إيران الاسلامية تجهّز واقعي في مجالها الدّفاعي…بقلم محمد الرصافي المقداد

إيران الاسلامية تجهّز واقعي في مجالها الدّفاعي…بقلم محمد الرصافي المقداد

تقاس المشاريع عادة، بمدى صلاحياتها ونجاحاتها وتقدّمها، مستجيبة في ذلك، لحاجة الشعوب المحرومة منها إليها، متعلّقة بالشؤون الحياتية من أمن ونماء اقتصادي، وكل نظام سياسي في العالم يطمح إلى تحقيق مشاريعه المُعلنة حسب مصداقيته، إذ ليس كل نظام صادق مع شعبه، خصوصا في عالمنا الثالث، المتأخر عن ركب النموّ والتقدّم، بسبب فساد أهله، وتنكّر كثير منهم لأصولهم العرقية والدينية، تأثّرا بثقافة الغرب وإنجذابا إليها، على انّها مفتاح الإلتحاق بركبه، وفاتهم أنهم واقعون في زيف بهرجه، وخبث استدراجه لهم إلى شكيمته.

الثّورة البيضاء المزيّفة التي أعلنها شاه ايران ليزيد من تبعية بلاده للغرب، لم تكن لتنطلي على الإمام الخميني رضوان الله عليه، فأعلن معارضته لها بكل قوة، ودعا شعبه الى رفضها بكل ما فيها، لأجل ذلك لم يفلح عميل الغرب في مخططه، وزاد ذلك من غضب الشعب وثورته على نظامه، وتحت قيادة الامام الراحل قدس الله روحه الطاهرة، نجح في القضاء على أكبر رموز العمالة والتبعية في الشرق الأدنى، وأحلّ محلّه بموافقة الشعب نظاما إسلاميا، اثبت صدقه، وصواب خياراته، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولم تكن القوى الغربية من ذلك محلّ رضا، وهي المستهدفة في مصالحها الإستغلالية للشعب الإيراني، فاجتمعت على محاربته بكل طريق وأسلوب خصوصا أمريكا، التي فقدت أوفى رجالها وأبرّهم بها، فكانت حرب ثماني سنوات، وفوقها العقوبات والحصار وتكثفهما كل سنة، من أجل تركيع نظامها الإسلامي وإعاقة تقدّمه ونموّه المخيف والمفزع لأعدائه، ومع ذلك كانت إرادة الله وكلمته بخصوص قوم سلمان هي العليا، فلم تنجح مخططات أمريكا والغرب في شيء، سوى أنها عطّلت شيئا من تقدّم إيران الإسلامية.

مع ذلك النجاح الباهر الذي أعلنته إيران على جميع الأصعدة، وخصوصا الجانب التقني العلمي والتسليحي العسكري، تبدو حظوظ أمريكا والغرب، لكبح جماح إيران والسيطرة عليها ضعيفة، جدّا وتزداد ضعفا يوما بعد يوم، ولقائل أن يقول ما الذي يمنع أعداء إيران من ضربها عسكريا، خصوصا الكيان الصهيوني الذي كلما شعر بالغبن والأسى أعلن أنه مستعدّ لتنفيذ ضربة عسكرية على مواقع داخل ايران؟

إنه قطعا ليس شفقة ولا انسانية منهم، فهؤلاء أبعد ما يكونون عادة عن القيم الانسانية، شياطين في أثواب بشر، إنها القوّة العسكرية الإسلامية الإيرانية، التي أحاطها الله منذ بداية تكوينها، بهالة من تأييده وفيوضات من توفيقاته، وهي اليوم قوّات معتدّة عُدّةً وعددا وعقيدة، ومصانع تزخر بالرجل عقولا وأيادي خلّاقة بالإيمان العميق، يفتقد قيمتها المعنوية عزما وإرادة الغرب الكذّاب والصهيونية المخادعة.

