الثقافة الغربية شذوذ عن الفطرة الإنسانية…بقلم محمد الرصافي المقداد

الثقافة الغربية شذوذ عن الفطرة الإنسانية…بقلم محمد الرصافي المقداد

لولا خيانات حكام الشعوب الإسلامية لبلدانهم، لما تمكنت منّا قوى الغرب بوسائلها المعادية لديننا الإسلامي، وأحكمت سيطرتها علينا، ماضيا وحاضرا، ونسأل الله أن لا تتواصل هيمنتها مستقبلا، مع أنّ كل الدّلائل تشير إلى تواصل معضلة الإحتواء الغربي لبلداننا، وجعلها تحت سيطرتها، بواسطة تغلغل ثقافتها المادّية المعادية للإسلام المحمدي، وسياساتها المالية والإقتصادية الخبيثة التي تمارسها علينا.

بفشل الدول الغربية الاستعمارية في إبعاد شعوبنا عن دينها تماما -وهو هدف تصبو اليه – رغم إفراطها قديما في استعمال القوة العسكرية، لإجبارها على التخلي عنه، أمكن لها إيجاد عملاء لها بيننا، أعدّتهم إعدادا جعلهم يتنسّمون قيادة شعوبنا، ويسوقونها سوق غريبة الإبل، بلا هوادة نحو ناحريها، ومن فقد قيمه كان الموت أولى به من الحياة، وما قيمة شعوب تخلّت عن قيمها ودينها، اغترارا بثقافة فاقدة لأبسط القيم الإنسانية؟

أقولها للأسف، إن الغرب نجح في استدراج شعوبنا إلى هاويته السحيقة، وإذا نظرت إلى مجتمعاتها، تبيّن لك مقدار السقوط القِيَميّ الذي أصابها في الصميم، من جرّاء ذلك الإتباع والتقليد، شعوب اعتقدت أنّها استقلت عن سالب عزّتها وكرامتها، تعيش أغلبها اليوم على ثقافة الغرب وأفكاره الشيطانية، المعادية للفطرة الإنسانية، قد تحقق فيهم وعد الشيطان (ولأضلنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيرنّ خلق الله)(1).

قد يقول قائل: إن هذا الغرب لا يزال محافظا على مسيحيّته، وكنائسه تقرع أجراسها للصلاة يوم الأحد وأيام أعيادهم، وقادتهم يعبّرون في كل مناسبة عن احترامهم للإسلام، ويستقبلون ممثليه بحفاوة، وهذا ما ينفي عنهم معاداتهم للأديان، لكن المتابع لهذه التعابير، بإمكانه أن يلاحظ تناقضا بينها وبين مساعي المنظومة الغربية بأكملها، لضرب الإسلام في الصميم، وسلب التزام المسلمين بأحكامه وآدابه، والإسلام الذي ارتضته أمريكا ودعت إليه، واعتبرته دول الغرب موافقا لأهدافها الإستعمارية، هو إسلام مسلوب الأحكام والإرادة، وبالتحديد مسألة الولاية والبراءة فيه، وهي أساس من أساسات دفاعه، قد أطلق عليه الإمام الخميني لقب إسلام أمريكا.

أمريكا زعيمة دول الغرب، نقضت دينها وحصرته في طقوس عبادية، بدعوى أنّ مسيحيتهم غير قادرة على مواكبة العصر، في حداثته وتطلّعاته المستقبلية، لذلك أقصاه شياطينها عن السياسة والحكم، لم يعد بمقدورها أن تعود دينا شاملا كاملا، كما بدأه نبيّ الله عيسى عليه السلام، بل ذهبوا على أشنع من ذلك، بتبنّي أفكار شاذّة مقرفة، مخالفة للقيم الدينية والفطرة الإنسانية، شرعنوا لها في قوانينهم كالمثلية الجنسية، ودعوا الدول الواقعة تحت سيطرتهم إلى النسج على منوالهم، والإعتراف بها والسّماح بإجرائها في مجتمعاتهم.

دول الغرب التي تدّعي حقوق الإنسان ظاهرا، وتسعى إلى جعلها غطاء لشرعنة شذوذ حكامها، وانسلاخهم عن فطرتهم التي فطر الله الناس عليها، برهنت هذه السنوات عن سفاهة لا يمكن بأيّ حال من الحوال، أن يقبلها إنسان سليم الفطرة والعقل، بل يراها خروجا كاملا عنهما، وشذوذا غير مقبول بين المجتمعات البشرية السليمة، يجب أن يُحارب بأي شكل، من أجل سلامة أجيالها وضمان استمرارها، وتجنيبها تفسّخا رهيبا، من شأنه أن يجعلها تحت طائلة غضب الخالق تعالى، كما غضب على أقوام من قبل، مارسوا هذا الشذوذ، ولقوا مصيرهم المحتوم نتيجة ذلك، (ولوطا اذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين* انكم لتاتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون*وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون* فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين* وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كانت عاقبة المجرمين) (2)

