العالم بين القوة الروسية والتحولات الإقليمية في المنطقة…بقلم: تحسين الحلبي

العالم بين القوة الروسية والتحولات الإقليمية في المنطقة…بقلم: تحسين الحلبي

كتب الصحفي الأمريكي جون رويل قبل عام تماماً في المجلة الإلكترونية «ميديوم» أن القوة السوفييتية التي شكلتها روسيا وحلفاؤها قبل 30 عاماً كانت تمتد من أفغانستان إلى ألمانيا الشرقية وكانت تقود ثاني اقتصاد عالمي تتحدى فيه الرأسمالية العالمية بقيادة الاقتصاد الأمريكي، لكن موسكو تمكنت من تحقيق نفوذ متصاعد في مواجهة القوة الأمريكية الكبرى وزعزعة قدرتها على المحافظة على سياسة «الاقتحام الهجومي العالمية».
ويُبين رويل أن روسيا لديها عدد من العوامل التي تتيح لها البقاء قوة عظمى متجددة:
1- مساحتها الكبيرة وجغرافيتها المميزة، بما يمكنها من تحريك قوتها العسكرية من وإلى شمال آسيا وشرق أوروبا وحدود الشرق الأوسط بأسرع وأسهل الطرق بسبب وجود جوار واسع، وهذا ما يتيح لها توظيف قوتها العالمية واستخدامها من أراضيها، فسفنها الحربية استطاعت ضرب أهداف لـ«داعش» في سورية من بحيرة قزوين.
2- لدى روسيا عامل الذكاء في استخدام القوة فعلى الرغم من الإقرار بأن القوة الأمريكية أكبر من حيث النفقات والكم البشري والقدرة النارية- وهذا ما ذكره بوتين نفسه- لكن استخدام القوة الأمريكية وتوظيفها أصبحا أقل فاعلية بسبب أخطاء استخدامها.
3- لدى روسيا قدرة متفوقة في علوم واستخدام «قوة السايبر» وهذا ما تعترف به الولايات المتحدة نفسها حين تتهمها «بالتدخل السايبراني» في منظومة وسائط الإنترنت الأمريكية، فقد دخلت الحروب «السايبرانية» إلى ساحة الحروب بين الدول الكبرى بل إن دولاً مثل إيران أصبحت تدرك أهمية امتلاكها قدرات «سايبرانية» في مجابهة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
4- انتشار الأقليات الروسية في عدد من دول شرق أوروبا ودول آسيا الوسطى..هذه الأقليات تعتز بثقافتها الروسية وتمسكها بلغتها الروسية وعلى سبيل المثال يشكل الروس 25% من سكان دولة استونيا ويرتبط هؤلاء بمصالح اقتصادية ووطنية مع روسيا الأم.
5- لدى روسيا مصادر طبيعية استراتيجية ضخمة من النفط والغاز وهي تستفيد منها محلياً وفي علاقاتها مع الدول الأخرى وقادرة على استخدامها سلاحاً في سياستها الخارجية.
6- لدى روسيا قدرة اقتصادية شاملة ومتنوعة قادرة على استخدامها في السلم والحرب بأعلى أشكال الكفاءة والانتشار والتأثير.
هذه العوامل التي يتحدث عنها رويل تشكل قاعدة قوة حليفة لجميع الدول المتحالفة مع روسيا، ومع كل صعود في هذه القوة تتصاعد حصانة سورية وإيران وقدرتهما على تحقيق الأهداف المشتركة الإقليمية ومنع الولايات المتحدة من الاستفراد بهاتين الدولتين، تحديداً في هذه الظروف إذ لم تعد الولايات المتحدة قادرة على شن حرب مشتركة أمريكية أوروبية ضدهما، فدول أوروبا وافقت على اتفاقية فيينا التي انسحبت منها واشنطن وأصبحت السياسة الخارجية الأوروبية لا تتطابق مع نظيرتها الأمريكية ما جعل النظام العالمي الأمريكي المهيمن على دول العالم يتفتت ويترك فراغاً تحاول روسيا والصين وحلفاؤهما وضع قواعد جديدة وموضوعية له تعكسها التحولات المطردة في موازين القوى الإقليمية والعالمية.. وفي المقابل تحاول دول الاتحاد الاوروبي الكبرى إدخال بعض قواعد لهذا النظام، قد لا يتشابه بعضها أيضاً مع قواعد النظام الأمريكي التي ينفذها ترامب، وفي قلب هذه التطورات أصبحت المصالح السورية الوطنية جزءاً من ثوابت هذا النظام العالمي الجديد وأبرز الأسباب موقع سورية في العلاقات الإقليمية وتحالفاتها الدولية، وهذا يعني بموجب ميزان القوى الإقليمي الجديد في المنطقة أن الولايات المتحدة عاجزة عن شن حرب مباشرة ضد الدول المناهضة لسياستها، وعاجزة في الوقت نفسه عن حسم الحروب التي تقوم بها في أفغانستان والتي تدعمها في اليمن وليبيا وهذا ما يتيح لقواعد النظام الإقليمي- الذي تفرضه دول وأطراف محور المقاومة- التحول إلى المبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات بين الدول التي تتطلع إلى ممارسة سياستها المستقلة والتخلص من التبعية التي تريد الولايات المتحدة فرضها، ولذلك يتوقع المحللون الاستراتيجيون في واشنطن أن تقرب العراق أكثر فأكثر من سورية وإيران سيزيد من عزلة تركيا الإقليمية في ظل أزماتها الداخلية وتدهور علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، ويؤدي إلى إضعاف دورها وإجبارها على التراجع عن غطرستها العسكرية العدوانية ضد سورية والعراق، وهذا ما سيظهر بعد قمة بوتين- أردوغان في هذا الشهر.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023