الإستفتاء على الدستور.. معركة الشّعب الأخيرة!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

الإستفتاء على الدستور.. معركة الشّعب الأخيرة!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

تونس أمام لحظات تاريخية هامة تُشكّل حلقة مفصلية أساسية في استعادة الإستقرار والتقدم نحو مرحلة ديمقراطية جديدة لـــــتأسيس جمهورية جديدة بدستور جديد .. يعدّ الاستفتاء الشعبي أحد صور السيادة الشعبية وطريق لممارسة السلطة الشعبية، وهو مظهر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة، إذ يقوم الشعب بأخذ زمام المبادرة والتصدي للشأن العام مباشرة فيعبر عن رأيه بإعتباره السلطة الأصلية والمالك الحقيقي للسلطة.. و يعدّ المواطن اللّبنة الأساسية في بناء الدولة والمجتمع، وللوصول إلى دولة المواطنة لاشك إننا بحاجة إلى أن نعترف للمواطن بحق المساهمة بكل السبل الممكنة في الشأن العام سواء في إطار حقوقه السياسية التي كفلها الدستور أو حقوقه المدنية، فهذا من شأنه أن يقيم دولة بنظام ديمقراطي حقيقي، ويعزز سيادة القانون إذ سيكون دور المواطن إيجابياً في الاشتراك بإعداد القوانين أو القرارات العامة ورسم السياسة العامة للدولة ، ويكون المواطن شريكاً حقيقياً..

         إن المشاركة في الإستفتاء الشعبي على الدستور الجديد واجب وطني و بمثابة عبور جديد للبلاد، وامتداد مهم وضروري لمرحلة تاريخية من عمر الوطن، إنّنا نقف على أعتاب مرحلة مفصلية في تاريخ تونس ، مرحلة تخطو بدولتنا إلى الإمام، نصنع فيها مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة، والمشاركة في استفتاء التعديلات الدستورية، بمثابة بداية حقيقية لأول طريق البناء..و إنّ المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد تعدّ بمثابة انتصار للإرادة الشعبية و انتصار لإنتفاضة 25 جويلية التي أطاحت بحكم منظومة الخراب التي حاولت جر تونس إلى الفوضى و الإنهيار، و على التونسيين الحذر من أصوات خبيثة تحرض على مقاطعة الإستفتاء ، ودعوات شيطانية تسعى إلي تشكيل رأي عام محرّض على المقاطعة.. علينا جميعاً أن نكون واعين لحملات التشكيك كي نفوت الفرصة على كل من يريد أن يجرنا للوراء .. إنّ الاستفتاء هو آلية نصّ عليها دستور عام 1959 وكذلك دستور 2014، وهي آلية يمكن اعتمادها للعودة إلى صاحب السلطة الفعلية وهو الشعب التونسي، وتعد الآلية الأكثر قرباً للناس بإعتبارها الديمقراطية الفعلية.. الاستفتاء سيكون بمثابة تتويج فعلي للجهود التي بذلها التونسيون لإقرار حريتهم وتقرير مصيرهم لمستقبل أفضل يحمل خريطة إصلاحية حقيقية للحياة السياسية والاجتماعية.. و بمثابة رد شعبي قوي على التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية التونسية ، و أنّ الشعب التونسي صاحب القرار ومصدر السلطات والشرعيّة و سيقرر مصيره بنفسه من خلال الإستفتاء الشعبي ، و يبرز للعالم كله قوة الوحدة الوطنية التونسية وتمسك الشعب بحرية الوطن وحرية المواطن والتزامه بثوابته الوطنية والديمقراطية، إنّ نجاح الاستفتاء يعني أن الشعب التونسي يريد تجديد وتطوير الدولة الوطنية التونسية ، ونقل السلطة من خدمة طبقة نخبوية إلى خدمة الشعب كله..