ومع تنامي هذا التيار الهدّام للحضارة الإنسانية بين ساسة الغرب، وجد في مجتمعاته ومؤسساته القضائية من أراد التصدّي لهذا المروق الشاذّ، لكنّ أصحابه فشلوا في فعل شيء رغم اصدارهم حكما قضائيا يمنع هذا النوع من الشذوذ، فقد أقرت المحكمة العالمية لحقوق الإنسان رفيا بإجماع 47 قاضيا من 47 دولة في مجلس أوروبا، أنه لا يوجد حقّ في زواج المثليين، وأصدرت بشأن ذلك بيانًا ذا أهمية كبيرة، تم إسكاته بشكل مفاجئ، بسبب تقدم المعلومات ومجال نفوذها في الواقع، فقد أيد جميع القضاة السبعة والأربعين بالإجماع الحكم القائل بأنه لا يوجد حق في نفس- الزواج الجنسي، استنادا لجملة من الإعتبارات الفلسفية والأنثروبولوجية، القائمة على النظام الطبيعي، والفطرة السليمة، والتقارير العلمية، وبالطبع القانون الوضعي، مستندا في حكمه إلى المادة 12 من الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهذا يعادل أيضا قرارات المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، ولا سيما المادة 17 من قانون (سان خوسيه) والمادة 23 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في هذه القرارات التاريخية، قررت المحكمة أن مفهوم الأسرة لا ينظر إليه فقط كمفهوم تقليدي للزواج ، أي اتحاد الرجل والمرأة، ولكن أيضًا أنه لا ينبغي أن يُفرض على الحكومات لزومًا بـزواج مفتوح لأشخاص من نفس الجنس، وفيما يتعلق بمبدأ عدم التمييز، أضافت المحكمة أيضًا أنه لا يوجد تمييز ، لأن الدول لها حرية حجز الزواج فقط، للأزواج من جنسين مختلفين”.(3)

وقاحة ساسة الغرب بلغت هذه السنوات مستوى غير مسبوق، بتبني ظاهرة الشذوذ الجنسي ليس في بلدانها فقط، وجعلها عنوانا لسقوط مدنيتهم وانحراف فطرتهم، بل والتشجيع على تقنينها في الدول الأخرى، والتحفيز على سن قانون من شأنه أن يحمي المثليين، فبايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، لم يتحرّج في مناصرته للمثلية الجنسية تعبيرا على لسان حاله بأنّه مثليّ، ف(في أجواء احتفالية في البيت الأبيض، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون يمنح الحماية الفدرالية للزواج من نفس الجنس في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ويحمل التوقيع رمزية كبرى خصوصا لبايدن الذي كان قد عبر حين كان نائبا للرئيس السابق باراك أوباما عن تأييده حق الزواج للجميع)(4).

فضائح الغرب لم تقف عند التشجيع على المثلية الجنسية، بل وذهبت حتى إلى السماح بمواطنيها ولاجئيها إلى الإعتداء على المقدّسات الإسلامية، كالاساءة إلى النبي صلى الله عليه وآله، وحرق القرآن مرارا وتكرارا، في أعمال عدوانية تقترف بين الفينة والأخرى، دون رادع لها كأنّها في مضمونها تحفيز للجالية المسلمة بتلك الدول على ردّ الفعل تجاه هؤلاء المعتدين، بما يعنيه ذلك من سوء نية من تلك الحكومات، سمحت بتلك الخروقات، وهي قادرة على منعها، لكنها لم تفعل ذلك جسّا لنبض المقيمين على ارضها وقتلا لروح الإسلام في قلوبهم، ومهما فعلت دول الغرب فلن تفلح في نزع قداسة الدين من أهله، بل ستعرّض بيادقها، ممن ارتكبوا جناياتهم بحق المقدسات الإسلامية إلى الإنتقام منهم، من طرف المسلمين الغيارى، ولن يُعْدّموا في أي مكان من العالم، ولن تنجح سياسة التحريض التي انتهجتها دول الغرب ضد الإسلام والمسلمين.

المصادر

1 – سورة النساء الآية 119

2 – سورة العنكبوت الايات 28/29/30/31/32

3 – http://www.medias-presse.info/la-cour-europeenne-des-droits-de-lhomme-confirme-a-lunanimite-labsence-de-droit-au-mariage-homosexual/56049/

4 – الولايات المتحدة: بايدن يوقع قانونا يحمي زواج المثليين في جميع أنحاء البلاد
https://www.france24.com/ar/20221214-

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023