إيران الإسلامية اليوم تصنع أسلحتها بكافة أنواعها، البرية والجوية والبحرية الميكانيكية والإلكترونية، قد كسبت قواتها تجارب بيدانية خلال الحرب العدوانية، وزادتها المناورات الدّورية تثبيتا لخططها، وأكسبتها الحرب على الإرهاب تجارب أخرى في مجال حروب العصابات ومكافحة الجريمة المنظمة، وهذا ما تفتقده جيوش الغرب التي كان حصنها الأول والأخير حصونها ودباباتها ومدرعاتها وطائراتها وبوارجها لكنّها اليوم لم تعد بذلك المقام الهانئ، فدبّابات الكيان الصهيوني مثلا (ميركافا)، عبثت بها صواريخ حزب الله الإيرانية، وتركتها قطعا هامدة بعد أن كانت هياكل مرعبة للمُشاهد، لا تصلح سوى للبيع إلى معامل صهر الحديد.

إنّ مشروع إيران الإسلامي في الإعداد والإستعداد العسكري للأعداء، أتى ضمن الإستجابة لأمر الله سبحانه، الذي قال فيه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوّكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تُنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون) سورة الأنفال الآية 60

منذ مدّة أصبحت إيران معدودة ضمن الدّول المصنّعة لمختلف أنواع السلحة وتُطوِّر برامجها ومخططاتها فيها بإطّراد مستمرّ، وطاقات وخبرات علمائها ومهندسيها وخبرائها متجددة بفضل الله علي نظامها الذي لم يترك شاردة ولا واردة إلّا أخضعها لاحتمالاته، التي عادة ما تكون صائبة في توقعاتها، وهي لم تعد كما بالأمس بحاجة ماسة، إلى من يتكرّم عليها ببيع السلاح الذي كانت تفتقده، من أجل الدّفاع عن أراضيها، خلال حرب الثماني سنوات، التي شنها عليها جيش صدّام المقبور، وقد اجتمع الغرب مع الشّرق، على عدم تمكينها من أي سلاح دفاعي، تآمرا عليها لإسقاط نظامها الإسلامي، وهذا ما اجج غضب معسكر امريكا الغربي والصهيوني وعملائه من انظمة العرب التي باعت بلدانها وشعوبها لخدمة مصالحه.

إيران الاسلامية عصيّة اليوم بما يكفي، لكي يحسب لها هؤلاء الأعداء ألف حسابٍ وحسابٍ، قوّتها البحريّة رهيبة بين جيش وحرس إسلاميين، وهي تجوب أعماق المحيطات وتشكّل قوّة حامية لسفنها التجارية، ودوريّاتها المستمرّة وصلت إلى المحيطين الأطلسي والهادي وحتى المتجمد الشمالي، هذه السنة بمشاركة قطعتين بحريتين، استعراض سان بترسبورغ الروسي، وصواريخها مثار قلق أمريكي غربي جعله يحاول يائسا، إدخال برنامجها مع مفاوضات الملف النووي، وهيهات أن تستجيب ايران لحُلُمِ أمريكا والغرب، فذاك خط أحمر غير قابل للتجاوز.

للعرب الذين يعادون إيران الإسلامية، ويضعون أنفسهم في صفّ أعدائها، أقول لهم: ماذا جنيتم من وراء اصطفافكم مع هؤلاء الأعداء؟ هل تحصّلتم من أمريكا والغرب والصهاينة شيئا يعيد لكم كرامتكم المهدورة، ويخرجكم من تخلفكم البائس، وينقذكم من قوى الإرهاب التي هيأها لكم هذا الغرب لاستنزافكم، وإعادة برمجة استغلالكم بطرق ملتوية وخبيثة أشدّ استحكاما؟ لقد كان من اللائق لكم أن لا تعادوا ايران الاسلامية من باب أنها أختكم في الإسلام، اللهم إلا أن تكونوا قد تبنّيتم أفكار الوهابية والتّيمية في تطرفهما، فإذا وصل بكم الحال هكذا، فدونكم والإرهاب التكفيري فهو أولى بكم.

