تحريك رقعة الشطرنج العظمى…بقلم مهدي مصطفى

تحريك رقعة الشطرنج العظمى…بقلم مهدي مصطفى

دول الإقليم العربي في مفترق تاريخي، عليها أن تفكر في أين سيكون موقعها على رقعة الشطرنج الجديدة؟ وكيف تستفيد من هذا المفترق النادر، وألا تكون ضمن فراغ القوة الذي صاغه بريجينسكي قبل ربع قرن؟

في كتابه «رقعة الشطرنج العظمى» يجعل بريجينسكي الشرق الأوسط هامشًا من هوامش البلقان الجديد، والبلقان القديم المنسوب إلى جبال البلقان الواقعة جنوب شرق أوروبا، ويضم عرقيات وألسنة متعددة، كان دائمًا مرجلًا يغلي بالصراعات الدينية والعرقية، ولهذا عاشت قومياته في ارتباك واضطراب، وساحة للتنشين لشتى أنواع الأسلحة على مدى قرون طويلة.

هل كان بريجينسكي يعني أن الشرق الأوسط بعد ربع قرن من كتابه سيصبح جزءًا من ثقافة الاصطدام البلقانية، وأنه سيقع ضمن فراغ القوة، كما حدث في البلقان، ووسط آسيا، ودول القوقاز؟ وهل هناك تشابه بين فراغ القوة، وبين الثراء الفادح في الثروات الطبيعية، خاصة في النفط والغاز، وأنه يجب أن ترتبط بشبكة واحدة تصب في الخزان الأمريكي الهائل مادامت هذه المناطق دون “قوة مانعة”؟

منذ صياغة هذا الكتاب المانيفستو، واجه الشرق الأوسط، وتحديدًا دول الإقليم العربي، عدة صدامات دموية، أبرزها معركة ما يسمى الربيع العربي، هذا إذا ما نظرنا إلى الانهيارات التي ضربت دول القوقاز، ودول وسط آسيا، ومن قبل دول وسط أوروبا أيضًا باسم الربيع!

الوصفة السحرية للعراب بريجينسكي وسعت من مفهوم «فراغ القوة»، والدعوة إلى عدم تمكين أى قوة منفردة من الأوراسيا، بما فيها أوروبا الواحدة، فهو يدعو إلى أوروبا واحدة بقيادة مشتركة من فرنسا وألمانيا، على ألا تكون صاحبة قرار مستقل، يجعلها تفكر في قيادة الأوراسيا ككتلة واحدة، فتصبح إمبراطورية، ومن وجهة نظره سيكون هذا خطرًا لا يقل عن خطر روسيا المهيمنة على الأوراسيا أو الصين العالمية، أو أي قوة أخرى طامحة في قيادة العالم، رغم أنه يقول إن الصين قوة إقليمية، وليست دولية، وإن اليابان قوة دولية وليست إقليمية.

إن توسيع مفهوم البلقنة عايشناه في العقد الماضي مع تصاعد أدخنة الربيع العربي، ونشاهده يومًا بعد آخر في النزاعات الأهلية التي تقع في عدد من دول الإقليم، ولا تزال النيران مشتعلة إلى الآن، مع اعترافه بين سطور كتابه بأنهم يجب أن يقفوا وراء تلك النيران دائمًا، حتى يمنعوا أي قوة تنفرد بقيادة العالم، مهما تكن هذه القوة قريبة من الولايات المتحدة الأمريكية.

من هنا أراد بريجينسكي أن يوسع من مفهوم هذا البلقان ليضم مساحة أوسع، أطلق عليها المرجل الإثني، ودعا من طرف خفي إلى أنه يجب أن تكون النار دائمة الاشتعال تحت هذا المرجل، إيذانًا بالعصر الأمريكي الدائم، القادر على توحيد الأوراسيا ضمن نسق فكري واقتصادي أمريكي لا يقبل الشراكة.

كمن يجلس في الظلام، ولا يرى، فإن بريجينسكي وضع رقعة الشطرنج على الطاولة، راح يلاعب نفسه، يحرك القطع كيف يشاء، يوغل في التاريخ، يقرأ سيناريو خياليًا عن الأمم والشعوب، يرتطم أحيانًا بمعضلات فكرية، يتجاوزها بتبرير يبدو منطقيًا.

حين يصل إلى الخاتمة، يقول بريجينسكي: «إن السيادة العالمية الأمريكية متميزة أو فريدة من نوعها في الحجم والطابع، فهي هيمنة، من نوع جديد، تعكس الكثير من ملامح النظام الديمقراطي الأمريكي الذي يتميز بكونه تعـدديًا، ومرنًا، وقابلًا للانتشار».

ويعترف بأن: «أمريكا هي الآن الحَكَم في أوراسيا، علمًا بأنه لا توجد قضية أوراسية رئيسة قابلة للحـل دون مشاركة أمريكا أو على نحو مضاد لمصالحها». لكنه يحذر من صعود أي قوة في الأوراسيا، فذلك من وجهة نظره سيكون بمثابة ثقب أسود في الحلم الأمريكي.

وبيقين يقول عن أمريكا إنها: “الحكم” الحالي للعالم الـذي يحمـل فـي الوقت الواهن عبء المسئولية عن استقرار العالم وسلامته، وإن النجاح الجيوإستراتيجى فى هذه القضية، سوف يمثل إرثـًا ملائمًا لدور أمريكا، بوصـفها القـوة العظمـى الحقيقيـة الأولـى، والوحيدة، والأخيرة.

لا شك أن بريجينسكى يضع نظريته تلك من أجل مصالح بلاده، ومن الواجب علينا أن تكون لدينا مصالح أيضًا، فإننا نستطيع أن نكون الكتلة الحرجة فى النظام المرتقب من خلال 14 مليون كيلومتر مربع، مساحة الإقليم العربي.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023