“تهم مكذوبة في شهادة مكتوبة”…بقلم محمد بن رقطان (شاعر وكاتب جزائري)

“تهم مكذوبة في شهادة مكتوبة”…بقلم محمد بن رقطان (شاعر وكاتب جزائري)

(الحلقة الأولى)
سبق لي أن سجلت شهادتي عن الزيارة التي قام بها المرحوم وزير التربية الأستاذ مصطفى لشرف لولاية قالمة يومي 08و09ماي سنة1978، وماتعرضت له من استفزازات ومضايقات إدارية، بوصفي-يومئذ-منسقا لقسمة جبهة التحرير الوطني للمدينة، ومفتشا للتعليم الابتدائي لدائرة قالمة، بتهمة الشروع في كتابة شعارات على لافتات قماشية، ستحمل في مظاهرة مناوئة لهذا الوزير، لحظة وصوله، وذكرت بعض الضغوط التي سلطت علي وعلى محافظ الولاية المرحوم-بإذن الله تعالى- محمد بوريشة، وردود فعلي عنها،
وذكرت الموقف الشامخ الذي اتخذه المجاهد الرمز محمد الصالح يحياوي المسؤول التنفيذي للحزب آنذاك-رحمه الله تعالى-وكيف طلب من الرئيس الراحل هواري بومدين أن يعاقب الوالي ورئيس الدائرة ومحافظ الشرطة الذين، أبلغوه بهذه التهمة المفبركة، وسلطوا الضغوط على مناضل وطني شريف، وقدتم بالفعل عزل هؤلاء المسؤولين الثلاثة، عقب تلك الزيارة مباشرة، ولا أريد أن أكرر كل ماذكرته في شهادتي السابقة، رغم أنني تحاشيت الخوض في بعض التفاصيل والجزئيات ذات الصلة، لأنني لاأملك عنها الدليل القاطع، ولم أكن أعلم أن وزير التربية مصطفى الأشرف، قد أدلى بشهادته على الزيارة التي قام بها إلى ولاية قالمة في 08ماي1978وخصص لها نحو سبع صفحات في كتابه الموسوم ب:(أعلام ومعالم) الصادر عن دار القصبة للنشر سنة2007من صفحة467الى473 وحين قرأ صديقي الأستاذ الدكتور إسماعيل سامعي شهادتي، أخبرني أن السيد وزير التربية مصطفى الأشرف تحدث بالتفصيل عن زيارته لقالمة، وروى ماشاهد بعينه من حشود غفيرة تحمل العصي والهراوات، حضرتموها لتهشيم رأسه، ولولا قوات الأمن التي تجندت بكثافة لقتل في هذه الزيارة كما يقول، فدهشت مما سمعت من البهتان، وقلت له: أرجوك أن ترسل إ لي هذه الصفحات حتى اطلع عليها، ولماأرسلها وقرأتها، أدركت أن المحن والأزمات- التي ابتلي بها وطننا الغالي-وقعت بسبب نخب لايراعون إلا ولا ذمة ولا أي شعور بالمسؤولية، في فبركة التهم، ونسج الأكاذيب، لتشويه الناس وتجريمهم بالإفك والبهتان، ومع حفظ تاريخ ونضال الرجل، ومقامه ومكانته الفكرية، والمناصب النوعية السامية التي تقلدها في حكومات وطني، أود ألفت نظر من اطلعوا على ماكتبه الأستاذ الأشرف عن هذه الزيارة إلى الملاحظات الآتية:
-ادعى الأشرف أن سبب مناوأة محمد الصالح يحياوي والأغلبية من مناضلي جبهة التحرير الوطني له، إنما كانت بسبب أفكاره الرائدة التي أنار بها أولياء التلاميذ والمجتمع حول إصلاح المنظومة التربوية، وضرورة إنقاذها من مخاطر تعريب ارتجالي أيديولجي يتبناه البعثيون والتيار المعرب الرجعي الجامد، ووقائع الميدان تثبت أن عقد سبعينيات القرن الماضي كان فترة نمو شامل للبلاد وتحسن ملحوظ للمدرسة الجزائرية، من حيث التنظيم والتأطير والتكوين، ورفع مستوى المعلم، وأدائه التربوي والمعرفي، وكان المديرون المركزيون في الوزارة من أكفإ المسيرين علما وتكوينا، وخبرة وأداء، وسلوكا وأخلاقا، والأمين العام لوزارة التربية، هو القامة الوطنية السامقة، نضالا وفكرا وخبرة، وتفتحا ورؤية استشرافية، المجاهد الرمز عبد الحميد مهري، وما أدراك ما عبد الحميد مهري!! ولكن مصطفى الأشرف استغنى عن هذه القامات والهامات والقدرات، ودليلي على نزعته الإيديولوجية أنه قام باقتراح إنهاء مهام 26إطارا ساميا في وزارة التربية معينين بمراسيم في عدد واحد من الجريدة الرسمية، ثم قام بتعويضهم بمفرنسين أيديولوجيين، أقل منهم علما وخبرة وبعد نظر، جلهم حتى لا أطلق الكلام على عواهنه، يلتقون معه في ازدراء خريجي الجامعات الشرقية من حملة الشهادات العليا، ويسمونهم بعثيين ودعاة الجمود والرجعية الظلامية، وأغلب من أسندت إليهم مسؤوليات حساسة في عهده من الأيديولوجيين أ نصار اللغة الفرنسية، المناوئين لتعريب التعليم والإدارة، وتمت ترقية الكثير منهم بالأقدمية، وليس بالشهادات العلمية.
-يخفي مصطفى الأشرف السبب الحقيقي الذي جعل مناضلي جبهة التحرير في ذلك الوقت يقفون ضد الأفكار الأيديولوجية التي حملهامقاله الذي نشره في الملحق الثقافي لجريدة لوموند الفرنسية، وليس في جريدة وطنية، وشن فيه هجوما شرسا على أنصار الأصالة والانتماء الحضاري العربي الإسلامي، وتعريب المحيط والإدارة ولغة التعليم، كماهو الشأن لكل الأمم المتمسكة بثوابتها التاريخية وانتمائها الحضاري، مع الانفتاح الواعي على تجارب الأمم ولغاتها وإنجازاتها العلمية والتكنولوجية ومجالات الحياة العديدة والمتنوعة، ولكن مصطفى الأشرف أختار أن يهاجم أنصار هذا التوجه من وسائل إعلام أخبث استعمار مارس في وطنه الإبادة والقمع والتنكيل، والتشريد والنفي والسجون والتعذيب الوحشي، وسلط على شعبه الفقر والجهل والمرض، ومنعه من تعلم لغته، لأنه اعتبرها أجنبية في عقر دارها، وبين أهليها، وحارب دينه، وطمس معالم حضارته، وحاول تغيير مجرى التاريخ، وبعد نضال مرير وتضحيات جسام، تقدر بمالايقل عن ستة ملايين من الشهداء الأبرار، يعلن-من كنا نعتبره رمزا محسوبا مع الأحرار الخمسة- هجوما شرسا على الوطنيين الذين قاوموا سياسة الفرنسة والاندماج والمسخ والفسخ، وعلى رأسهم العلامة المصلح المجدد الإمام عبد الحميد بن باديس، وجمعية العلماء الجزائريين المسلمين، وشيوخ الزوايا العلمية الوطنية، وخريجو الجامعات العريقة كالزيتونة والقرويين والأزهر الشريف، والمدارس الحرة، والكتاتيب القرآنية، فيقول عن هؤلاء جميعا بأنهم بعثيون رجعيون ظلاميون جامدون متحجرون، وذنبهم الوحيد هو مطالبة السلطة العليابإعادة البلاد إلى وضعها العادي الطبيعي، وأنهاء الوضع الشاذ.