أمّا إذا جاء منكم هذا الإصطفاف نتيجة سوء تقدير، فعودوا إلى رشدكم قبل أن تتورطوا في مراحل قادمة أكثر خطورة، ليس معها عذر لمعتذر، ومن عرف الحق فحتما سيعرف أهله، ولن تخدعه الدعايات المعادية لإيران الاسلامية، وهي التي أعتُدِيَ عليها ولم تَعتدي على أحد، وليس ما كان ممكنا ومتاحا من العدوان بالأمس ممكنا اليوم، ولا يلدغ مؤمن من جحر مرّتين.

إن تكرار الادعاءات الامريكية بشأن إحتمال امتلاك إيران سلاحا نوويا، يندرج في إطار الحرب الإعلامية السياسية، التي ما فتئت تخفي وراءها، سببا حقيقيا ومشروعا لإيران الاسلامية، في تطوير برنامجها النووي المنشئ أساس لأغراض سلمية، ليس بمقدور تلك الدعايات أن تفعل شيئا يوقف تقدّمه، في مقابل عدم وفاء الدول الموقعة بالتزاماتها تجاه إيران، وعودة أمريكا إلى المفاوضات جاءت من الباب الصهيوني، الذي يعمل أصحابه على عرقلة أي اتفاق مستقبلي في هذا الملفّ، لإبقاء العقوبات قائمة معرقلة الإقتصاد الإيراني.

من عجائب هذا العصر  – وجاءنا من الغرب وصهيونيتهم الزائدة على اللزوم – أن تخاف دوله من تطور الملف النووي الإيراني، على خلفية صناعة قنبلة نووية، وهي التي اصدر قائدها ومرشدها فتوى منذ سنوات، بتحريم امتلاك واستعمال السلاح النووي وعاد فأكّد ذلك بقوله: (أن إيران ورغم امتلاكها القوة على تصنيع سلاح نووي، إلا أنها قررت وبكل حزم وانطلاقا من التعاليم الإسلامية تحريم استخدام هذا النوع من السلاح(.(1)

ومع أن هذا الغرب المعادي، ومعه الكيان الصهيوني، يمتلكون منها مئات بل آلاف القنابل والصواريخ المختلفة المدايات، التي بمقدورها قتل أضعاف مضاعفة من سكان الكرة الأرضية، استغباء لدول وشعوب العالم التي ما تزال تتوقع خيرا من هؤلاء بإعلامهم المضلل، ويأتي اجتماع رئيس الوزراء الصهيوني (بينيت) بالرئيس الامريكي (بايدن) في إطار عرقلة أي اتفاق جديد مع إيران، دون تقديم تنازلات جديدة منها، وهذا ما تيقنت من غاياته الدبلوماسية الإيرانية، ولن تتراجع في ابقاء بابه مغلقا قيد أنملة، مهما بلغت لغة التهديدات التي طالما أطلقوها من قبل.

(بينيت) بعد لقائه الرئيس الأمريكي في البيت الابيض، صرّح للصحفيين إنه متفق مع (بايدن) بشأن وجود خيارات أخرى، إذا أخفقت المفاوضات الأمريكية مع إيران، لكنه لم يذكر أيضا طبيعة تلك الخيارات.(2)

وحتى لا يستغبي الغرب شعوبنا نحن العرب، نقول إننا ندرك جيّدا حقيقة تلك الدول وقواها الإستعمارية، وأهدافها التي اصبحت في خدمة الصهيونية العالمية، وادّعاءاته المتكررة بشأن الخيارات تهديدات حمقاء، لو أقدموا على ارتكابها ستعجّل بزوال لقيطتهم اسرائيل من على أرض فلسطين، زوال سريع سيفاجئ الغرب، ويسقط من أيدي مجرميه كل حساباتهم، وسيقعون في جُبِّ مخططاتهم الخبيثة، إذا لم يتداركوا أمرهم، ويستنقذوا سياساتهم من مناولة السياسة الصهيونية بما تهوى من عبث.

المصادر:

1 – خامنئي: امتلاك أسلحة نووية حرام https://arabic.rt.com/world/1050443

2 – بعد لقاء بينيت..بايدن يلمح لتصعيد مع إيران في حال إخفاق الدبلوماسية https://www.dw.com/ar/ 59008167

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023