بقلم عمر حلمي الغول : أكرم_يهزم_أردوغان

بقلم عمر حلمي الغول : أكرم_يهزم_أردوغان

بقلم:  عمر حلمي الغول

بدا واضحا أن المشهد التركي يعيش مخاضا سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا وحزبي، كشفت معالمه الإنتخابات البلدية الأخيرة، التي تمت نهاية شهر أذار/ مارس الماضي (2019)، حيث تمكن مرشح المعارضة، أكرم إمام أوغلو من التفوق على ممثل الموالاة، وخاصة الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية، علي يلدريم، الأمر الذي شكل هزة أرضية بقوة 7 ريختر في أوساط الحزب الحاكم، وخاصة لدى الرئيس رجب طيب اردوغان، الذي كان سابقا رئيسا لبلدية إسطنبول، ويعرف أهميتها الإستراتيجية في الميزان التركي العام، ويعتبرها بيضة القبان، والعمود الفقري للنظام السياسي التركي. كما انه، هو القائل: أن من يكسب إسطنبول، يكسب السبق الإنتخابي، ويفوز بالحصان الرابح.

للإعتبارات الواردة أعلاه، تم الطعن في البداية بفوز مرشح المعارضة، وإدعى ممثلو حزب اردوغان وجود تزوير في العديد من الأحياء خاصة في مدينة إسطنبول، مما دعى لجنة الإنتخابات لإعادة فرز الصناديق فيها، غير ان النتيجة لم تتغير، وتم تثبيت فوز أكرم إمام أوغلو (48 عاما) على رئيس الوزراء والبرلمان السابق، وتولى رئاسة البلدية الأهم قرابة الثلاثة أسابيع.

لكن الرئيس التركي، الذي يعتقد ان هزيمة حزبه في المدن الرئيسية: إسطنبول، أنقرة العاصمة، أزمير وأنطاليا، وخاصة المدينة الأهم، إسطنبول التي يقدر إسهاما في الناتج القومي التركي 31,2% يشكل تهديدا لبرنانمجه، ولمشاريعه في فرض الهيمنة المطلقة على مؤسسات الحكم بمستوياتها المختلفة، مما دعاه وحزبه للجوء لإساليب غير ديمقراطية، ومتناقضة مع آليات العملية الإنتخابية لفرض خيار إعادتها، وهو ما نجح فيه، وتم تحديد موعد 23 حزيران/ يونيو القادم، هادفا من وراء ذلك إلى عزل مرشح المعارضة، والسعي لإستعادة زمام المبادرة في المدينة المفصل، كما فعل سابقا في إعادة الإنتخابات البرلمانية في حزيران/ يونيو عام 2015 عندما خسر الغالبية، فلجأ لأثارة زوبعة ما سمي آنذاك ب”الخطر الكردي”، ودعى لإنتخابات مبكرة في تشرين ثاني/ نوفمبر من العام ذاته، وحقق ما يريد بعد التلاعب في المشهد السياسي وصناديق الإقتراع على حد سواء.
التصرف اللاديمقراطي للسلطان العثماني الجديد لم يؤثر سلبا على مرشح المعارضة، والذي كان لإيام قليلة قبل الإنتخابات البلدية إسما غير ذات شأن في الشارع التركي، إلآ ان فوزه على ممثل حزب العدالة والتنمية، والطريقة غير المشروعة، والمخلة بالقيم والأخلاق، التي تعامل فيها الحزب الحاكم مع الشاب الجديد، أكرم إمام أوغلو، ضاعف من شعبيته في اوساط الجماهير التركية عموما، وبين المحافظين من المتدينيين المعتدلين والتجار، الذين وجدوا في شخصه ملاذهم، لانه تمكن من كسر شوكة حزب العدالة والتنمية في حصونه الرئيسية.

ومما زاد من شعبيته، رغم انه لم يتولى رئاسة البلدية سوى قرابة ال3 اسابيع، مبادرته الفورية لسن بعض القوانين لصالح الجماهير التركية عموما والمرأة والطفل خصوصا بالنسبة للمواصلات، وغيرها من الحوافز، وهو ما عكس مصداقيته في الربط بين برنامجه أثناء حملته الإنتخابية، وبين الترجمة الفعلية والفورية لها في ارض الواقع. أضف إلى ما تم الكشف عنه من الثغرات الكبيرة في عمليات الإسراف والتبذير المالي في عمل المجلس البلدي السابق، التي تتناقض مع مصلحة دافع الضرائب، والشفافية والنزاهة.

بقراءة موضوعية يمكن القول، ان مرشح المعارضة، أكرم إمام أوغلو، مَّثل بالنسبة للجماهير التركية عموما، وفي إسطنبول خصوصا روح التمرد على السياسات التسلطية، التي يقودها الرئيس التركي، اردوغان، وانه بما يملك من رؤى وأفكار يعكس طموح تلك الجماهير في الخروج من شرنقة حزب العدالة والتنمية، الذي تولى السلطة منذ مطلع القرن الجديد، ومازال حتى اللحظة يمسك بمقاليد الأمور، ويحتل مكانة الحزب الأكبر في البلاد، ولكن نتيجة إفتضاح سياساته الداخلية، والأزمة الأقتصادية، التي زادت من نسبة التضخم، وإنعكاس ذلك على قية الليرة التركية، بدأ يسير في خط بياني هابط، وأخذ نجمه يتجه ببطء نحو التراجع والإنكفاء، لا سيما وانه ضاعف من خصومه ومعارضيه، ليس بين الأكراد فقط، انما في الأوساط السياسية والإقتصادية والإجتماعية والدينية التركية، وايضا في العلاقة مع دول الإقليم والعالم.

من المؤكد ان الإنتخابات القادمة لبلدية إسطنبول ستكون معركة كسر عظم، وبغض النظر عمن سيربح فيها، فإن تركيا ربحت زعيما جديدا ومنافسا قويا لإردوغان وحزبه، وقد يكون زعيم تركيا مستقبلا.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023