(الحلقة الثانية)
-الأستاذ مصطفى الأشرف لم يشعر بتأنيب الضمير وتزييف الحقائق، عندما قام بإسقاط ماجرى في عقدتسعينيات القرن الماضي، من عنف وصراع دموي رهيب، من أجل الوصول إلى السلطةأوالبقاء فيها، على عقد سبعينيات القرن نفسه، لأن العوامل والأسباب التي أدت إلى العنف والصراع الدامي، في التسعينيات لم يكن لها وجود يذكر أو دوافع إلى التفكير فيها، حين تم تعيينه وزيرا للتربية في شهر أفريل سنة 1977 ، فقد كانت البلاد يومئذتنعم بالاستقرار والأمن، والاطمئنان على مستقبل الأجيال، بفعل سياسة الرئيس هواري بومدين التي سخر ت موارد البلاد للبناء والتشييد والتعمير، والتنمية والتحسين والترقية والتطوير، رغم ماشابها من نقائص فالكمال لله وحده، ولكن النية كانت صادقة، والإرادة قوية، والتوجه سليما، والقصد كان وطنيا خالصا، ولو تواصل ذلك الجهد بنفس الروح والعزيمة والإصرار، والوطنية الجياشة، لكانت الجزائر اليوم في مصاف نمور آسيا مثل ماليزيا وسنغافورا، أوكبعض الدول التي عرفت قفزة نوعية مدشهة في زمن يسير سأسبانيا وتركياعلى سبيل المثال لاالحصر، فالربط الذي قام به الأستاذ الأشرف بين عقد السبعينيات الذي يعتبر مرحلةازدهارللجزائر، وتألق وافتخار في نظر أغلبية الشعب، لما اتسم به من تنمية شاملة، وجهود جادة، وأفاق مستقبلية واعدة، أما عقد التسعينيات فقد كان مرحلة مشاكل وبطالة، وتدني القدرة الشرائية، وتوقف عجلة التنمية، وتخريب وتدمير العديد من المكاسب والمرافق الحيوية، وتدهور في السياسة والتسيير والأخلاق، بفعل الصراع الدموي على الحكم، فالربط بين عهدين ومرحلتين رغم المواصفات التي ذكرنا، ربط تعسفي مجاف للمنطق والموضوعية، وللواقع المعيش، وإني لأعجب من وزير يصرح بأنه جاء لينقذ المنظومة التربوية، بالفكر الحداثي النير، والمنهج العلمي المتطور، ويعطي لنفسه، حق الإساءة لمن يخالفونه في التوجه والرؤية، والفكر والرأي، ويشتمهم، ويطلق عليهم الأوصاف السوقية النابية، ثم يفبرك تهما من نسج الخيال ويرميهم بها وفكراللوبي الأيديولوجي الأفرنكوفيلي التغريبي-وهو واحد منهم- المتموقع في المناصب الحساسة هو السبب الحقيقي في هذه المشاكل، لأن أفكارهم مستوردة، تملى عليهم من الخارج، وولا ء بعضهم لفرنسا أكثر من ولائهم لوطنهم، وعندما يطبقون ماتمليه عليهم، تظهر تناقضات واختلالات ومشاكل.

(الحلقة الثالثة)
-إن مخطط التآمر على إفشال المجهود الوطني لتعميم استعمال اللغة العربية في المحيط، ومرافق الحياة اليومية للمواطن، بدأت تنسج خيوطه الرقيقة الناعمة مع بداية تأسيس الإدارة الجزائرية في النصف الثاني من سنة1962لأن المشرفين على تسييرهاكانت ثقافتهم فرنسية، ولايعرفون اللغة العربية، وبمرور الوقت تم ترسيخ هذاالوضع وتطبيعه، وفي السنوات الأولى من حكم الرئيس هواري بومدين رئيس مجلس الثورة، بد أ التفكير في إدخال اللغة العربية في التسيير الإ داري تدريجيا، مع المحافظة على الكفآت والإطارات المثقفة بالفرنسية، وتقرر تعريبها مرحليا، من خلال أجراءات إدارية، كربط الترقية في الوظيفة بإثبات المستوى التعليمي في اللغة العربية، وتخصيص حصص اسبوعية لتعلم اللغة العربية، وتنظيم امتحانات خاصة بإثبات المستوى، وتم التحايل على هذه التدابير الإجرائية، وإفراغها من محتواها ومقاصدها، بشتى الطرق وأساليب الكيد والمكر. وظلت هذه التدابير حبرا على ورق، وحتى امتحانات إثبات المستوى تم العبث بها، وتحصل من لايعرفون اللغة العربية، على شهادات إثبات المستوى الأول والثاني وهم لا يستطيعون قراءة جملةواحدة، وبمرور الوقت تم التخلي عن هذا الإجراء، وصارت اللغة الفرنسية عمليا هي لغة التعامل الرسمي في الجزائر من أبسط إدارة إلى مداولات مجلس الوزراء في رئاسة الجمهورية، وأمام استحكام هذا الوضع الشاذ، شكلت لجنة وطنية للتعريب، وشكلت لجان لها على مستوى الولايات وكنت أحد أعضاء لجنة ولاية قالمة، ووضع مخطط للتوعية والتحسيس وتعريب المحيط، ثم عقدت ندوة وطنية خاصة بالتعريب خلال سنة 1975 بقصر الأمم بنادي الصنوبر، ألقى في جلستها الافتتاحية الرئيس هواري بومدين خطابا هاما تحدث فيه عن الجهود التي بذلتها الثورة في مجال التعليم، والتصنيع، والفلاحة، والتنمية، ودعا إلى وضع خطة علمية متبصرة لتعميم استعمال اللغة العربية، بصفة منهجية متدرجة، وألح على بذل الجهود لتطوير اللغة العربية حتى تصير لغة الفرن العالي في مركب مصنع الحجارللحديد والصلب بولاية عنابة، واقترح إنشاء أكاديمية 19جوان للغة العربية، وعقب الجلسة الافتتاحية أقام حفل استقبال للمشاركين في هذه الندوة، ورأيت بعيني كيف التف حوله عدد من الرجال والنساء، واستمر في التحاور معهم مدة تقدر بنصف ساعةعلى أقل تقدير ثم انصرف، وأثناء عودتنا الى قاعة الجلسات سمعت من يقول: سبحان الله بدأ التآمر على هذه الندوة في البداية، لقد حذروه من المغامرة بالمصالح العليا للبلاد، ومن خطر الاندفاع وراء أ هواءدعاة الجمود والتحجر، هذا ماسمعته حرفيا، وكانت فترة المساء مخصصة لنقاش مفتوح، وانتهت الفترة الصباحية بالاستماع الى مداخلات بعض الوزراء للحديث عما تحقق من تعريب في دوائرهم الوزارية، وبعد رفع الجلسة الصباحية التقيت صديقي محمد الشبوكي صاحب رائعة:(جزائرنا يابلاد الجدود) فقال لي: ماذا استنتجت من مداخلة وزير الشؤون الدينية يابن رقطان؟! فقلت قدم لنا إنارة عن مجهود وزارته، فرد علي ضاحكا، وماذالديه حتى يتباهى بما عربه؟! والله لو فرنست الصلاة لرحلنا من هذه البلادقبل حلول صلاة الفجر!! قال ذلك على سبيل الفكاهةوالترويح فقط وليس من باب التقليل من جهود الوزير العملاق فكرا ووطنية المفكر مولود قاسم نايت بلقاسم، فقد كان يجله ويحترمه، ويفتخر بجهوده الكبيرة، وأعماله الجليلة، وبعد تناول وجبة الغداء عدنا إلى القاعة الكبرى وأخذ أعضاء المكتب المسير مواقعهم في المنصة، مازلت أذكر منهم الدكتور عبد القادر فضيل، والمجاهد الشاعر محمد الشبوكي، وقبل استئناف الأشغال، دخل علينا الرئيس هواري بومدين فجأة، وقام الحضور لتحيته، ولم يحضر معه منسق جهاز الحزب-كما كان يسمى-محمد الشريف مساعدية ولاأي وزير، وأخذ مكانه بين أعضاء المكتب المسير واستأنفت أشغال الفترة المسائية الخاصة بالنقاش، وكان الرئيس هو المسير الحقيقي للنقاش، ومن القامات التي تدخلت ومازلت أذكر أسماءها، الدكتور عبد الله شريط، والأستاذ عبد الحميد مهري، والدكتور علي بن محمد وآخرين نسيت أسماءهم، وكان الشيخ الطاهر حراث -لقبه سعدي- يجلس بجواري فرفع يده مرارا ولم يلتفت نحوه الرئيس بومدين، ففتح قفل مضخم الصوت، وضربه بإصبعه، فأحدث دويا فالتفت الرئيس، فرآه رافعا يده فقال: الكلمة للشيخ الطاهر حراث، فتناول الشيخ الطاهر الكلمة، ببيانه الرائع وفصاحته العالية، وشلاله اللغوي المتدفق، ومما قاله لبومدين: إن كل القرارات التي اتخذها في مجال تأميم البنوك والمناجم والمحروقات، وفي الصناعة والفلاحة، وديمقراطية التعليم، وفي الوقوف إلى جانب الشعوب المكافحة من أجل حق تقرير مصيرهاو استقلالها، كانت قرارات ومواقف ثورية شجاعة، لكن ماتم اتخاذه من تدابير وإجراءت في مجال تعريب المحيط والإدارة، كانت دون مستوى مواقفه الثورية الشجاعة المعهودة، وهو يتساءل عن هذه المفارقة المحيرة في سياسته ، وكان الرئيس بومدين، يصغي باهتمام شديد، ويبتسم، وأظنه كان يستمتع بالفصاحة الفذة والبيان العذب، والشلال اللغوي المتدفق كالزلال من فم الشيخ الطاهر حراث، وقد أجاب الرئيس بومدين على التساؤلات والانشغالات، وأبدى قدرة مدهشة على الإصغاء، وإدارة الحوار بسلاسة، واحترام الآراء المطروحة، وأعطى أجوبة مطمئنة لبعض التوجسات والتخوفات التي عبر عنها بعض المتدخلين، ولكننا استنتجنا من حضوره المفاجئي، وإشرافه على جلسة النقاش، أن بعض الفرنكوفيل المقربين منه، هولوا له الأمر، وحذروه من عواقب ومخاطر هذه الندوة، ولذلك لم يكن للتوصيات واللوائح المنبثقة عنها، أثر ملموس في تعريب الإدارة رغم الجهود المعتبرة المبذولة التي ظلت تراوح مكانها، ولعل الموقف الغريب في أواخر سنوات حكم بومدين، بعد انتخابه رئيسا للجمهورية خلال شهر ديسمبر1976أن الحكومة التي شكلها في شهر أفريل سنة1977 أسند فيها حقائب وزارات سيادية أساسية لثلاثة شخصيات من جيل واحد، وتوجه فكري وثقافي واحد، ونزعة أيديولوجية تغريبة واضحة للعيان، فعين مصطفى الأشرف وزيرا للتربية بدل الوزير الوطني عبد الكريم بن محمود، وعين عبد اللطيف رحال وزيرا للتعليم العالي بدل القامة النضالية الوطنية الثورية السامقة محمد الصديق بن يحي، وعين رضا مالك وزيرا للثقافة والإعلام بدل نجل العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي الدكتور أحمد طالب، رئيس اتحاد الطلبة الجزائريين، والوجه السجين خلال سنوات الثورة، والقامة العلمية الفكرية الشامخة، وقد ظل هذا التساؤل المحير الذي صدر عن بومدين يؤرقني ولم أجد له إلى حد الآن الجواب المطمئن.

