الاتحاد الأوروبي لا يمكن ان يخرج عن الاملاءات الامريكية ولا عن إرثه الاستعماري…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

الاتحاد الأوروبي لا يمكن ان يخرج عن الاملاءات الامريكية ولا عن إرثه الاستعماري…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

لا يحتاج المرء الى ان يكون سياسيا مخضرما او ان يقوم بالبحث والتنقيب ليدرك العلاقة العضوية الاستراتيجية بين اوروبا من جهة والولايات المتحدة من الجهة الأخرى وان يعي على أن القرار الأوروبي في سياسته الخارجية وعدوانية حلف الناتو بشكل او بآخر يؤخذ في البيت الأبيض وليس في بروكسل. ولقد كشفت الاحداث في أوكرانيا وخاصة ما حصل في 2014 على وجه التحديد وما تبعها للوصول الى الحرب الأوكرانية والدعم اللامتناهي الذي قدمته وتقدمه العديد من الدول الأوروبية سواء الدعم العسكري واللوجيستي والمالي لأوكرانيا استجابة للبيت الأبيض في الوقت الذي تحرم مواطنيها من عشرات المليارات التي كان من المفترض ان تصرف لتقديم الخدمات لهم بدلا من ارسالها لضمان استمرار الحرب في أوكرانيا الذي انعكس سلبا على كل مناحي الحياة للمواطن الأوروبي.

الدور السلبي والمتعجرف الذي يسلكه الاتحاد الأوروبي لا يقتصر على القارة الاوربية، بل يتعداه الى خارج حدودها ونحن بصدد ذكر حادثتين حديثتين مرتبطتين بالسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في منطقتنا.

أولها فيما يخص النازحين السوريين في لبنان حيث صرح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي السيد جوزيف بوريل ان الاتحاد يرفض دعم عودة النازحين السوريين الى سوريا وان عليهم البقاء في الدول المضيفة الا ما شاء الله او بالأحرى الى ما شاء البيت الأبيض. وأن عودتهم يجب ان تكون مرهونة بالحل السياسي الذي تقف أمام تحقيقه الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي.

وليس هذا وفقط بل صرح بان دول الاتحاد الأوروبي لا تؤيد تطبيع العلاقات بين سوريا والدول العربية وتركيا. هكذا وبكل هذه الوقاحة والاستعلاء مما يدل على ان الإرث الاستعماري ما زال يعشش في النخب السياسية الأوروبية بالرغم من كل الادعاءات بالحضارة والديمقراطية وحقوق الانسان التي يحاضرون بها دول العالم الثالث “المتوحش” برأيهم.

لو كان الاتحاد الأوروبي فعلا يريد الحل السياسي في سوريا لما أغمض عينيه عن زحف الإرهابيين من مواطنيه الى سوريا للقتال الى جانب داعش والنصرة وغيرها من المجموعات المصنفة امميا بالإرهابية. ولما فرض العقوبات الجائرة على سوريا وخاصة على المواد الغذائية والأدوية والطاقة. ولما ساهم في سرقة النفط السوري مع الولايات المتحدة وحرق المحاصيل الزراعية في شمال سوريا سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة. ولا ندري لماذا يقف السيد بوريل ضد عودة سوريا الى الجامعة العربية والتطبيع مع الدول العربية التي ساهمت أساسا في تدمير سوريا. من المؤكد لو أعلن النظام السوري غدا التطبيع مع الكيان الصهيوني لاطلق السيد بوريل الزغاريد واستدار 180 درجة ووجه المديح للنظام السوري ولأسقط الاتحاد الأوروبي كل العقوبات وأعاد العلاقات الدبلوماسية اليوم قبل غدا.

 نحن ربما لا نلوم السيد بوريل ولا دول الاتحاد الأوروبي لان الغرب لم يكن يوما من الأيام متحضرا عندما تأتي المسالة الى دول العالم الثالث فلهم تاريخ اسود ومتوحش ولا ينتمي الى الإنسانية بصلة. انظر ماذا فعلت فرنسا اثناء استعمارها للجزائر على سبيل المثال وتجاربها النووية في الأراضي الجزائرية والتي ما زال سكان بعض المناطق فيها يعانون من الاشعاعات النووية ليومنا هذا. وأنظر ماذا فعلت بريطانيا وكندا والولايات المتحدة بالسكان الأصليين في استراليا وكندا وأمريكا.

اللوم يجب ان ينصب على الدولة اللبنانية والنخب السياسية الخانعة للبيت الأبيض والمتآمرة على لبنان والشعب اللبناني التي تقف حائلا دون عودة النازحين لأنها تأتمر بأوامر البيت الأبيض وأدواته في المنطقة في الوقت الذي تنبح ليلا ونهارا بأهمية السيادة والاستقلال باتخاذ القرار السياسي. اية سيادة واي استقلال هذا؟  لبنان دفع وما زال يدفع ثمن الحرب التي شنت على سوريا بهدف تركيع المنطقة برمتها للأمريكي والصهيوني على حد سواء.

اما الحدث الثاني فهو محاولة الاتحاد الأوروبي شراء الدولة التونسية بمئة مليون يورو للعمل على منع الهجرة “غير الشرعية” من أراضيها الى الشواطئ الأوروبية. وفي معظمهم هؤلاء من المهاجرين القادمين من الدول الافريقية التي عملت وما زالت الدول الغربية أوروبية وشركاتها وخاصة فرنسا وغيرها من شركات كندية والمانية الخ تعمل على نهب مقدراتها وثرواتها بالتعاون مع ادواتها المحلية. إيقاف الهجرة “غير الشرعية” لا يتأتى عن طريق دفع مئات الملاين لبعض الدول والطلب منها ان تلعب دور الشرطي لحماية “امن” الدول الأوروبية من المهاجرين، بل بإعادة بعض الأموال التي نهبت من الدول الافريقية والاستثمار في مشاريع التنمية الفعلية التي تحقق من خلالها هذه الدول تقدما اقتصاديا يعود على تحسين الوضع المعيشي للمحرومين من ثروات بلادهم والكف عن دعم الحكومات الفاسدة والديكتاتوريات في القارة الافريقية وعن التدخل المباشر (عسكريا كما فعلت وتفعل فرنسا) او غير مباشر بالشؤون الداخلية لهذه الدول. عندها وعنده فقط لا يجد المواطن الافريقي الحاجة الى ركب قوارب الموت في محاولة الوصول الى الشواطئ الأوروبية.

ولكن يبقى السؤال المطروح والملح الذي يحتاج الى إجابة هل تستطيع الدول الأوروبية التخلي عن إرثها الاستعماري؟ وهل تستطيع ان تكف على ان تكون مطية للبيت الأبيض وخادمة مطيعة لمشاريعه في محاولة السيطرة على الكون والتحكم بمصائر الشعوب؟ كان البعض يأمل بذلك قبل الاحداث في أوكرانيا بعد سماع بعض التصريحات هنا وهناك التي كانت تنادي بالاستقلال عن أمريكا وتكوين قوة ثالثة على الساحة العالمية، ولكن هذه الأصوات اختفت كلية مع الاحداث والحرب الأوكرانية وعادت أوروبا بمجملها الى الحظيرة الامريكية وبيت الطاعة للبيت الأبيض يا للأسف.

كاتب وأكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023