أو التنشيط السياحي المحدودة بها يعود إلى مبادرات منفردة من سكان الجريد وأغلبها لم يتحصل على تراخيص من وزارة السياحة. رغم تواضع البنية التحتية والتجهيزات والخدمات الحضرية وعرض الإيواء السياحي لهذه المنطقة فهي تزخر بعدة مقومات سياحية طبيعية وثقافية وبيئية يمكن استغلالها لجعل النمو السياحي المحتمل يلعب دورا هاما في تحقيق التنمية المحلية بهذه المنطقة.

1.2.1- المقومات الطبيعية

تتميز منطقة دقاش بمناخ مشمس خلال فترة طويلة من السنة وحرارة ملائمة خاصة في فصل الشتاء وبتضاريس متنوعة تهيمن عليها الهضاب والتلال والأودية والشط، كما يوفر هذا الوسط الطبيعي موارد هامة من المياه الأحفورية الحارة وغطاء نباتي صحراوي سباخي وزراعي تميزه الواحة. فإلى أي حد يمكن تثمين هذه المقومات سياحيا؟

حسب المعهد الوطني للرصد الجوي تتميز دقاش بمناخ صحراوي جاف وحار في جل أشهر السنة، حيث يصل المعدل الحراري السنوي إلى 21 درجة مئوية، بينما لا يتجاوز معدل التساقطات السنوية 97 مم والمعدل السنوي للأيام الممطرة 22 يوما، أي أن طقسها يتميز بارتفاع عدد أيام الصحو و الإشماس الذي يستقطب السياح و يمكنهم من ممارسة عدة أنشطة رياضية وترفيهية في الهواء الطلق خلال فترة طويلة من السنة، كما أثبت الطب مساهمة هذا المناخ في علاج عدة أمراض تنفسية كالربو…

أما التضاريس التي تميز هذه المنطقة فتهيمن عليها سلسلة من الجبال تمتد من الشرق نحو الغرب شمال شط الجريد تحمل تسمية “جبال الشارب” التي تتجاوز أعلى قمة بها 370 م وتتميز بمخانقها و أوديتها الضيقة و العميقة ومن أشهرها “جبل بوهلال” الذي يمثل مزارا للولي الصالح “سيدي بوهلال“. رغم أن هذه المخانق لا ترقى في ضخامتها إلى مخانق الثالجة وميداس التي تبعد عن القطب السياحي الرئيسي بمدينة توزر أكثر من 60 كيلومترا، فهي تتميز بقربها الجغرافي لذلك القطب الذي لا يتجاوز 20 كيلومترا.

صورة 1- خانق جبل بوهلال بسلسلة جبال الشارب

المصدر: تصوير شخصي 2021.

يمتد جنوب هذه السلسلة الجبلية في منخفض على ارتفاع يتراوح بين 15 و 20 م تحت مستوى سطح البحر، وهو شط الجريد الذي يغطي قرابة 60 % من مساحة معتمدية دقاش، يمتد على مساحة تفوق 4600 كلم2 و على مسافة 100 كلم من الغرب إلى الشرق حيث يرتبط بشط الفجاج. يتمثل في سبخة شاسعة يغطي سطحها الطين والملح والرمل وبعض المنابع المائية مما يضفي عليها مشهدا يختلط فيه لمعان حبات الملح تحت أشعة الشمس بالسراب الممتد. يمثل شط الجريد ملجأ لعدة أنواع من الطيور المهاجرة حتى تم تصنيفها في 7 نوفمبر 2007 موقعا Ramsarرامسار[3] وقامت الدولة التونسية في 28 ماي 2008 باقتراح تصنيفه تراثا عالميا لليونسكو. يشق هذا الشط الطريق الوطنية عدد 16 الرابطة بين ولايتي قبلي وتوزر. بالإضافة إلى دوره الهام في توفير كميات هامة من الملح، يتم استغلال مساحته المنبسطة والشاسعة في عدة أنشطة سياحية، حيث يمثل محطة هامة تتوقف بها قوافل السياح الوافدة من دوز نحو توزر للتمتع بمشاهدة شروق الشمس والسراب، كما يمثل أيضا مجالا لممارسة عدة رياضات مبتكرة كسباق اللوحات الشراعية…

صورة 2- شط الجريد، ثروة طبيعية للتثمين السياحي

المصدر: تصوير شخصي 2021.

كما تتميز واحات هذه المنطقة بتنوع بيولوجي ومشهدي يختلف عن المشاهد الصحراوية المتاخمة لها يمكن تثمينه في استقطاب السائح الشغوف بالسياحة البيئية.

تستقطب هذه المواقع الطبيعية عدة بعثات علمية وطنية ودولية للدراسات التوبوغرافية والجيولوجية وعلوم الآثار، حيث تم اكتشاف مواقع سكن للبربر في شكل كهوف وآثار رومانية في جبال الشارب… مما يوفر معطيات هامة للسياحة العلمية. كما تم استغلال هذه المشاهد في تصوير عدة أفلام سينمائية ذات صيت عالمي مثل La Guerre des Etoiles 3 ولولا عدم الاستقرار الأمني و الخشية من الإرهاب لتم تصوير عدة أفلام أخرى تم منعه لتلك الأسباب. يجلب هذا النوع من المشاريع قوافل سينمائية ضخمة وحرفاء أثرياء وذوي صيت عالمي يساهمون في التعريف بهذه المنطقة واستقطاب “السياحة الفاخرة أو الرفيعة“.