(الحلقة الرابعة)
قلت في نهاية الحلقة الثالثة من هذا المقال، إن إسناد الرئيس هواري بومدين رحمه الله تعالى، وزارات التربية، والتعليم العالي، والثقافة والإعلام، رغم قيمتها السيادية وحساسيتها إلى ثلاثة رجال لهم توجه ثقافي أيديولوجي تغريبي، ظل يؤرقني لأنه كان مناقضا لتوجهه العربي الإسلامي الذي مافتئ يعتز به منذ تولى قيادة البلاد في 19جوان 1965، وبرهن عمليا على التمكين التدريجي له من خلال ديموقراطية التعليم، وأمرية16أفريل1976الخاصة بالمدرسة الأساسية، وتنظيم ملتقات الفكر الإسلامي التي يشارك فيها علماء الأمة من كل المذاهب، ويحضرها بعض المستشرقين، ويمارس فيها الحوار والتعبير عن الرأي بكل حرية وشفافية، ومن خلال إعلان الرئيس هواري بومدين ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بمسجد الفاتح العظيم عقبة بن نافع بمدينة القيروان خلال زيارة رسمية لتونس الشقيقة، عن إنشاء جامعة الأمير عبد القادر بمدينة قسنطينة لتكون للجزائر مثل جامعة الزيتونة بتونس، وجامعة الأزهر الشريف بمصر، وجامعة القرويين بالمغرب، وبناء ألف مسجد في ألف قرية ريفية ، وتخصيص منح شهرية لمعلمي القرآن الكريم، وكل خطبه وحواراته، ومواقفه المعلنة، كان يؤكد فيها على العمق الروحي الراسخ في الجزائر، وعلى الانتماء الحضاري العربي الإسلامي لشعبها. وحتى مشروع الميثاق الوطني الذي قدمه لمختلف النخب والشرائح الشعبية لتناقشه وتثريه بحرية مطلقة غير مسبوقة في العالم العربي، تم التأكيد فيه على المرجعية الروحية لديننا الحنيف الذي تحصن به شعبنا المقاوم عبر مراحل تايخه الطويل، فحماه من المسخ والفسخ والطمس والذوبان، فكيف يصدر هذا الموقف المناصر للاتجاه التغريبي من رجل برهن مرارا وتكرارا في سياسته ومواقفه وخطبه على التمسك القوي بالثوابت والانتماء الحضاري العربي الإسلامي الراسخ في حياة الشعب الجزائري؟!، وكان رحمه الله تعالى لا يتكلم إلا باللغة العربية في خطبه، وحواراته داخل الوطن وخارجه، وحتى مع الأجانب، كان يستعمل ترجمانا ينقل كلامه إلى لغة مخاطبيه، مع أنه كان يتقن اللغة الفرنسية ولايتواصل بها معهم.
ولذلك طرحت هذا التساؤل الذي ظل يؤرقني منذ سنوات-ولم أجد له الجواب المقنع- على الدكتور محي الدين عميمور في ندوة احتضنتها بلدية تحمل اسم هواري بومدين بولاية قالمة في إحدى ذكريات وفاته، فقال لي: إن إسناد تلك الوزارات إلى الشخصيات التي ذكرتها، يكون قد تم في إطار عملية تسوية، بين أعضاء مجلس الثورة أو لضغوط تكون قد مورست عليه من أطراف مؤثرة من مقربيه، ومع ميلي لهذا الرأي إلى أنني لم اقتنع بهذا الجواب، ومازال التساؤل المحير يؤرقني إلى حد الساعة!
لأن الميثاق الوطني أقر مبدأ توحيد التعليم، وتعزيز مادة التربية الإسلامية في كل مراحله، ولما تسلم الأشرف حقيبة التربية، ألغى التعليم الأ صلي الذي كان تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية والتعليم الأصلي، وألغى المدارس الحرة، ولم تتم عملية تعزيز مادة التربية الإسلاميةفي أية مرحلة من أطوار التعليم الثلاثة، وقام بإعلان الحرب على ما أسماه بالتعريب الارتجالي الأيديولوجي للتعليم، وشن هجوما شرسا على أعمدة عدة جرائد وطنية، وإحدى كبريات الجرائد الفرنسية على من اسماهم البعثيين، وعلى المتعاونين العرب الذين جاؤوا ضمن بعثات تعليمية بطلب من الدولة الجزائرية، وعلى المعربين الظلاميين الرجعيين الجامدين المتحجرين، كما وصفهم بهتانا وزورا وظلما، وأنالا أظن أن كل ما قام به الأشرف كان مجرد اجتهاد منه؟! ومادمت لا أملك المعطيات والخلفيات التي جعلت الرئيس هواري بومدين يعينه، ثم يسكت عما قام به، من حملة عدائية سافرة، ضد تعريب التعليم، والوطنيين الأصلاء الشرفاء المتمسكين بالثوابت المكرسة في العقيدة والتاريخ والانتماء الحضاري، ومشروع المجتمع المسجل بأحرف من إعجاز ونور، في بيان ثورةأول نوفمبر1954، فإنني أترك السؤال مطروحا لمن يهمه الأمر مادمت لا أعرف جوابه.

