الجيش الليبي يرفض المبادرة الروسية التركية؟…بقلم محسن النابتي

الجيش الليبي يرفض المبادرة الروسية التركية؟…بقلم محسن النابتي

رفض الجيش الليبي المبادرة التركية الروسية التي أعلن عنها بعد قمة بوتين اردوغان في تركيا، في اعتقادي أن الرفض كان منتظرا وأن الجيش الليبي فعل جيدا برفضها ودليل أن وراء الجيش عقل سياسي جيد، كيف:
المبادرة واعلانها تبدو وكأننا في سوريا حيث تعلن كل هدنة بين الجيش العربي السوري والجماعات الارهابية بلقاء بين بوتين واردوغان، وروسيا تبدو في علاقتها بالجيش العربي السوري والاتراك كعلاقتها بالجيش العربي الليبي والاتراك، فالجيش العربي السوري يعتبر تركيا قوة احتلال ودعم للجماعات الارهابية والجيش العربي الليبي يعتبرها كذلك تماما ويمكن نستدعي في تحليلنا ايران في المشهد السوري ومصر في المشهد الليبي لتكتمل الصورة، ولكن الأمر ليس كذلك تماما لذلك رفض الجيش الليبي المبادرة:
– مكان اعلان المبادرة والقوى المعلنة عنها (تركيا- روسيا)وبغياب الليبيين يدعو الجيش الليبي للرفض، لتأكيد ان السراج تابع تركيا ويقبل ما يقبله الاتراك ولكن الجيش لا، وبالتالي دفع تهمة التبعية لروسيا واسقاط البروباغندا التي يثيرها حولها الاخوان لارباك الجيش.
– عدم تشريك مصر في مبادرة طرفها تركيا جعلها تولد ميتة على الأقل مؤقتا لأن علاقة مصر وتركيا ليست كما علاقة ايران وتركيا، فايران وتركيا مختلفتان في سوريا ولكن لهما علاقات جيدة سياسية واقتصادية فيما بينهما ويحاولان فصل المسارات، لكن مصر وتركيا مختلفتان اصلا حتى لو لم توجد المشكلة الليبية وان خلافهما يتجاوز المشكل في ليبيا الى النفوذ في المنطقة والأخطر هو تدخل تركيا في الشأن الداخلي المصري من خلال دعم واحتضان جماعة الاخوان التي تصنفها مصر ارهابية.
– الجيش العربي الليبي كسب نقاط قوة كبيرة بعد توقيع ما يسمى بوثيقة التفاهم بين السراج وتركيا حيث كان الجيش يعاني من اختلاف المواقف الاوروبية حوله وخاصة الصراع الايطالي الفرنسي ولكن الأتراك والسراج وحدوا الموقف الأوروبي ضدهما وهو أمر جيد للجيش، والجيش يعرف ان الاتحاد الاوروبي وجوده ودوره ضعيف في سوريا ولكن الأمر مختلف في ليبيا حيث له دور ووجود مهمين وبالتالي ليس من مصلحته تفرد روسيا وتركيا بالحل.
– هل روسيا غير مدركة لكل هذا؟ اعتقد انها مدركة ولكنها وقعت مع اردوغان، وهدنتها المعلنة معه لا تختلف في الجوهر عن هدنها معه في سوريا، فهي تعلن معه على هدن ومبادرات هي في الأصل ليست اكثر من ايقاف مؤقت لوقف اطلاق النار لا تؤثر مطلقا على الهدف النهائي وهو انهاء الوجود الارهابي من سوريا، وبالتالي لا اعتقد أن هناك تداعيات سلبية لرفض الجيش الليبي للهدنة على علاقته مع الروس الطامحين للعودة لليبيا التي كان فقدانها من اكبر خسائرهم الاستراتيجية، ولا بديل لهم عن الجيش والجيش الليبي والمصريين يعرفون هذا جيدا.
– الداخل الليبي:
تطورات الداخل الليبي في شقه العسكري وخاصة الشعبي والاجتماعي كان محددا في رفض المبادرة من قبل الجيش:
