النخب التابعة والهروب الأميركي…بقلم: غالب قنديل

عام 2000 فرك الكثيرون عيونهم ووقفوا مشدوهين مذهولين مخبولين امام مشهد الاندحار الصهيوني من جنوب لبنان وأصاب العديد ممن يعدون انفسهم في الوطن العربي نخبا إعلامية وثقافية وفكرية خبل كبير عندما رددوا بالإيحاء الأميركي وطرحوا تساؤلات وشكوكا عديدة عن “مؤامرة ما” يدبرها العدو من “خروجه ” فلم يجرأوا على استخدام تعبير آخرعن خطوة “العدو الذي لايقهر”.

كلهم في لبنان والبلاد العربية كرسوا جهودهم لهجاء المقاومة منذ انطلاقها وسعوا إلى تكفيرها وتبخيس قيمتها ودورها طيلة سنوات من البطولة والشهداء والانتصارات وكشف عدوان تموز 2006 وتقرير فينوغراد ان العدو يعترف للمقاومة بتفوقها وبنجاحها في كسر هيبته وفي تغيير التوازنات والمعادلات وهم ظلوا يكابرون لعيون البترودولار الذي يعتاشون عليه ليعمموا الجهل العام وليديموا سطوة شبح القدرة الكلية للعدو وهزيمتنا المحتومة امامه بينما انصرف الأميركيون لدراسة التجربة واستخراج الدروس انطلاقا من التسليم بانتصار حزب الله.

انها ثقافة الهزيمة وعقلية المهزومين التي نشهد تعبيراتها اليوم بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عن قرار الهروب الأميركي من سورية والحقيقة إنه لم يفاجئ ذا عقل وبصيرة فمنذ أشهر كشف ترامب عن نيته وامهل قادة البنتاغون والمخابرات بضعة أشهر لتجريب فرص تعديل التوازنات في سورية قبل الهروب.

خرافة مقاتلة داعش والقاعدة منذ عام 2001 هي اكبر اكاذيب الولايات المتحدة وقادتها وفي سورية والعراق تخفى الدواعش في اكمام قوات الاحتلال الأميركية وهربوا من وجه الجيش العربي السوري وحزب الله والحشد الشعبي العراقي إلى مخابئ واوكار استحدثتها القوات الأميركية المحتلة في مناطق تحتلها في الشرق السوري وعلى الحدود العراقية السورية وسيناريو فتح الأكمام لحماية فلول داعش كشفت بعضا منه روايات صحافية وإعلامية عن انتشال قادة وكوادر من ميادين القتال بواسطة الطوافات الأميركية وبعضهم نقلوا فورا إلى ليبيا ومالي والصومال في أفريقيا كما تمت إعادة توجيه بعضهم صوب آسيا الوسطى لتفعيل التخريب والاضطراب الأمني في دول المجموعة المستقلة بزعامة روسيا وفي الصين.

يمكن استقراء أسباب ودوافع كثيرة خلف قرار الهروب اولها تغير البيئة الاستراتيجية وانكسار الغزوة الاستعمارية لسورية التي قادتها الإمبراطورية الأميركية وملامح نهوض الدولة الوطنية السورية ونجاح قواتها المسلحة في القضاء على عصابات التكفير الإرهابية في معظم الأراضي السورية ومتانة التحالف السوري مع كل من روسيا وإيران وحزب الله وكذلك انكسار العدوان على اليمن وارتداده في قلب منظومة الهيمنة على مستوى المنطقة ككل وثبات إيران وصمودها في وجه العقوبات والحصار المالي والاقتصادي بفضل حلفائها وشركائها روسيا والصين والهند ونجاح مع هذا المحور في زعزعة الانصياع الأوروبي لأوامر واشنطن.

لقد انكسرت عنجهية الكيان الصهيوني الذي هو مخلب الغرب الاستعماري في الوطن العربي ومنذ هروبه من جنوب لبنان وقطاع غزة وفشل حروبه التي خاضها بالإمرة الأميركية وبالشراكة العسكرية الكاملة مع البنتاغون وعملائه في المنطقة بفضل محور المقاومة وفي حصيلة اختبارات القوة منذ انطلاق العدوان على سورية ورغم الاحتلال الأميركي لمناطق من سورية لم تفلح جميع محاولات كسر المعادلات الجديدة التي تعاظمت وتعملقت بفضل تماسك محور المقاومة وصلابة الشراكة الاستراتيجية مع روسيا والصين وهو ما سهر عليه القائد الرئيس بشار الأسد وحبك تفاصيله وثبت عراه القوية فتحول بفضل سورية إلى معمودية تامة لقوى الشرق الصاعدة العازمة على إنهاء الهيمنة الأميركية الأحادية في العالم.

مؤشرات التغيير في البيئة الاستراتيجية على مستوى المنطقة لاتعد ولا تحصى بفضل صلابة محور المقاومة وهجومية الحليف الروسي الصادق وبالأصل ثبات القلعة السورية التي هي صخرة الشرق العظمى التي يبنى عليها ملكوت العالم الجديد الذاهب صوب توازن جديد يحرر العالم من سطوة الهيمنة الأحادية فالهروب هو خيار تراكمت مقدماته منذ قرار إدارة ترامب وحكومة نتنياهو التسليم مواربة بالهزيمة في سورية والبحث عن تعويض معنوي هزيل بعودة الأندوف إلى خط فض الاشتباك في الجولان بعدما سيطر عليه الجيش العربي السوري الذي انجز تصفية فلول العصابات العميلة في الجنوب بأسره.

كان بانتظار الولايات المتحدة مستنقع دماء موحل في الشرق السوري وبين فكي كماشة سورية عراقية وجميع الحسابات تقود إلى استنتاج شح الموارد المفترضة لتمويل حرب كبرى بعد حاصل كارثي للنظام السعودي نتيجة حرب اليمن وخطة الاستحلاب المالية التي قادها الرئيس الأميركي بينما تخضع مالية البنتاغون لتدقيق كبير وحساس يشرف عليه الكونغرس وهو مثار فضيحة كبرى بلغت قيمتها واحدا وعشرين تريليون دولار اهدرها جنرالات اميركا منذ غزو أفغانستان حتى اليوم وهي ضائعة بلا أصول أي انها منهوبة والأرجح باتت في حسابات الجنرالات وشركات السلاح والمرتزقة والخدمات الاستخباراتية والأمنية فمن يجرؤ على طلب اعتمادات جديدة وهذا التحقيق لايزال مفتوحا.

الإمبراطورية المتصدعة في مازق خطير ولا طاقة لها على التورط والهروب هو الخيار الأنسب ولا جدوى من فذلكات النخب التائهة والفزعة نتيجة هزالها وتبعيتها الفكرية والسياسية لمنظومة الهيمنة وقيادتها الأميركية ولا نضيف شيئا عن العملاء المزروعين فيمكن التعرف عليهم من لغتهم المتحجرة المستعبدة للإمبريالية ولعملائها في الشرق الكبير … نصيحتنا للتائهين لاتفركوا عيونكم سورية العروبة والمقاومة انتصرت بقيادة الرئيس بشار الأسد على الإمبريالية الأميركية في حربين مدمجتين ضمن حرب واحدة : الحرب بواسطة عصابات التكفير والإرهاب والغزو والاحتلال المباشر ويقينا إن بعض التوازنات في العالم المعاصر تملي نتائجها الفعلية دون الحاجة للمغامرة باختبارها في الميادين المشتعلة.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023