(الحلقة الخامسة)
أشرت في نهاية الحلقة الرابعة إلى ما صدر عن وزير التربية مصطفى الأشرف من تصريحات صحفية تتضمن تهماظالمة مكذوبة للمعربين، ونزعة عدائية سافرة لتعريب التعليم، وإعادة النظر في بعض ماتحقق من خطوات ملموسة، حققتها السياسة المنتهجة، والجهود الوطنية المبذولة، والإصلاحات التربوية المنهجية المتدرجة، وكرستها أمرية 16أفريل1976التي وقعها الرئيس هواري بومدين، وصدرت في الجريدة الرسمية، وأصبحت وثيقة مرجعية ملزمة، وسنذكر كيف تم تجاوز هذه الأمرية الرئاسية قبل أن يجف حبرها بقرارات أصدرها مديرون مركزيون في وزارة التربية، بأمرمن الوزير مصطفى الأشرف الذي مهد لهذا التراجع بسلسلة من التصريحات العدائية للتعريب الذي نعته بالأيديولجي الارتجالي التافه، وللغة العربية التي وصفها بالعجز والتخلف، وللمعربين الذين سماهم بعثيين، ورجعيين ظلاميين جامدين، وطالب بالانطلاق من الصفر في إعادة إصلاح المنظومة التربويه، وطرح هذه الأفكار والتوجهات المناقضة لمشروع ثورة نوفمبر، ولسياسة وتوجهات ومواقف الرئيس هواري بومدين، وقد أدلى مصطفى الأشرف بعدة تصريحات للجرائد الآتية:
01-نشر ثلاثة مقالات في جريدة المجاهد الناطقة باللغة الفرنسية الصادرة في أيام09و10و11من شهر أوت سنة1977وقام بترجمتها إلى اللغة العربية، الأستاذ حنفي بن عيسى وأعيد نشرها في جريدة الشعب، والجمهورية، والنصر الصادرة أيام 10و11و12من شهرسبتمبر سنة1977، ثم نشرت هذه المقالات الثلاثة معا، في مجلة الثقافة التي كانت تصدرها وزارة الإعلام والثقافة مرة كل شهرين، في عددها رقم41الخاص بأكتوبر ونوفمبر 1977
02-عبر عن توجهاته التغريبية في استجواب أجرته معه مجلة الثورة الإفريقية في العدد رقم: 709للفترةمابين: 21و27 من شهر سبتمبر.1977.

03-في استجواب أجرته معه مجلة الوحدة لسان حال الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائريةفي العدد رقم: 37الصادر يوم 10نوفمبرسنة1977.
04-في استجواب أجراه معه الصحفي الفرنسي: (بول بالتا) مراسل جريدة “لوموند” نشر في مجلة”عالم التربية”بالعددرقم: 34خلال شهر ديسمبر1977وهذا هو التصريح الذي أثار موجة من الاستنكار والغضب داخل الرأي العام الوطني، ولدى النخب المتمسكة بثوابت الأمة، والانتماء الحضاري، ومشروع المجتمع كما جاء في بيان أول نفمبر1954، وقد كتب ا الفيلسوف الموسوعي الدكتور عبد الله شريط ردا مطولا فند فيه تهم وزير التربية مصطفى الأشرف، وتخرصاته، وكشف مغالطاته وتضليله للرأي العام وقيادة البلاد، وفضح نزعته الفكرية التغريبية الأيديولوجية، المعادية للتعريب بمفهومه الحضاري التقدمي المواكب لمقتضيات العصر والصيرورة التاريخية، وأمام اتساع موجة الغضب الوطني المتصاعد على تصريحات هذا الوزير، وجه المجلس الشعبي الوطني برئاسة الرمز التاريخي السامق المجاهد رابح بيطاط استفسارا الى وزير التربية، لكنه-حسب ماسمعت- لم يرد عليه، وقام الرئيس هواري بومدين بزيارة لمقر المجلس الشعبي الوطني التقى برئيسه بحضور نوابه، وقال لهم: جئت لنتبادل الآراء والأفكار حول راهن البلاد وآفاق المستقبل، في جلسة حوار مفتوح مع رفقاء الأمس في ثورة التحرير واليوم في معركة البناء والتشييد والتعمير، وخلا ل هذه الجلسة طرحت العديد من الانشغالات من بينها أفكار وزير التربية الاستفزازية، وأخبرهم بومدين بأنه بعد أن عينه وزيرا للتربية طلب منه الإذن في التعبير عن آرائه وأفكاره الوطنية المفيدة للتربية والمجتمع فقال له:إن المجال مفتوح لكل التصورات والأفكار البناءة المفيدة للوطن، وأخبرهم أن اللغة العربية، وتعريب التعليم، والانتماء الحضاري العربي الإسلامي لشعبنا، من القضايا الجوهرية والمرتكزات الأساسية للدولة حظيت بالأولوية في السياسة المنتهجة منذ تصحيح 19جوان سنة 1965وهذه المتكزات من صلاحيات الدولة ومؤسساتها حصرا، ولا تتأثر إطلاقا بالآراء الفردية التي لا تلزم إلا أصحابها، هذا مارواه لي ذات يوم المجاهد الرمز عبد الله نواورية نائب المجاهد الرمز التاريخي رابح بيطاط، رئيس المجلس الشعبي الوطني يومئذ، وكان حاضرا في هذه الجلسة، ولمن لايعرف عبدالله نواورية أفيده باختصار بأنه أحد مفجري ثورة نوفمبر الميدانيين، شارك في التحضير لها مع باجي مختار في قالمة، وسوق أهراس، وواكب كل مراحلها في جيش التحرير الوطني إلى عهد الاستقلال، واستمر في الجيش الوطني الشعبي، إلى أن غادره برتبة رائد، ثم أسندت له مهام سياسية في قيادة الجهاز المركزي للحزب، ثم انتخب عضوا في المجلس الشعبي الوطني، ثلاث عهدات متتاليات عن ولاية قالمة، وظل نائبا لرئيس المجلس الشعبي الوطني، وعضوا باللجنة المركزية للحزب إلى أن لبى نداء ربه، أعتذر عن هذا الاستطراد وأعود إلى الحديث عن زيارة الوزير مصطفى الأشرف إلى ولاية قالمة التي كنت شاهد عيان عليها، واتهمت بتحضير مظاهرة ضده، بوصفي يمئذ منسقا لقسمة جبهة التحرير لبلدية قالمة، ومفتشا للتعليم الابتدائي على مستوى الدائرة، وقد تركتها قصدا لتكون هي الأخيرة في هذه الشهادة التي أدلي بها بعد مضي نحو 44سنة على وقوعها، ولم يكن في نيتي أن أتحدث عنها، لولا الشهادة التي طلبها مني صديقي الكاتب القدير الأستاذ الطاهر يحياوي عما أعرفه عن المجاهد الرمز العقيد محمد الصالح يحياوي، أحد أبطال الولاية التاريخية الأولى-الأوراس-خلال ثورة نوفمبر، ومن كبار المعطوبين، وعضو مجلس الثورة، وقائد أكاديمية شرشال، والمسؤول التنفيذي للحزب ليضيفها إ لى ديوان الشهيد الحي في طبعته الثانية، ولما كتبت هذه الشهادة وأرسلتها إليه في الميسنجر، أطلع عليها صديقي الأستاذ الدكتور إسماعيل سامعي، فاتصل بي وأخبرني أن وزير التربية مصطفى الأشرف تحدث في عدة صفحات من كتاب له عن زياته لقالمة في 08ماي 1978 وعن المظاهرة التي أعدت ضده وقال: بأنه رأى الحشود الغفيرة جاءت تحمل العصي والهراوات لتهشم رأسه، ولولا يقظة وتجند رجال الأمن الذين حموه لقتل أثناء هذه الزياة!! فطلبت منه أن يرسل إلي الصفحات التي خصصها لزياة قالمة فأرسلها إلي، ولما قرات ما جاء في كتابه الموسوم ب:(أعلام ومعالم) الصادر عن دار القصبة للنشر سنة 2007 عن هذه الزيارة من بهتان وإفك وزور، رأيت أن أدلي بشهادتي هذه، رغم المدة الزمنية الطويلة التي مرت عليها، لأن الذين يطلعون على مارواه في شهادته يصدقون ما قاله، وقد يتعاطفون معه، ولذا رأيت من الأنسب أن يطلعوا على الجزء المغيب فيما جرى خلال هذه الزيارة ولو جاء متأخرا؛ خير من عدم ذكره أصلا، وبعض شهوده لا يزالون أحياء يرزقون، وذلك مأساتنا وله في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

(الحلقة السادسة)
قبل أن أتطرق لزياة وزير التربية المرحوم مصطفى الأشرف إلى ما كتب عن زياته لولاية قالمة يومي08و09ماي سنة1978 في زيارة رسمية طابعها تفقدي لقطاعه، وباطنها سياسوي انفعالي، متولد عن جو مشحون بموجة استنكار وغضب، من تصريحاته الصحفية العديدة التي أبدى فيها نزعة عدائية لماتم من تعريب في التعليم، وللغة العربية، وللمعربين، ولما رافق هذه الحملة الهجومية المسعورة من تراجع عن بعض المكاسب الملموسة في تعميم استعمال اللغة العربية، عبر مراحل التعليم، وفق خطة منهجية مرحلية درسها مجلس الوزراء وصادق عليها بتاريخ 24جوان سنة 1971ووقعها الرئيس هواري بومدين، وأكدتها بعد ذلك أمرية16أفريل1976وأحب أن أفيد القراء الكرام الذين لم يعيشوا تلك المرحلة ببعض القرارات التي اتخذها وزير التربية مصطفى الأشرف فيما يتعلق بالتراجع عن تعريب التعليم، وأخص على سبيل المثال لا الحصر القرارات الآتية:
1-التراجع عن تكوين المعلمين وأساتذة التعليم المتوسط باللغة العربية، في المعاهد التكنولوجية التابعة لوزارة التربية، فبعد نحو ثلاثة أشهر من تعيينه وزيرا للتربية، أصدر منشورا بتوقيعه مؤرخا في24جويلة1977ينص على إعادة النظر في عملية تكوين معلمي الطور الابتدائي وأساتذة التعليم المتوسط باللغة العربية، عبر المعاهد التكنولوجية التربوية، وبعد مرور خمسة أشهر ونيف على هذا المنشور الذي أصدره الوزير نفسه، صدر منشور تنفيذي بتوقيع الأمين العام الجديد للوزارة، تحت رقم:78/01بتاريخ 1978/01/12ينص على تقسيم المترشحين للالتحاق بمعاهد التكوين بين الشعب المعربة والشعب المفرنسة التي سبق تعريبها، وترك الأمر لمفتشي الأكاديميات كما كانت تسمي يومئذ، أن يكونوا معلمي اللغة الفرنسية للطور الابتدائي حسب حاجات كل ولاية، وتم النص في هذا المنشور صراحة على أن يكون تكوين معلمي المرحلة الابتدائية باللغة الفرنسية من غير تقييد للعدد، حتى يكون عدد معلمي الفرنسية الزائد عن الحاجة عامل عرقلة امام توسيع رقعة التعريب، كمانص على تكوين معلمي هذا الطور باللغة العربية أيضا، واتخذت الوزارة إجراءات استعجالية، لإعادة تقسيم المترشحين المقبولين لموسم تلك السنة الدراسية، حسب شعب معربة، وأخرى مفرنسة بالنسبة للتعليم الابتدائي والمتوسط، وأعيد تقسيم الحجم الساعي، وبذلت جهود كبيرة للبحث عن الأساتذة الذين يدرسون بالفرنسية الاختصاصات التي تم تعريبها، كمادة الفيزياء، وعلوم الطبيعة والحياة، والرياضيات،
2-التراجع عن تعريب الشعب الأدبية في السنة الأولى ثانوي.
