الحكومة الجديدة..رهانات وتناقضات..والمهمة الصعبة..

الحكومة الجديدة..رهانات وتناقضات..والمهمة الصعبة..

التحولات في المشهد السياسي التونسي أخذت طابع الصراع لا التعاون ولا المشاركة الفعالة البناءة بين مختلف القوى السياسية هذه الضبابية في الحالة السياسية ادت إلى فقدان القدرة على فهم الاتجاه، و لا يستطيع أحد أن يعرف إلى أين تؤول الأمور و ماهي السيناريوهات المحتملة في ملامح المشهد السياسي الجديد..؟

سؤال أرى من الضروري طرحه إلى متى ستبقى البلاد رهينة التجاذبات العقيمة و التدخلات الخارجية بطريقة إرتجالية تخضع لحسابات ايديولوجية وسياسية ضيقة.. ، و هل يأتي الإستقرار المنشود و تكون حكومة المنعطف الأخير نحو الإستقرار السياسي الذي كان التونسيون ينتظرونه من حكومة العمل وفتح الملفات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، أسئلة كثيرة تطرح نفسها بشدة في ظل تجاذبات سياسية ومقايضات و تحالفات بمنطق الغنيمة ومعارك طفت على السطح ووضعت البلاد من جديد في أتون انعدام الاستقرار بين مختلف القوى السياسية ، وزعزعت الثقة في الطبقة السياسية، هل تكون نقطة تحول حاسمة في المشهد السياسي للخروج بالبلاد إلى شاطئ الأمان.. أم أن تكون علامة فشل الطبقة السياسية وخيباتها المتتالية و قدر البلاد و الشعب أن يعانوا تبعاتها منذ عشر سنوات..؟؟

تحالفات معلنة وخارطة سياسية غير واضحة في المشهد السياسي التونسي ،لا تبدو موازين القوى السياسية ثابتة خلال الفترة الحالية، في ظل احتدام الصراع السياسي بين قصر قرطاج و البرلمان ، فالتراشق الثنائي قد يساهم في إعادة تشكيل المشهد السياسي ورسم خارطة التحالفات بين النهضة ( قلب تونس و إئتلاف الكرامة) و في واقع الحال هي مجرد تحالف مصالح في شكل زواج متعة ينتهي حالما تتبدل الظروف ومصالح الطرفين ،المرحلة القادمة لا يمكن الحكم عليها الآن بالدقة المطلوبة، خاصة وأن الأجواء السياسية في الأشهر الأخيرة كانت مشحونة و متغيرة الى درجة يصعب معها تحديد ملامح الخارطة السياسية بدقة ، ونوع العمل المشروع من المزايدة السياسية، و نوعية التحالفات المصلحية من الالتزامات السياسية الحقيقية،

بعد حصول المشيشي على أغلبية مريحة في جلسة منح الثقة أصبحت الحكومة أمام مواجهة رهانات عديدة و تحديات تتطلب الإستقرار الذي بدوره يساعد على تنقية الأجواء السياسية حتى ينفذ البرنامج الاقتصادي الذي أعلن عنه، و هذا الإستقرار لن يكون إلا بالتوافق ولن يكون هناك توافق إلا ببعض التنازلات ووضع هدنة سياسية على الأقل لسنتين بعيدا عن التجاذبات الضيقة و سياسة الجذب للوراء و المعارك الوهمية لتصفية حسابات سياسية على حساب دولة متهالكة على كل المستويات..

لا يخفى على أحد حجم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي أصابت البلاد خلال السنوات الأخيرة جراء الأزمات السياسية و المعارك الوهمية و العقيمة وهي أضرار سببها عبث المكونات السياسية بمصالح البلاد، و لم يعد المشهد التونسي اليوم كما كان خلال الفترة السابقة و لن تكون الدولة قادرة على تحمل مزيد من الأزمات أو الهزات الجديدة بل ستكون أولى أولويات الحكومة الجديدة ضمان الاستقرار الاقتصادي والأمن الاجتماعي والبدء في مواجهة حقيقية لشبكات الفساد المنتشرة في كل مفاصل الدولة. هذه الحقيقة تجعل من مسألة الحفاظ على حكومة مستقرة أولوية قصوى لتكون قادرة على تحقيق مصالحة وطنية شاملة و مناخ سياسي يسوده الإنسجام لتحقيق الإصلاح المنشود ،
الكل يعلم صعوبة الظروف التي تسلمت فيها حكومة المشيشي مهامها التي وجدت نفسها مباشرة بعد المصادقة عليها في مواجهة ملفات إجتماعية عاصفة و أزمة إقتصادية عاجلة إضافة إلى الوضع الوبائي و تحدياته المتسارعة ،
وستكشف الأيام القادمة مدى قدرة هذه الحكومة على كسب الرهانات المطروحة عليها من عدمها خاصة وأنها رهانات صعبة وكثيرة تتطلب تضافر جهود كل القوى السياسية و تغليب المصلحة العليا على المصالح الضيقة بعيدا عن المناكفات و المكايدات السياسية..

الواقع الحالي يملي على الجميع التمعن مليا في مآل الأمور في بلادنا و إذا لم يقف الجميع اليوم وقفة صادقة و جريئة لتقويم الوضع، بعيدا عن كل الحسابات الضيقة و الفئوية ، فسندفع جميعا الثمن غاليا ، و غاليا جدا ، و سنبقى ندفعه على امتداد سنوات طويلة.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023