2.2.1- المقومات الثقافية والبيئية

تزخر منطقة دقاش بمخزون تاريخي وثقافي وبيئي غير مثمن سياحيا، رغم تركزه في مجال ترابي تتقارب فيه المسافات بين أهم مواقعه. نذكر من أهم عناصر هذا المخزون، المواقع الأثرية الرومانية والبيزنطية والإسلامية والمهرجانات والتظاهرات الدينية والحديقة الوطنية بدغومس التي آثرنا إدراجها ضمن هذا الإطار عوض إطار المقومات الطبيعية لما لها من دور في السياحة الثقافية والبيئية.

المواقع الأثرية

رغم بعد هذه المنطقة عن السواحل التي شهدت تركز جل الحضارات التي تعاقبت على البلاد التونسية منذ القديم، ورغم قساوة ظروفها المناخية التي تتسبب في إتلاف وتدهور المعالم الأثرية الهشة، لا تزال بعض المعالم ثابتة وبعض المواقع الأخرى تحتاج إلى مواصلة الحفريات بها لتثمينها في النشاط السياحي ودفع التنمية بهذه المنطقة.

الموقع الأثري “قبه

هو موقع أثري مهمّش وسط واحة المحاسن (كريز) على بعد قرابة كيلومترين من وسط القرية، من أقدم المواقع الأثرية في منطقة الجريد. يتمثل في جدار بني من الحجارة الكبيرة. يعتقد أنه سد تم إنشاؤه في العصر الروماني لجمع المياه من العين الطبيعية “سبع أبيار” و توزيعها على الواحة، كما يعتقد أن ذلك الموقع كان يمثل مركز تيقاس Thiges القديمة (دقاش). ورد هذا الاستنتاج في كتاب هانري دوفيرييHeni Duveyrier[4]حسب بول تروسيPol Trousset[5] الذي توصل لذلك الاستنتاج بعد ملاحظة وجود فتحة لصمام أسفل الجدار. كما لاحظ وجود موزع للمياه مبني من الحجارة و لا يزال في طور الاستغلال على بعد 100م جنوب جنوب غرب الجدار الأول، يتكون من 3 صمامات في شكل أسنان المشط، و على بعد 300م نحو الجنوب الشرقي توجد سواقي ثانوية يعود تاريخ إنشائها لنفس الفترة الرومانية. فند هذا الاستنتاج ما ورد في كتاب فيكتور غيرانV.Guérin[6] الذي كان يعتقد أن تلك الحجارة الكبيرة تكوّن سور المدينة القديمة.

صورة 3- السد الروماني بموقع قبه (المحاسن)

المصدر: تصوير شخصي 2020.

سواء كان هذا الموقع يمثل منشأة مائية أو سورا للمدينة، وجب على المعهد الوطني للتراث مواصلة الحفريات به لحصر حدوده وحمايته من الانتهاكات التي قد تطاله، خاصة أن عدة علماء آثار وجغرافيين فرنسيين يعتقدون أنه كان يمثل المركز المفترض لمدينة Thiges في العهد الروماني.

القرى الواحية القديمة

هي قرى قديمة تشبه الأحياء الواحية بدقاش (أولاد حميدة، المساترة، البياضة و زنقة الكوشة)، لكنها هجرت من طرف سكانها الذين انتقلوا إلى الأحياء الحديثة التي شيدوها على أطراف الطريق الوطنية عدد 16. هي القرى القديمة لـ”زاوية العرب” و “أولاد ماجد” التي تشكو إهمالا وتدهورا كبيرا ولم تحظى باهتمام السلط العمومية، على غرار القرى الواحية بمدينتي توزر ونفطة التي تمت إعادة تهيئتها وإحيائها.

رغم تدهور حالتها، لا تزال هذه القرى مجالا للجولات السياحية وتحظى بإعجاب السياح الذين يلتقطون لها الصور التذكارية و يعبرون عن فضولهم بطرح عدة أسئلة تخص تاريخها عن أصحاب العربات الذين يعجزون عن إجابتهم لأنهم غير مؤهلين لذلك، مما يستوجب مرافقة مرشدين سياحيين أكفاء لمثل هذه الجولات.