فعملا بقرارات مجلس الوزراء المؤرخ في 24جوان1971 تقرر تعريب ثلث السنة الأولى ابتدائي، وثلث السنة الأولى متوسط، وتم توجيه التلاميذ المنتقلين من التعليم المتوسط إلى السنة الاولى ثانوي، حسب نتائجهم إلى أربع شعب: شعبة أدبية، وشعبة علمية، وشعبة الرياضيات، وشعبة تقنية، ونصت تلك الإجراءات السالفة الذكر على تعريب ثلث الشعب الثلاث- العلمية- الرياضيات-التقنية- أما الشعبة الأدبية فإنها تعرب بكاملها، فليس من المعقول، أن تفتح أقسام في مرحلة التعليم الثانوي لتدريس الأدب الفرنسي أو غيره بلغة أجنبية، وأقسام أخرى تدرس الأدب القومي باللغة العربية، ولكن طلبة الشعب الأدبية يدرسون الآداب الأجنبية بلغتهم الوطنية ويستمرون في تعلم الفرنسية كلغة أجنبية إجبارية، مع لغة ثالثة يقع اختيارها إما الأنجليزية أو الأسبانية أو الألمانية حسب الأساتذة الموجودين، ولكن الأمين العام لوزارة التربية، الجديد الذي اختار مصطفى الأشرف، فاجأنا بإصدار منشور تحت رقم: 2413/19بتاريخ1978/01/17ينص على أن المواد العلمية في الشعب الأدبية، يتم تدريسها باللغة الفرنسية، لكل التلاميذ الذين درسوا بالأقسام المزدوجة في السنة الرابعة متوسط، وهذا الأجراء يرمي بداهة إلى تكوين أقسام مزدوجة في التعليم الثانوي، بعد أن بدأ قطاع التعليم يتخلص من ظاهرة تقسيم أبنائنا إلى معربين ومزدوجين؛ ولا أقول مفرنسين، لأن دعاة الشرخ والتقسيم هم حماة الفرنسة الذين خدموا فرنسا ولغتها، ونفوذها، وأهدافها السياسية، على حساب المصالح العليا لوطنهم وشعبهم، فصاروا بهذا الولاء الأعمى طابورها الخامس، ولا أحب أن أعمم هذا الحكم، لأنه يوجد من بين المثقفين باللغة، الفرنسية وطنيين شرفاء أحرارا غيورين على دينهم ولغتهم، وتاريخهم، وانتمائهم الحضاري. وخصوصية أمتهم، وشخصيتها المتميزة.

لقد نص الميثاق الوطني الصادر سنة1976على توحيد التعليم، وتعزيز التربية الدينية في كل أطواره ومراحله، ولكن وزير التربية مصطفى الأشرف قام بدمج التعليم الأصلي الذي كان تحت إشراف وزارة التعليم الأصلي. والشؤون الدينية، بشكل استعجالي ارتجالي اتسم، بالتصرف الانتقامي انعكست آثاره السلبية على آلاف المتمدرسين في هذا التعليم، بسبب عدم منحهم فترة انتقالية، تمكنهم من التكيف مع برامج التعليم العام، من حيث المنهاج، والمواد المقررة، وأساليب وطرق التدريس التي تعودوا عليها في مؤسساتهم 04-الغاء بكالوريا التعليم الأصلي التي تنظمها وزارةالتعليم الأصلي والشؤون الدينية، بمجردمنشورصدر عن مدير التعليم الثانوي تحت رقم: 23بتاريخ1977/12/19جاء فيه حرفيا :(لقدتقرر على إثر توحيد نظامنا التعليمي، إلغاء امتحان البكالوريا، الذي كانت تنظمه وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينيةسابقا، وبناء على ذلك فإن جميع المرشحين مهما كانت المؤسسة التي يتابعون بها دراستهم، سيواجهون في شهر جوان1978امتحاناواحدالنيل شهادة البكالورياوهذا تصرف مرفوض، لايمكن أن يصدر عن وزير كنا نحسبه قامة سامقة. 05-توحيد التعليم، دون عملية تحسيس، أولياء التلاميذ، وأسرةالتربية، وتهيئة الأجواء، بمجرد منشور صادر باللغة الفرنسية تحت رقم: 002413بتاريخ1978/01/17تم النص فيه على ما يلي:
ويتوحد تعليمنا ابتداء من العام القادم، في مستوى السنة الأولى الثانوية، ويمنح حسب مواقيت وبرامج وزارة التربية، ومن هنا تلغى المواد التي هي خاصة بالتعليم الأصلي سابقا في السنة الأولى الثانوية
06-إعادة النظر في إجراءات توجيه التلاميذ، بمنشور تحت رقم: 11مؤرخ في: 1978/01/16بتوقيع مدير التعليم الأساسي، يؤكد على أن التوجيه يجب أن يتم حسب النسبة المحددة بالثلث للأقسام المعربة، والثلثين للأقسام المزدوجة، وتجدر الملاحظة إلى أن شهادة البكالوريا التي كانت تنظمها وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية انشئت بمرسوم رئاسي يحمل رقم: 28/71صدر في العدد رقم: 40من الجريدة الرسمية سنة1971وكان من المفروض أن يتم إلغاء هذا المرسوم الرئاسي بمرسوم رئاسي مماثل، ولكن الذ ي ألغى شهادة البكالوريا والمرسوم المنشئ لها، هو مجرد منشور صادر عن مدير التعليم الثانوي بأمر من الوزير مصطفى الأشرف، ويتحدث عن التيار المعرب الجامد البعثي الذي يؤسس لتعريب أيديولجي تافه، يهدد أسس وأركان الدولة، ولما بلغت موجة السخط والغضب والاستنكار، اوجها، بسبب هجماته العدائية الشرسة على المدرسة، والتعريب واللغة العربية، والتيار الوطني المدافع عن ثوابت الأمة ومشروع المجتمع كما جاء في بيان ثورة نوفمبر العظيمة، وارتفعت الأصوات المنددة به في وسائل الإعلام، ودا خل هيئات جبهة التحرير الوطني، وكتب المسؤول التنفيذي لجهاز الحزب المجاهد محمد الصالح يحياوي تقريرا مفصلا عما يقوم به الأ شرف من تراجع عن الكاسب التي حققها التعريب على مستوى التعليم، وتحرك في هذا الاتجاه المجلس الشعبي الوطني أيضا كما ذكرنا سابقا، في هذا الجو المتوتر قرر مصطفى الأشرف القيام بزيارة إلى ولاية قالمة، ليرد منها على خصومه، وهذا هو الجزء الأخير من هذه الحلقة، رأيت إرجاءه إلى حلقة أخرى.

