تطبيع العلاقات الجزائرية ـ المغربية.. ضرورة مغاربية ملحة…بقلم: د.حسن أبو طالب

التوتر التاريخى بين الجزائر والمغرب، البلدين العربين الشقيقين، يمثل حالة صادمة لكل من يؤمن بالوحدة العربية وبمصير العرب المشترك، وبضرورة التعاون والوقوف معا ضد التهديدات التى لا تفارق أمتنا، بل تجد فى فرقتنا وفى خلافاتنا ملاذا ومأمنا. وقبل عدة عقود، وتحديدا فى العام 1989 أعلن عن تشكيل مجلس التعاون المغاربى، الذى يجمع بين دول شمال إفريقيا الخمس العربية، وهى ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. كان الخبر آنذاك مبعث تساؤلات حول مدى إمكانية قيام تجمع رباعى يستهدف تعميق التعاون الإقليمى بين عدة دول عربية، تتشارك فى منطقة جغرافية واحدة، وتنطلق من منطلقات ميثاق جامعة الدول العربية ولكن تفرق بينها رؤى سياسية واقتصادية وإستراتيجية إزاء قضايا إقليمية ضاغطة على الكل بنفس القدر تقريبا.

آنذاك، فسر المتفائلون الأمر باعتبار أن التجمع المغاربى سيُعد آلية للتعاون الجماعى، وسيكون قادرا على التفرقة بين الاختلافات العابرة وبين الخلافات الجوهرية، وأن الأخيرة سوف تذوب تلقائيا، كلما تعمق أكثر وأكثر التعاون الجماعى. أما المتشائمون فقد رفضوا هذا المنطق، ونادوا بتسوية الاختلافات سواء بشأن الأمور العابرة أم تلك الموضوعية الكبرى، وذلك قبل أن تتوجه الدول الخمس إلى إنشاء كيان إقليمى فرعى تحت مظلة الجامعة العربية وميثاقها، الذى يسمح بمثل هذه الكيانات الجماعية الفرعية طالما أنها تصب فى تعزيز العمل العربى المشترك. 

من المهم تذكر هذا الجدل الفكرى / السياسى برغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على فورانه عربيا ومغاربيا. فالتطورات الجارية الآن، على الأقل تداعيات دعوة العاهل المغربى للجزائر بإنشاء آلية للحوار الثنائى من أجل تسوية القضايا المعلقة، والتى تحول دون تطبيع العلاقات بين البلدين، تطرح بدورها سجالا فكريا وسياسيا يبدو قريبا من ذلك السجال الذى مرّ عليه ثلاثة عقود، وكأن العالم والمنطقة والإقليم المحيط بدول المغرب ذاتها لم يتغير. وهنا يشعر المرء العروبى بشىء من الحزن، فالهموم المشتركة بين البلدان العربية على وجه العموم، وبلدان المغرب العربى على وجه الخصوص، هى واحدة فى تفاصيلها وفى تركيباتها وفى تحدياتها، ومن أبرزها الإرهاب العابر للحدود، والاختراقات الفكرية للهوية العربية والضروريات التنموية وحماية البيئة التى لا يمكن معالجتها، إلا فى إطار جماعى وتعاونى شفاف يحقق مصالح الجميع فى الآن ذاته، هذه وغيرها من القضايا التى تنتجها التطورات التقنية الهائلة فى مجال الاتصال والتصنيع والخدمات، تستدعى نظريا ومنطقيا، الإسراع فى النظر إلى الأمام بدلا من التخندق فى مشكلات الأمس.

كان العاهل المغربى محمد السادس فى خطابه يوم السادس من نوفمبر – قد اقترح على الجزائر تشكيل “آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور”، وحدد هدفها  فى “تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية التى تعوق تطور العلاقات بين البلدين، دون الحاجة إلى وسيط”، “وبهدف إزالة حالة الجمود التى تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين”. وهنا نلاحظ أهمية عبارة دون وسيط سواء دوليا أو إقليميا عربيا أم مغاربيا أم إفريقيا. إنها دعوة للحوار وجها لوجه، ولطرح جميع القضايا على طاولة الحوار.