* عسكريا الجيش في وضع هجومي حاد ويحرز في تقدم مهم وخاصة تحرير سرت الذي يعتبر استراتيجيا من اهم المكاسب بعد تحرير بنغازي نظرا لأهمية المدينة من جهة كونها حلقة الربط بين شرق ليبيا وغربها فبعد تحرير سرت يمكن ان نقول أن مشروع تقسيم ليبيا بدأ يتهاوى، قربها الشديد من حقول النفط واحتوائها على ميناء ومطار وهي ربما كانت من أهم المدن المؤهلة لتكون منطلق غزو بحري لليبيا ونتذكر الصراع المرير على خليجها مع الأمريكا ابان حكم الشهيد معمر القذافي، للمدينة رمزية كبيرة وانحياز قبائلها للجيش كسب اجتماعي وسياسي وعسكري كبير جدا وله تداعيات ايجابية على بقية الجسم الاجتماعي والقبلي في كل ليبيا، اضافة الى سرت حسم الأمر في العجيلات وهو أمر غاية في الحيوية لان الجيش استثمر في التركيز العسكري المليشياوي على العاصمة طرابلس باعتبار أن الاتراك والسراج يريدون الحفاظ عليها بأي ثمن للقول أن الحكومة مازالت شرعية والمجتمع الدولي يعترف بها وغيره، قلت أن الجيش استثمر في هذا التركيز ليبدأ في قضم بقية الجغرافيا الليبية التي تسيطر عليها المليشيات حيث وصل للحدود الادارية لمصراته من جهة الشرق ويتقدم لقطع الطريق الساحلي والوحيد الذي يربط طرابلس بمصراته واذا نجح في ذلك تصبح العاصمة وما بقي منها من أحياء بلا فائدة عسكرية للمليشيات وللسراج، وقد يتركها ويتقدم الى غربها للسيطرة على المعابر مع تونس وبالتالي يسقط ما بقي من العاصمة تلقائيا وبدون قتال وهو ما يعمل عليه الجيش.
ويبقى في نظري أهم مكسب للجيش ليس من مصلحته خسارته وهو الالتفاف الشعبي حوله بعد اعلان اتفاقية التفاهم التركي مع السراج حيث لأول مرة تعود اللحمة الوطنية وتتوحد القبائل على موقف واحد حيث لم يتفق الليبيين على موقف موحد منذ 2011 كما اتفقوا الآن على موقف رفض قدوم الاتراك الى بلادهم، فالقبائل الليبية لها تاريخ في مقاومة الاتراك والذاكرة الشعبية زاخرة بجرائمهم، ويمكن اعتبار كلمة السيد بوزيد دورده نقطة مفصلية في تغير موقف كثير من القبائل والقوى والفعاليات الاجتماعية من الجيش حيث تبدو الأمور اجتماعيا وكأننا أمام مصالحة وطنية بطريقة ليبية خالصة وهناك اختراق في مصراتة نفسها حيث ترفض القبائل الموجودة هناك الاتفاق على عكس “الحضر” ذوي الأصول التركية وغيره وذوي الميول الاديولوجي الاخواني، وهي مكاسب وزخم ليس من مصلحة الجيش ارباكه أو تراجعه فالثقة بين الرجمة حيث مقر القيادة العامة وعديد القبائل والقوى وحتى مع عدد من الضباط لا تزال هشة وتمتينها يمر عبر تأكيد الجيش اولا على سيادة ليبيا، فهؤلاء جلهم ممن قاوموا الاحتلال 2011 وحساسين تجاه الخارج لذلك فكلما تقدم الجيش في المصالحة الاجتماعية وكلما أكد اولوية سيادة ليبيا كلما كسبهم لصفه، وهؤلاء كانوا بيضة القبان التي يتصارع الطرفان على كسبها واستمالها الجيش وخسرها السراج نهائيا بخيانته.
– مؤتمر برلين نقطة مفصلية لا شيء قبله سيحدث في علاقة بوقف اطلاق النار وكل طرف يريد مزيدا من أوراق التفاوض في جيبه، وما قاله الألمان أمس تعليقا على غياب تونس لقد استدعينا من يملكون نفوذا واوراقا وتأثيرا في ليبيا، فالجيش والعقل السياسي الذي يقف خلفه ليبيا ومصريا يعرف جيدا أنه يمكن ان يصلوا الى برلين والسراج من الماضي بلا موانئ وبلا نفط وبلا ماء وبلا منافذ بحرية ليس له الا بعض الاحياء في طرابلس ويمكن أن يتدفق الجيش والقبائل الى داخل العاصمة اثناء المؤتمر فيقول المجتمعون للسراج ومليشياته من أنتم؟انتهت اللعبة من يدري …

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023