أكاذيب المرحوم مصطفى لشرف على قالمة ومناضليها:
بعد تعيين مصطفى لشرف وزيرا للتربية في شهر أفريل سنة1977 وقبل أن يتعرف على القطاع الذي عين على رأس دائرته الوزارية، وما بذلت فيه من جهود جبارة في مجال بناء المؤسسات التربوية، وتكوين المعلمين، وتوفير التأطير ، والجزأرة، وتأليف الكتاب المدرسي، وتحسين الأداء، ورفع المستوى العلمي والبيداغوجي للمعلم، والمحصول التربوي والمعرفي للتلميذ والسعي الدؤوب لبناء مدرسة جزائرية أصيلة ومتفتحة على معطيات عصرها، وما يشهده من تطور سريع في مختلف مجالات الحياة قبل أن يجري تقييما موضوعيا رصينا لما تم انجازه، ولما يجب التفكير في النهوض به شرع في الإدلاء بالعديد من التصريحات للجرائد التي ذكرتها سابقا، شن فيها هجوما عنيفا على ماتم تعريبه في التعليم الذي وصفه بالتعريب الأيديولجي التافه أشرف عليه المعربون الهرمون الرجعيون الظلاميون والبعثيون كما وصفهم بهذه الأوصاف تجنيا وبهتانا، وكأنه قدم بمشروع مضاد لماتم تحقيقه من بدايةالاستقلال إلى غاية تسلمه حقيبة التربية، فاستغربت الأسرة التربوية والتيار الوطني الأصيل، منه محتوى هذه التصريحات والتوجهات التغريبية التي عبرعنها وشرع في تطبيقها كما وضحنا ذلك سلفا، وفي هذا الجو المشحون قرر أن يقوم بزيارة إلى ولاية قالمة يومي 08و09ماي1978بهدف استغلال رمزية ذكرى 08ماي 1945
في ولاية مسقط رأس الرئيس هواري بومدين للرد على خصومه ومناوئيه، سواء الذين ردوا عليه كتابيا مثل الدكتور عبد الله شريط الذي كتب ردا طويلا نشرته جريدة الشعب في عدة حلقات، ومقالات أخرى لعدد من الكتاب والمثقفين، ومواقف وتنديدات هيئات حزبية، وكنت في ذلك الوقت مفتشا للتعليم الابتدائي على مستوى دائرة قالمة، ومنسقا لقسمة جبهة التحرير لبلدية قالمة، فاستدعاني المحافظ الوطني للحزب المرحوم محمد بوريشة صبيحة يوم 05ماي1978وأخبرني أن وزير التربية مصطفى لشرف سيقوم بزياة تفقدية لولاية قالمة يوم 08 وطلب إلي عدم الذهاب إلى مراسم استقباله عندما يحل بمدينة قالمة، وأنه طلب من مسؤولي الحزب والمنظمات الجماهيرية، عدم الحضور أيضا في أي بلدية يزورها، وأمرني بعقد جمعية العامة لمناضلي بلدية قالمة مسا ءيوم08ماي للمصادقة على لائحة تنديد بمحتوى تصريحات وزير التربية وتراجعه عن بعض ما تحقق من المكاسب في تعريب التعليم، فقمت، بكتابة وسحب الدعوة، على الساعة 18مساء من اليوم أعلاه، ووزعتها على مسؤولي الخلايا لتسليمها إلى المناضلين، وسجلت فيها أن جدول العمل يتضمن دراسة قضايا نظامية، دون البوح بالموضوع الحقيقي للاجتماع، وفي مساء يوم 06 اتصل بي رئيس المجلس الشعبي البلدي المجاهد المرحوم السعدي بونار، وأخبرني بأنه قادم لزيارتي، ولما زارني أخبرني أن أحد رجال المخابرات التابعة للشرطة جاءه مستفسرا عما إذا كان لديه علم بمظاهرة يقوم منسق القسمة بتحضيرها ضد وزير التربية، وأنه أعد شعارات مناوئة للوزير، وكلف بعض المناضلين الخطاطين بكتابتها، لتحمل في هذه المظاهرة التي سيواجه بها الوزير أثناء وصوله مدينة قالمة، وقد رد عليه بأنه لاعلم له بهذا الخبر على الإطلاق، فنفيت لمحدثي هذه المعلومة، وأوصاني بالحيطة والحذر، وفي مساء يوم 07ماي استدعى والي الولاية لجنة الأمن بحضور المحافظ الوطني للحزب، وأعلمهم أن منسق القسمة يقوم بتحضير مظاهرة ترفع فيها شعارات ضد وزير التربية، وأنه أشعر وزير الداخلية، وتلقى أمرا بحماية الوزير ممثل الحكومة من أي استفزاز، وبعد انتهاء جلسة لجنة الأمن استدعاني المحافظ على جناح السرعة، وأخبرني بما طرح في اجتماع لجنة الأمن الولائية، وطلب إلي إلغاء اجتماع الجمعية العامة للمناضلين، لأن الوضع قد أخذ بعدا خطيرا، ربما يفضي إلى توقيفي، فقلت له: وكيف أخبر المناضلين والاجتماع مقرر عقده غدا على الساعة السادسة مساء، ونحن في نهاية اليوم الذي يسبقه؟! فقال لي: لا تذهب إلى المناضلين وأرسل عضوا من مكتب القسمة يخبرهم أن هذا الاجتماع تقرر تأجيله إلى وقت لاحق، فقلت له: لماذا نرتبك إلى هذا الحد؟ وموضوع الدعوة ينص على دراسة قضايا نظامية، فمادمت تصر على إلغاء هذا الاجتماع، فإنني أرى أن أطلب من رئيس المجلس الإسلامي الأعلى المجاهد الشيخ احمد حماني الموجود ضمن ضيوف بلدية قالمة المشاركين في أسبوعها الثقافي أن يقدم محاضرة دينية تاريخية للمناضلين، ونجعلها ضمن النشاط الثقافي المبرمج في الأسبوع الثقافي للمدينة، فرحب بالاقتراح، وفي صبيحة يوم 08ماي جاء وزير التربية، ولم أذهب لاستقباله مع رئيس المجلس الشعبي البلدي، ولكن منسق الاتحادية ذهب لاستقباله، وبعد وصوله مقر الولاية، استدعاني، رئيس الدائرة ومنسق الاتحادية إلى مقر الولاية، ولما ذهبت، قال لي رئيس الدائرة:أريد أن أسألك كمفتش للتعليم على مستوى الدائرة أولا، وكمنسق لقسمة جبهة التحرير الوطني ثانيا، عن المظاهرة التي يقال بأنها ستخرج هذا المساء، حاملة اللافتات ضد زيارة الوزير؟! فقلت له: ما علاقتي كمفتش تربوي وإداري بشأن سياسي خارج عن دوري أصلا حتى تسألني عنه؟! أما كمنسق قسمة جبهة التحرير أرفض الإجابة لأنه لا يحق لك قانونا أن تسألني مستجوبا، وعليك أن تطرح سؤالك على زميلك منسق الاتحادية، فبإمكانه أن يرد على تساؤلك هذا إذا أراد!! فرد علي بنبرة تعال وتحد هيا اصعد إلى الطابق الأول فإن السيد الوالي والمحافظ في انتظارك فصعدت إلى الطابق الأول، فوجدت الوالي والمحافظ فحييتهما، وبادرني الوالي بطرح الأسئلة التي طرحها علي رئيس الدائرة، وأجبته بالجواب نفسه، فقال لي: إن السيد الوزير سيشارك في المسيرة مساء هذا اليوم، وسيلقي كلمة أمام النصب التذكاري، فكلمتك المدرجة في البرنامج لا داعي لإلقائها، وإنما تقدمه وترحب به ثم تحيل له الكلمة، فقلت له: كلمة ممثل الحزب في هذه الذكرى ضرورية، ولا يحق لي أن ألغي تقليدا تكرس في هذه الذكرى منذ سنين، وصادقت عليه اللجنة التحضيرية، هذه السنة أيضا، فقال: كلمة الوزير وحدها كافية فقلت: أنا أرفض الضغط، وهنا تدخل المحافظ وقال: أنا أرى أن يلقي منسق القسمة كلمته، فقال الوالي وما محتوى هذه الكلمة؟! فقلت: هل أنا في محل استنطاق؟؟ فرد علي قائلا: إذا قلت فيها مايسيئ للوزير الممثل الرسمي للرئيس وللحكومة ستتحمل المسؤولية، ويجب أن تختصر ، وفي حدود الساعة الرابعة والنصف من يوم 08ماي1978انطلقت المسيرة من ساحة الكرمات المعتادة، بحضور وزير التربية، ولما وصلت الحشود الغفيرة المعتاد حضورها سنويا في هذه الذكرى إلى النصب التذكاري، ألقيت كلمتي كاملة كماأ عددتها من قبل بذكاء ودقة، وأذكر أنني مجدت فيها نضالات الحركة الوطنية، والدور الريادي الذي اضطلعت به جمعية العلماء الجزائريين المسلمين، في المجال الإصلاحي والتجديد الفكري ، وفي التربية وتكوين النشء، ومقاومة سياسة الفرنسة والإدماج والتغريب، والمسخ والفسخ، وإحياء ما اندرس أو كاد من أمجاد ومآثر، من ماضينا الفاخر وتاريخنا الباهر، وعرجت على ثورة نوفمبر ومشروعها الحضاري العربي الإسلامي كما جاء في بيان أول نوفمبر الخالد، وأشدت بديموقراطية التعليم وما تحقق من مكاسب في الثورات الثلاث الثقافية والصناعية والزراعية، ثم أحلت له الكلمة دون الترحيب به، فألقى كلمة، ركز فيها على مساره النضالي، والفكري، كرد على خصومه، وانتهت المسيرة وتفرق المشاركون بهدوء كالعادة المألوفة، وفي حدود الساعة السادسة أخذت فقيه الجزائر الكبير الشيخ العلامة أحمد حماني إلى الجمعية العامة للمناضلين وأثناء الطريق قال لي لقد وجهت له صفعة قوية بارك الله فيك، ثم ألقى أمام المناضلين محاضرة قيمة، تفاعل معها المثقفون، وطرحوا عليه وابلا من الأسئلة النوعية فأجابهم، وأسهب في الرد عليهم بعلمه الغزير، وفكره الواسع، وفي مساء يوم 09 حضرت جلسة عمل لإطارات التربية لولاية قالمة، أشرف عليها وزير التربية مصطفي الأشرف افتتحها الأستاذ مصطفى سريدي-وكان يمئذ رئيسا للمجلس الشعبي الولائي-بكلمة بليغة، أبدع فيها، وحلق في فضاء الخيال والإبداع اللغوي الراقي كعادته دائما، وكان رحمه الله تعالى إذا خاطب أفصح وأسمع، وأذا تكلم أبدع وأمتع، ثم أحال له الكلمة، فقدم للحاضرين تصوره وأفكاره بشيئ من العجرفة والتعالم والغرور، والتصور الخاطئي لواقع القطاع التربوي، وخلاصة ما استنتجته أن صورة معلم اللغة العربية عنده، هي صورة معلم القرآن الكريم في الكتاب، والشيخ الذي كان يجلس أمام حلقة الطلبة، ويفتح كتابه، ويشرع في الإملاء، وهم صامتون أمامه كالحجارة حتى تنتهي الحصة، فيغلق كتابه وينفض من كانوا حوله، وفي يوم10ماي ليلا ا اتصل بي المحافظ، وطلب إلي الحضور عاجلا إلى مكتبه، ولما ذهبت واستقبلني، أخبرني أنه دعي لاجتماع المحافظين، تحت إشراف المسؤول التنفيذي لجهاز الحزب محمد الصالح يحياوي، وقد طلبوا إليه أن يحضر معه تقريرا مفصلا عن التهم المفبركة التي وجهتها الإدارة والأمن إلى الحزب ومنسق قسمة قالمة، فقضينا تلك الليلة في صياغة هذا التقرير، بأدق التفاصيل والجزئيات، وتم رقنه وتصحيحه، وأخذه المحافظ معه في اليوم الموالي إلى العاصمة، وفي مساء يوم 12ماي تم إنهاء مهام والي الولاية، ورئيس دائرة قالمة، ومحافظ الشرطة، وبعد عودة المحافظ من الاجتماع أخبرني أن محمد الصالح يحياوي قال له:لماذا تسمحون لمصطفى لشرف أن يتناول الكلمة في ذكرى 08ماي 1945 بولاية قالمة، قلعة الوطنية والتضحيات والبطولات والشهداء، وعلمت من مصادر موثوقة أن محمد الصالح يحياوي ذهب إلى الرئيس هواري بومين وسلم له نسخة من التقرير، وطلب إليه معاقبة المسؤولين الذين كذبوا عليه، واتهموا منسق قسمة قالمة كذبا وزورا، وذلك حفاظا على سمعة الدولة وهيبتها، وإذا لم يتم ردعهم سيكررون مثل هذه الأكاذيب المشينة مرات أخرى، وقد مرت على هذه الحادثة ثلاث وأربعون سنة، ولم يدر بخلدي أن أتحدث عنها في خربشاتي، وعندما طلب إلي الصديق الأديب الكبير الطاهر يحياوي أن أدلي بشهادتي عن مواقف المجاهد الرمز العقيد محمد الصالح يحياوي عضو مجلس الثورة، ذكرت عرضا هذه الحادثة، ولكنني فوجئت بما أخبرني به صديقي الأستاذ الدكتور إسماعيل سامعي أثناء تواصل هاتفي معه، من أن المرحوم مصطفى الأشرف قد كتب عن زيارته لولاية قالمة، عدة صفحات في كتابه الموسوم:(أعلام ومعالم)وذكر في شهادته أنه تعرض لمحاولة اغتيال، وأنه شاهد الحشود التي جندتموها تحمل العصي والهروات، ولولا يقظة الأمن الذي حماه للقي حتفه أثناء هذه الزيارة، فطلبت إليه، أن يرسل إلي الصفحات الخاصة بقالمة، فأرسلها إلي ولما قرأتها وقفت على ما أورده فيها من إفك وزور وبهتان عظيم في كتاب يعتبر مرجعا للباحثين والدارسين والمؤرخين، فرأيت أن أدلي بشهادتي هذه لإبراز الرأي الآخر المغيب في شهادته على تلك الفترة الهامة من حياة المجتمع والبلاد. وهذه عينات من مواقفه ومما قاله عن زيارته لولاية قالمة
ننقلها حرفيا كما جاءت في هذه الصفحات، ونترك الحكم عنها للقارئي الكريم. يقول في الصفحة رقم: 463من كتابه أعلام ومعالم الصادرعن دار القصبة سنة2007:(.. حين تم تعييني-رغم أنني رفضت ذلك مرارا-وزيراللتربية الوطنية في آخر حكومة لبومدين، وجدت نفسي فوراوجها لوجه مع الهجمات والعراقيل الصادرة من الجناح المحافظ النشط، الذي استحوذ على التعليم في مستوياته المختلفة، بعد أن حقق منذسنة1962، وحدة مقدسةضمت أشلاء لم تعد صالحة لشيئ من العلماء الهرمين، إلى الموجات الجديدة المتدفقة من المعربين التافهين المرتجفين تحت الوصاية البعثية) ويقول في الصفحة رقم: 467من المصدر نفسه:(.. كان علي أن أ توجه إلى مدينة قالمة يوم 08ماي1978كي تتناسب زيارة العمل التي برمجتها مع المراسيم المقامة تخليدا لذلك التاريخ، ولذكرى المجازر التي كانت المدينة مسرحالها سنة1945بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة. لئن بدالي الاستقبال هناك وديا لائقا، فقد تميز أيضا بزحمة بروتوكولية في المجال الأمني لم يسبق لي أن عرفتها من قبل أثناء جولاتي التفتيشية في الولايات الأخرى للبلد، كنت إن صح التعبير محجوزا في قاعة انتظار مكتب الوالي الذي بدت عليه بدوره، علامات الحيرى، حيث كان يقوم من مكانه، من حين لآخر، ليهمس إلى هذا أو يسر إلى ذاك من مساعديه، في الأثناء كلف أحد أعوان الأمن بالوقوف للحراسة أمام الباب الداخلي للغرفة التي كنا فيها….) ثم يذكر أن الوالي أطلعه على برنامج إحياء الذكرى وهو اقترح على الوالي إلقاء كلمة، ففرح بهذا الاقتراح وكاد يعانقه، وأنه انزوى في غرفة وكتب الكلمة التي رغب في إلقائها، وأثناء سيره في المسيرة مع الشخصيات المشاركة، كانت الجماعة حريصة على وقاية شخصه من أي مكروه ويقول: لعل المظاهرات قد بدأت بعد في المدينة، وأنه لم يطلع عن الأسباب التي دفعت إلى حراسته عن كثب في ذلك اليوم، إلا بعد أن اطلع على تفاصيل الأحداث التي شهدها ذلك اليوم، ويسترسل فيقول في الصفحة رقم 468:(… كانت