بعض السياسيين المغاربة ألمحوا إلى أن أحد أهم أهداف المغرب، إلى جانب تسوية الخلافات، تكمن فى تطبيع العلاقة مع البلد والشعب الشقيق وفتح الحدود وتسهيل التبادل التجارى والسياحى. وهى الحدود التى أغلقت عام 1994.

الجزائر لم ترد رسميا على دعوة العاهل المغربى، لكنها دعت رسميا فى22 نوفمبر بالمشاركة مع تونس، دعت الأمين العام لاتحاد المغرب العربى لتنظيم اجتماع لمجلس وزراء الشئون الخارجية للاتحاد فى “أقرب الآجال”، ولم تحدد هدف الاجتماع. وهو ما اعتبره المغرب بمثابة رد غير مباشر على دعوة إنشاء آلية حوار ثنائية قوامها أن الجزائر تفضل أن تكون تسوية القضايا المعلقة فى إطار جماعى مغاربى وليس ثنائيا مباشرا. الأمر على هذا النحو يثير قضية كيف يمكن تفعيل التعاون الإقليمى المُجمد فعليا؟

من المهم الانتباه إلى أن فتح الحدود المغلقة يُعد مَطلبا شعبيا فى الآن ذاته، فالسكان الذين يعيشون على جانبى الحدود تضرروا كثيرا، لاسيما هؤلاء الذين ارتبطوا قديما من خلال الزيجات المختلطة، الذين فقدوا مورد رزقهم بعد إغلاق الحدود، وكان نشطاء من كلا الجانبين قد نظموا تظاهرة شعبية فى يوليو الماضى، أمام أحد المعابر الحدودية الذى يفصل بين مدينتى مغنية بالجزائر ووجدة بالمغرب، للمطالبة بإعادة فتح الحدود بين البلدين فى أسرع وقت ممكن. 

هذه الدعوات الشعبية  يفسرها مراقبون بأن مسعى المغرب لإنهاء هذا الوضع غير الطبيعى، يستهدف فتح الأسواق الجزائرية  أمام المنتجات المغربية التى ينتجها القطاع الخاص بالمشاركة مع شركات دولية، فى مجال السيارات والخدمات والصناعات الغذائية والملابس، وهو ما يتخوف منه القطاع العام فى الجزائر، فضلا عن التدفق السياحى. فى حين أن الرؤية الجزائرية تعتبر أن الأسواق الجزائرية محصنة أمام السلع ذات المنشأ الخارجى، وأن تقديرات العوائد فى مجال السياحة المتبادلة فى حال فتح الحدود، والتى تصل إلى نحو مليار دولار فيها الكثير من المبالغة، وغالبا سيعود جزؤها الأكبر إلى الجانب الآخر، وبالتالى فهى لا تمثل دافعا حالا يجب تفضيله على باقى الشروط المعروفة. 

وفى كل الدعوات السابقة التى طالبت بتطبيع العلاقات بين هذين البلدين الشقيقين، كانت الشروط الجزائرية الثلاثة موجودة. وكما قال عبد الحميد سى عفيف، رئيس اللجنة الخارجية، فى مجلس الشعب الجزائرى فى مارس الماضى ردا على دعوة مغربية مماثلة، بأن “الجزائر تريد حل مشكلة الحدود ولكن فى إطار شامل”، بمعنى عدم فصل فتح الحدود عن باقى المطالب الجزائرية الأخرى.

استمرار حالة التوتر المكتوم بين هذين البلدين الشقيقين ليس أمرا طبيعيا، وحين تتاح فرصة لحل أية قضية تمثل هما كبيرا لأحد الجانبين، فمن الأفضل أن يتم حلها عبر حوار بناء ومثمر، ثم اللجوء إلى تسوية ما يليها، وعندها يصبح التوتر أمرا من الماضى، ويصبح تفعيل التعاون المغاربى على أرضية المصالح المشتركة والنظر إلى المستقبل، هو الخيار الصحيح لكل الأطراف.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023