جامع أولاد ماجد القديم

يقع هذا الجامع الذي تطلق عليه محليا تسمية “جامع السوامة” على أطراف الواحة بمحاذاة قرية أولاد ماجد القديمة، وهو يمثل أقدم وأهم المعالم الإسلامية بمنطقة الجريد، ورغم هذه الأهمية فإن المصادر لا تحتوي على معطيات كافية وواضحة عن تاريخ تشييده باستثناء تاريخ تشييد محرابه الذي تأكد أنه يعود، حسب نقيشته، إلى سنة 730 هـ/1330 م، وقد نقشت على النمط المغربي الأندلسي. يتميز هذا الجامع بتشابهه الكبير في عمارته بجامع “بلد الحضر” بواحة توزر في هيكلته وتخطيط بيت الصلاة وفي بنية المئذنة و زخارف المحراب والسقف المعد من خشب النخيل، أما المئذنة فقد تمت إعادة بنائها سنة 1915 على النمط المعماري الجريدي الأصيل بواسطة الآجر المحلي (القالب).

صورة 4- جامع أولاد ماجد القديم وسط الواحة

المصدر: تصوير شخصي 2020.

يمثل موقع هذا الجامع اليوم نهاية الجولة التي تنقل فيها العربات التي تجرها الدواب السياح إلى الواحة إنطلاقا من دقاش مرورا بالقرية القديمة بزاوية العرب، حيث يتوقف به السياح لالتقاط بعض الصور التذكارية.

الكنيسة البيزنطية بكستيليا

يعود اكتشاف هذا الموقع الأثري في منطقة كستيليا إلى سنة 2000 بصفة عرضية، على بعد 4 كلم من مدينة دقاش في اتجاه توزر. و رغم إعلام المصالح الجهوية للمعهد الوطني للتراث بذلك الاكتشاف إلا أنه لم يحظى بأي اهتمام من السلط الجهوية ووزارة الثقافة وبقي مهملا حتى سنة 2016 عندما بدأ بعض المنحرفين يحفرون الموقع بحثا عن “الكنوز“، مما دفع السلطة الجهوية إلى حمايته ومطالبة المعهد الوطني للتراث للقيام بحفريات بهذا الموقع، لم تنطلق إلا سنة 2017، وبعد قرابة السنة توصلت هذه الحفريات إلى الكشف عن مكونات معمارية لكنيسة بيزنطية يعتقد أنها تعود للقرن الخامس للميلاد، عثر بها على مجموعة من القطع النقدية والخزفية والأواني الفخارية والقناديل.

صورة 5- الموقع المكتشف حديثا لكنيسة بيزنطية بكستيليا

المصدر: تصوير شخصي 2020.

تم الكشف عن كامل مكونات الكنيسة التي يماثل شكلها العديد من الكنائس التي وجدت بتونس. تمتد مساحتها على 140م2 وبارتفاع يتراوح بين 3.5  و 3.7 م. تتكون من 3 أروقة ومحراب وغرفتين للأساقفة مجاورة له، وبني المعبد قبالة المحراب بالرواق الأوسط بشكل متقن، بالإضافة لاكتشاف جدران مساكن مجاورة للكنيسة.

بعد أن برزت كل مكونات هذا الموقع للعيان تعددت الإعتداءات عليه مرة أخرى من بعض المنحرفين الذين يعتقدون في وجود الكنوز بهذا الموقع، مما دفع السلط الجهوية لتسييجه و تكليف حارسين بحمايته، لكن معاينتنا لهذا الموقع في شهر مارس 2020 بينت أنه غير محروس و مهدد بزحف الرمال من جديد، رغم ما صرح به ممثل المعهد الوطني للتراث من عزم المعهد القيام بعمليات ترميم لجدران الكنيسة المكتشفة ومواصلة الحفريات للكشف ربما عن وجود مدينة تغمرها الرمال حاليا بمحاذاة الكنيسة يمكن استغلالها في النشاط السياحي بهذه المنطقة.

خريطة 2- أهم الوحدات و المواقع السياحية بمنطقة دقاش

المصدر: إنجاز شخصي 2021.

fathyboulifa@gmail.com

الهوامش

[1]بعد ضم القرى الأربع المحاذية أصبحت المساحة وعدد السكان للمعتمدية تتطابق مع مساحة وعدد سكان البلدية.

[2]هذه تسميات إدارية لقرى لا يزال سكانها يحافظون على أسمائها القديمة: سبع آبار (قريتا زاوية العرب و أولاد ماجد)، المحاسن (كريز) وبوهلال (سداده).

[3]اتفاقية Ramsar رامسار للاأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية، لا سيما كملجإ للطيور. هي معاهدة دولية تم اعتمادها في 2 فيفري 1971 للمحافظة والاستغلال المستدام للأراضي الرطبة من خلال الاعتراف بوظائفها البيئية بالإضافة إلى قيمتها الاقتصادية والثقافية والعلمية والترفيهية.

[4]Duveyrier H, 1905, Sahara algérien et tunisien, Journal de route ; Publié et annoté par Maunoir Ch et SchirmerH, Challamel A ; Paris ; 266p.

[5]Trousset P, 1986,Les oasis présahariennes dans l’Antiquité : partage de l’eau et division du temps ;InAntiquités africaines n° 22,p170.

[6]Guérin V, 1862, Voyage archéologique dans la régence de Tunis ;Hachette livre BNF ; Paris 2012 ; (T1, 452 p et T2, 398p).

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023