الجموع الغفيرة متراصة في المواقع الخلفية المحيطة بساحة المقام التذكاري، بينما كانت الشخصيات المساهمة في المراسيم محدودة العدد، عندما حان موعد إلقاء خطابي، صعدت المنصة المشرفة على الأرجاء، مما سمح لي بمشاهدة مجموعات متراصة من الناس يحملون أشياء أشبه بالعصي في يدهم…..) ثم يتحدث عن الكلمة التي ألقاها، ويسميها خطابا فيقول:(… بعد أن أنهيت خطابي الذي تخللته أو شعار لجميل صدقي الزهاوي حول الكفاح العادل للشعوب المقهورة، شاهدت الجموع البشرية التي كانت متراصة في مؤخرة الساحة، تنسحب برفق وهي تحيط عصيها بشيئ لم أعرف كنهه، كان ذلك بالنسبة لكل من كان حاضرامعي، وعلى دراية بما كنت أجهله، وربما بأمور لم تكن عاقبتها محمودة(كان ذلك آذن) لحظة انفراج بل وابتهاج للوالي، وللأعوان المحيطين به، كما سأطلع عليه من بعد…) ويتحدث عن الكلمة التي ألقاها ويصفها بالخطاب فيقول:(… كانت الذكرى وكان الخطاب الذي ألقيته بالمناسبة، أشبه بعملية جراحية انتهت بتصفية الدمالة وتضميدها….) وفي الصفحةرقم670 يعود إلى الحديث عن زياته لقالمة قيقول:(… لنعد بالكلام إلى نتائج زيارتي التفقدية في قالمة، التي تكشف عن خطورة أوضاعنا، وعن ضرورة الشروع حالا في تفكير جاد حول طبيعة الحس بالمسؤولية تجاه الدولة، حول اللجوء إلى العفوية التمردية، كأسلوب للعمل السياسي، والتي يمكن أن تؤدي إلى عواقب لايمكن تقدير خطرها على المجتمع وعلى النظام العمومي…) وبعد عودته إلى العاصمة يتصل به مستشار برئاسة الجمهورية، ليتأكد من عودته سالما معافى من قالمة قيقول:(عند عودتي إلى مدينة الجزائر ليلا، تم الاتصال بي فورا عن طريق الهاتف من طرف أ حد أ اصدقائي، الذي كان مستشارا في رئاسة الجمهورية، تأكد من عدم إصابتي بأي مكروه، أثناء مقامي بمدينة قالمة، وعما إذالم أجد أي شيئ يخرج عن المالوف، فيمايتعلق بشخصي، ثم أخبرني بأنه قادم إلي في الحين فور لقائه بي بادرني بقوله:( نجوت من مكروه) ثم فصل لي القول بخصوص مؤامرة مدبرة بإحكام توعدني بها محمد الصالح يحياوي عضو مجلس الثورة سابقا، مسؤول في حزب جبهة التحرير الوطني، والمستخلف المحتمل للرئيس بومدين، من المعلوم أن المدعو م. ص. ي. رجل خشن الطباع ذو غموض فكري، رغم كونه من قدماء الطلبة المتخرجين على يد العلماء، لكن من المؤكد أنه كان يمثل رأس الحربة، وحامي أ كثر المناضلين البعثيين حماسة في الجزائر، وقد أسرف في استعمال النفوذ المخول له من تحمل مسؤولياته العليا على رأس جبهة التحرير الوطني، ليؤلب ضدي جميع من كان تحت تصرفه من العملاء، ومن الإطارات المضللة في تلك الولاية الموجودة في الشرق القسنطيني…) المصدر السابق الصفحة رقم671 والذي يمعن النظر فيما كتبه مصطفى الأشرف في الصفحات من رقم462إلى 473 يستنتج أن هذا الوزير جاء الى وزارة التربية بمشروع تغريبي صريح، ولايتورع في اتهام من يخالفه في المنهج والرأي بأي تهمة ولو كذبا وزورا، فمناضلو قالمة الذين ادعى أنه رآهم يحملون مايشبه العصي، أغلبهم مجاهدون أخيار، والمشاركون في المسيرة مواطنون أحرارقدموا من بلديات الولاية ومن الولايات المجاورة، بنفوس أبية، وقلوب نقية طاهرة من الحقد والكراهية والعنف اللفظي، جاؤوا للمشاركة في هذه المسيرة بوفاء للشهداء الأبرار، وللتعبير عن ولائهم الخالص لوطنهم العزيز، وتمسكهم القوي بانتماهم الحضاري العربي الإسلامي، لم يحملوا عصيا ولامايشبهها، كما زعم مصطفي الأشرف في تخرصاته، فهم ناس شرفاء متحضرون، يحترمون دولتهم وقانونها، ورموزها وممثليها، ويستقبلون ضيوفهم بالحفاوة والترحاب والاحترام والتبجيل والتقدير، فليسوا وحوشا ضارية ختى يحملوا العصي لتهشيم رأس من يقصدهم ضيفا، فقد توارثت أجيالهم خلفا عن سلف منذ أقدم العصور أن العصي وغيرها تستعمل فقط في تهشيم رؤوس الغزاة المحتلين، وماادعاه مصطفى الأشرف هو مجرد هواجس نفسية، أو إيحاءات وتخيلات شيطانية، فقد أخبرنا القرآن الكريم أن شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، وأجزم متأكدا أن الجماهير الغفيرة التي رآها متراصة كالبنيان المرصوص في الساحات، أثناء صعوده المنصة لإلقاء كلمته، جاءت فقط لتحيي ذكرى الشهداءالأبراربدافع الوفاء، ولم تسمع بزيارته لقالمة، إلا في نشرة ذلك اليوم على الساعة الثامنة ليلا، وأن المظاهرات التي ذكرها لم تقع إلا في خياله، وفي أخيلة من هم على شاكلته، وقديما قيل إن الطيور على أشكالها تقع، فقد.رأينا أحد أصدقائه الذي أسندت إليه حقيبة الإعلام والثقافة كيف يدعم توجهاته التغريبية، ويسارع إلى نشر تصيحاته الاستفزازية في مجلة الثقافة ذات الطابع العلمي الأكاديمي، وليس الصحفي، وعندما حل المجلس الشعبي الوطني في بداية أزمة تسعينيات القرن الماضي وعين رئيسا للمجلس الانتقالي، قام باستدعاء أعضاء هذا المجلس لتجميد قانون استعمال اللغة العربية عشية اليوم الذي اغتيل فيه المجاهد الرمز محمد بوضياف أحد مفجري ثورة نوفمبر، وقادتها الكبار العظماء، -وقد كنت من بين الحضور أثناء اغتياله بدار الثقافة في مدينة عنابة يوم 29جوان سنة1992- وما زال هذالقانون تحت طائلة التجميد، وقد حملت إلينا وسأئل الإعلام مؤخرا بعض الأخبار السارة عن الأجراءات التي اتخذها بعض الوزراء، لتعميم استعمال اللغة الوطنية في دوائرهم الوزارية والمصالح والمديريات التابعة لها، ونرجو أن تحذو حذوهم جميع الوزارات ، وفي ختام هذه الشهادة، أفند ماجاء في شهادة مصطفى الأشرف عن مناضلي ومواطني قالمة الأحرارالأصلاءالأوفياء الشرفاء، تفنيدا قاطعا جازما، وأن ذكرى 08ماي1978 التي زار فيها مدينة قالمة، وشارك في مسيرتها التي درجت على تنظيمها منذ فجر الاستقلال قدمرت بكل هدوء وأمن وطمأنينة وراحة بال، ولم يقع شيئ مما تحدث عنه من تهم مجانية عارية عن الصحة، وأدعوبعض شهود العيان الأحياء الذين كانوامناضلين، وشاركوا في هذه الذكرى التي قال عنها مصطفى الأ شرف، ماقال، أن يدلوا بشهاداتهم، خدمة للحقيقة التاريخية وحدها فقط، وأخص بالذكر الأستاذ الدكتور إسماعيل سامعي، والأستاذ الشاعر الإعلامي أحمد عاشوري، وعددا آخرمن الكتاب والمثقفين والمربين الذين كانوا رفقائي في التعليم، وفي النضال قبل هذه الزيارة وأثناءهاوبعدها. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

هذا جزء من شهادتي للتاريخ والأجيال، والله على ما أقول شهيد.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023