                ظلت الأزمة السياسية في تونس تتصاعد منذ عشر سنوات من دون حلّ، ويرجع ذلك في جزء منه إلى الدستور، الذي أقرّ في العام 2014 نظاماً تتشابك فيه صلاحيات المؤسسات الدستورية، وانتهى الأمر إلى الصراع بين مؤسسات الدولة.. وأمام حالة الجمود دعا الرئيس قيس سعيّد في أكثر من مرة إلى التوجه نحو تغيير النظام السياسي القائم، فيما تخشى حركة النهضة وحلفاؤها خسارة الامتيازات الانتخابية التي حققها لها نظام تقاسم السلطات ونظام الاقتراع الحالي.. قانون الانتخابات في تونس ونظام الحُكم الهجين الذّي يتم فيه تقاسم السلطة التنفيذية بين رئيس الحكومة والرئيس، يشتغل كعائق لتقدم التجربة الديمقراطية إذ يعمل النظام الانتخابي على منع استفراد أي حزب بأغلبية حكم ويؤدي دوما عبر قانون أكبر البقايا إلى برلمان مفتت لا جامع بين مكوناته سوى التعطيل المتبادل، حيث فشلت في الاندماج وفي تشكيل منظومة حاكمة فاعلة، كما لم تسمح السياسة التوافقية للحزب الفائز بالانتخابات أن يحكُم بمُفرده بل فرض عليه الدخول في سياسة توافقية حتّى يستطيع تشكيل حكومات محاصصة ، و أصبحت أليات الديمقراطية التوافقية تمثل عقبة أمام التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في البلاد..وتحت شعار التوافقية، تخلت الدولة عن قضايا ضرورية، مثل العدالة الانتقالية، ولم يتسنى لها اتخاذ إجراءات جريئة بشأن الاقتصاد أو تشكيل المحكمة الدستورية، أدّت أيضا تلك السياسة التوافقية إلى تطبيق نظام المُحاصصة الحزبية وملء المناصب بمسؤولين تنقصهم الكفاءة اللاّزمة والوعي السياسي المطلوب، ويفتقرون إلى التجربة في إدارة شؤون البلاد، وقد فتح الباب على مصراعيه لتفشّي الفساد والمحسوبية..، إنّ دستور 2014 تمّ وضعه على المقاس و توظيفه من قبل نفس الوجوه و الساسة لتحقيق مآرب لا علاقة لها بالشعب المسكين فأين كان هؤلاء المدافعين اليوم عن الدستور منذ عشرية من الزمن، عشرية الغنيمة و عشرية انتشار الفساد و عشرية تجويع و تفقير المواطن و عشرية “تشليك الدولة”…

                   تونس تمر اليوم بمرحلة مفصلية في تاريخها نحو بناء ديمقراطية صلبة ترتكز على السيادة الوطنية والسلطة للشعب بإغلاق دكاكين الإرتزاق والإرتهان للخارج، وسيذكر التاريخ أنّ مسار الـــــ 25 جويلية ليس انتصارًا لشخص بل للوطن و لإرادة الشّعب التونسي ..لابدّ أن يدرك الشّعب التونسي بأنّ لا فائدة تُرجى بعد، إلّا بأن يتّحد التونسيون جميعاً في رفض ومواجهة هؤلاء الفاسدين المفسدين وأن يقطعوا الطريق على من يريد لهم أن يواجهوا بعضهم بعضاً وينجرّوا إلى الفوضى التي يسعى إليها الكثير من الطامعين والمفسدين من الداخل والخارج ، وأن يعلموا يقيناً بأنّ لا حل ولا دواء يخرج تونس من محنتها و أزمتها الحالية إلّا بأن يُحاسَب الفاسدون جميعاً على كلّ جرائمهم وانتهاكاتهم ونهبهم وسرقاتهم ، من أيّ موقع كانوا ولأيِّ جهة إنتموا.. هؤلاء المستفيدون من دولة الغنيمة، مخاوفهم المُبالغ فيها ليست خوفاً على الديمقراطيّة و إنّما خوفاً من ضياع المغانم.. و تبين أن دُعاة هذه الحقوق الحريات و الديمقراطيّة لا يؤمنون بها، ولا يريدونها لأي مواطن تونسي ، بل يريدون فقط، زعزعة الاستقرار، ونشر الفتن، وتقسيم الوطن إلى دويلات، يسهل السيطرة عليها، واقتيادها، إلى طرق مجهولة..

        اليوم و أكثر من أي وقت مضى لابدّ أن يعي الشعب التونسي بحساسية المرحلة والتضامن مع الدولة حتى تنتصر في معركتها المعلنة على عدة واجهات ، الإستفتاء على الدستور معركة الشّعب الأخيرة، و الخيار الحاسم بعد المرحلة الحاسمة في 25 جويلية وما قبلها من أجل إحداث تغيير جذري وبناء أنظمة ديمقراطية حقيقية بمشروع شعبي متكامل لتونس جديدة، إذا أردنا فعلا التغيير .. نحو إرساء ديمقراطية حقيقية يكون فيها الشعب التونسي بالفعل صاحب السيادة و إرساء دولة القانون ، و تحصين و حماية مسار الـــــ 25 جويلية والتأكيد على أنه لا عودة إلى الوراء، وليُبرهن الشّعب التونسي العظيم على أنّه يدرك خياراته جيدا، وان تونس نهضت ولن يستطيع أحد في الداخل أو الخارج أن يعوقها أو يقوض مبادئها أو أن يعيدنا إلى الوراء .. إنّ الرئيس قيس سعيّد أنقذ الدولة من الإنهيار يوم 25 جويلية 2021 و على التونسيين أن يتحملوا مسؤوليتهم في عدم ترك البلاد للعابثين و الفاسدين يوم 25 جويلية 2022..

عاشت تونس حرّة مستقلّة

عاش الشعب التونسي العظيم

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023