التمييز الجهوي في قطاع الثقافة والفنون بالجزائر “أو الإرث المسموم ورفض الاعتراف بالجزائر الجديدة”

التمييز الجهوي في قطاع الثقافة والفنون بالجزائر “أو الإرث المسموم ورفض الاعتراف بالجزائر الجديدة”
 فوزي حساينية:  كاتب وإطار بقطاع الثقافة من الجزائر

وأنا أتحدث عن التمييز الجهوي كإرث مسموم في قطاع الثقافة والفنون بالجزائر، إرث بغيض كريه ، يتحدى قوانين الجمهورية، ويدوس على دستورها ، ويتنكر لكل الأعراف الإدارية والإنسانية ، بل ويتعالى بروح عنصري مقيت عن كل إصغاء لصوت الحكمة ولمبادئ المساواة والشفافية وتكافوء الفرص بين إطارات القطاع الثقافي ، وهي المبادئ المعترف بها في كل أنحاء العالم ، بل وحتى في عدد من القطاعات هنا في الجزائر ، إلا في قطاع الثقافة والفنون- بالجزائر- أين يسود منطق الاستعلاء البيروقراطي في أشنع صوره ، ويهيمن منطق الاستحواذ الجهوي بكل سطوته وإقصائيته وتطرفه، واحتقاره لروح المواطنة، ونداء الصالح العام.

 قلت : إن الممارسات ذات الطابع الجهوي لم تختف أبدا في هذا القطاع ، حتى بعد مرور سنوات على الشروع في تجسيد أمل الجزائر الجديدة بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون،  فكلما شهدت الجزائر تغييرا حكوميا أو دخلت مرحلة جديدة إلا ويطرأ هناك بعض الأمل في أن التمييز الجهوي بين إطارات القطاع الثقافي في الجزائر قد يشهد شيئا من المراجعة والتصحيح، ولكن هذا لايحدث أبدا في قطاع الثقافة والفنون، فالآليات التي تم تكريسها قبل أكثر من عشرين عاما لاتزال هي نفسها دون أدنى تغيير.. وكأن وزارة الثقافة والفنون في الجزائر مقاطعة خاصة تخضع حصريا لقوانين الوارثة العائلية، أو كأنها وزارة وجدت خصيصا لفئة محددة من الجزائريين منظور إليهم حسب انتماءاتهم العائلية والجهوية، وحسب نفوذ العائلات التي ينحدرون منها، فلايزال تعيين مدير للثقافة أو مدير لدار الثقافة أو تعيين مدير مسرح جهوي أو مدير مكتبة رئيسية يحتاج أول مايحتاج إلى علاقة وثيقة، أو قرابة عائلية بأحد المسؤولين الأقوياء على مستوى الإدارة المركزية بوزارة الثقافة والفنون، مستشارا نافذا ، مفتشا عاما ، مديرا مركزيا، أمينا عاما، رئيسا لإحدى الدواوين بالوازة أو خارجها فإذا حدث وأن كان أحد هؤلاء من أقاربك أو أبناء عمومتك ، فأنت ستكون عندئذ من أصحاب الحظ العظيم، وأبواب الوزارة ومؤسساتها ستكون مفتوحة مشرعة أمامك، بلا حدود ولاقيود ترتع فيها كما تشاء ، وتتولى فيها ماتريد من مناصب ومسؤوليات حتى ولو لم تكن أهلا لها من قريب أو بعيد،ليبقى الإطارات الذين لامعارف ولا أقارب لهم في هياكل الوزارة ، بلا أدنى أمل ، ولا أبسط أفق ، في ظل قطاع ثقافي جزائري يرفض أن يتغير أو يتحول أدني تحول نحو الأفضل في إطار الجزائر الجديدة التي أعلنها ويقودها السيد رئيس الجمهورية منذ سنوات، والسؤال الذي يظل مطروحا وبلا جواب : أين هي رقابة الدولة الجزائرية ومؤسساتها الرقابية المفترضة ؟…إلخ،
ولك أن تعلم ، وأتحدى من يثبت العكس ،أنه بدون هذه العلاقة الحتمية الضرورية فأنت غير معترف بك في قطاع الثقافة والفنون لا كإطار ولا حتى كجزائري يعمل في هذا القطاع، نعم هذه هي الحقيقة الحقيقية التي لاتقبل تغييرا ولا تأويلا في قطاع الثقافة والفنون بالجزائر سواء كنا في سنة ألفين أو في سنة ألفين ثلاثة وعشرين.
 فقط إنتماؤك العائلي ، موقع منطقتك من جغرافيا الجزائر، هل تعرف أو لاتعرف إطارا قويا نافذا في دواليب وزارة الثقافة والفنون، هل هناك مسؤولا كبيرا في الدولة يتدخل لصالحك على مستوى الوزارة أم لا ؟ فقط هذه الأمور هي من تجعل منك شخصا مؤهلا في نظر وزارة الثقافة والفنون ، حتى ولو كنت لاتملك من المؤهلات إلا أسوأها أو أدناها ، فذلك لن يحول بينك وبين ترقيتك إلى أرفع المناصب والمسؤوليات في قطاع الثقافة والفنون حتى مع توجيهات وتعليمات رئيس الجمهورية التي يرفض قطاع الثقافة والفنون أن يعترف بها من خلال الإصرار على الإثم الإداري، وما ينجم عنه من حقرة وظلم وتمييز عنصري وجهوي بغيض ضد إطارات القطاع الذين لا ينتمون للعائلات النافذة في دواليب الوزارة أو لا يحتمون بدوائر من المحسوبية كالجهوية ، والعلاقات الخاصة والمصلحية،وأنا كإطار بهذا القطاع الظالم أعد أحد ضحايا هذه الممارسات منذ أمد بعيد.
 وفي ظل هذا الواقع الظالم الذي يصر على ظلمه وجبروته وعنصريته وجهويته ، يأتي السؤال الكبير، متى يحدث التغيير أو التحول المنشود في قطاع الثقافة والفنون في الجزائر؟ وهل الجزائر الجديدة كفكرة كبيرة وكمشروع طموح، وكإطار سياسي ، هل كل هذا لايكفي لحدوث تغيير أو تحول ولو بسيط في قطاع الثقافة والفنون، تغيير أو تحول ما من شأنه أن ينصف ضحايا التمييز والقهر العنصري والجهوي، بعد مايقارب  ثلاثة عقود من الحقرة والإقصاء والإستعلاء الجهوي والبيروقراطي، مع غياب تام لأجهزة الرقابة والشفافية عن المشهد، وكأن الأمر لايتعلق بإطارات جزائريين ، أو كأن هؤلاء الإطارات يخضعون للانتقام بسبب التاريخ أو بسبب الجغرافيا، أو بالأحرى بسبب النزاهة والإستقامة وعدم القدرة على الإخلال بالواجب والضمير المهني والأخلاقي طوال مشوارهم المهني.
وفي الأخير، لانملك إلا أن نقول : واتبوناه أنجدنا من الحقرة والظلم والتمييز الجهوي والاستعلاء البيروطراقي، واتبوناه إن المسؤولين في وزارة الثقافة والفنون لايعتبروننا إطارات مثلهم ، بل ولا يعتبروننا حتى مواطنين جزائريين مثلهم..ولايشعرون بأن ثمة قوانين ومبادئ في الجمهورية الجزائرية يجب النزول عند مقتضياتها، وهذا كله يفسر معاناتنا في قطاع الثقافة والفنون ، منذ أكثر من عقدين من الزمن أو مايقارب العقود الثلاثة.
شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023