بين القنابل الأمريكية والألغام الفرنسية…مآسي لا تنتهي

بين القنابل الأمريكية والألغام الفرنسية…مآسي لا تنتهي

بقلم فوزي حساينية-كاتب جزائري |

     كنتُ بصدد تصفح أرشيفي الرقمي عندما عثرتُ على خبر كانت يومية “لوفيغارو” الفرنسية الصادرة يوم 18 أوت2017 قد نشرته وهو خبر أسيف محزن مفادهُ أن ستة أشخاص قُتلوا في فيتنام منهم ثلاثة أطفال، وقد نجمت هذه المأساة المروعة عن انفجار قنبلة تعود إلى مخلفات القصف الأمريكي خلال الحرب على الشعب الفيتنامي، وأضافت الصحيفة وبالاستناد إلى المصادر الرسمية الفيتنامية، أنَّه ومنذ انتهاء الحرب في فيتنام سنة 1975، قُتل اثنان وأربعون ألف مواطن فيتنامي في حوادث مماثلة، وأُصيبَ بجروح وعاهات اثنان وستون ألف مواطن آخر، مع ملاحظة أن الولايات المتحدة الأمريكية ألقت على فيتنام خمسة عشر مليون طن من القنابل نصفها لا تزال مطمورة تحت الأرض، خاصة في وسط البلاد كما ذكرت ” لوفيغارو” في خبرها، مما يعني بداهة أن قائمة الضحايا الفيتناميين مرشحة للارتفاع، وأن سجل المآسي لم يحن أوان طيِّه بعد.

 وهذا الذي حدث ويحدث في فيتنام يذكرنا بلا ريب بما حدث ويحدثُ في بلادنا التي ترك فيها الإستدمار الفرنسي ملايين الألغام التي قتلت ولا تزال تقتل بين الحين والآخر، وتُصيب بالجروح والعاهات جزائريين أبرياء كثيرين.

 صحيح أن الوحدات المختصة في الجيش الوطني الشعبي قد نجحت في إزالة أكثر من ثمانية ملايين لغم، ولكن الخطر يبقى قائما، والمأساة قد ترتسم وتتجدد في أية لحظة من غدر الزمن، أعني الزمن المتخلف عن الواقع الإستدماري وممارساته الممقوتة، فكم من راع مع أغنامه فُجِعَ في ساقيه أو يديه ،وكم من شخص يستكشف جمال الطبيعة آمنا فإذا بالأرض تنفجرُ من تحته نارا وغضبا مميتا، وكم من أطفال أبرياء يلعبون في بهجة واطمئنان أصبحوا على حين غرة أشلاء ممزقة، أو بُترتْ بعض الأجزاء من أجسامهم الغضة بغير ذنب اقترفوه،وحتى الحيوانات لم تسلم من الموت والأذى الكامن هنا وهناك.    

وهكذا يكشف الإستدمار الأمريكي كما الإستدمار الفرنسي عن وجهه القبيح، ويأبى أن يكف عن حصد الأنفس، وإهلاك الناس حتى بعد مرور عشرات السنين على رحيله، لكنه كما تبين مع توالي الأيام رحيل ملغم في فيتنام بسبعة ملايين طن من القنابل التي لا تزال مطمورة تحت الأرض، وفي الجزائر بملايين الألغام المزروعة على طريقة الشيطان على إمتداد ألاف الكيلومترات المربعة من بلادنا الشاسعة، فاليت اليومية الفرنسية تتحدث عن الألغام التي خلفتها فرنسا في فيتنام وفي الجزائر، وما ترتب عن ذلك من موت وعذاب. 

وهنا لابد من توضيح أمر هام، فنحن نتحدث عن ضحايا القنابل والألغام، ولكن المؤكد أنه من المتعذر تماما على أي كان مهما أُوتِيَ من براعة في الوصف أن ينقل لنا معاناة إنسان فقد ساقيه أو يديه نتيجة وقوعه ضحية قنبلة أو لغم كان يتربص به وينتظره منذ سنوات.

بقي أن نقول:أن فرنسا فضلا عن ملايين الألغام التي زرعتها في التراب الجزائري، زرعت نوعا آخر من الألغام أكثر خفاء وأبعد غورا،وأشد إيلاما وأذى، ألغام زرعتها زرعا في القلوب والضمائر والعقول، يحتاج تفكيكها وإبطال مفعولها إلى جهد جهيد وبصر نافذ، علما وأن  عبد الحميد بن باديس كان قد فكك الكثير من هذه الألغام، وتقع على عاتقنا مسؤولية تفكيك ما تخلَّف منها …

                                                                          

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023