حول العلاقة الجدلية بين سرقة المال العام والتفريط بالقضايا الوطنية والقومية: لبنان نموذجاً ؟!

حول العلاقة الجدلية بين سرقة المال العام والتفريط بالقضايا الوطنية والقومية: لبنان نموذجاً ؟!

بقلم محمد النوباني |

من المفارقات العجيبة أن بلداً مثل لبنان عدد سكانه حسب إحصاءات الأمم المتحدة للعام ألجاري2020 لا يزيد عن6.825,445 نسمة فقط، فيما يبلغ حجم دينه الخارجي91 مليار دولار.

وهذ يعني بأن كل لبناني حتى لو ولد من رحم أمه للتو عليه دين قيمته 13,332 دولار في حين ان مجموع الامول التي سرقها سياسيون وملوك طوائف من اعضاء حكومات لبنانية متعاقبة خلال الاعوام الثلاثين الماضية بلغ زهاء 800 مليار دولار أمريكي حسب صحيفة “وول ستريت جورنال الامريكية”.

ولكي نعرف الى اي نوع ينتمي لصوص لبنان لا من الاشارة الى ان هناك نوعان من الحكام اللصوص في الوطن العربي، النوع الاول بلدانهم غنية بثرواتها النفطية وبالتالي فقد كونوا ثرواتهم من خلال الاستحواذ على عائداته ونهبها وصرفها على الليالي الحمراء وبناء وشراء القصور الفارهة واليخوت الثمينة وعلى شراء السلاح للأستعراضات العسكرية والحروب البينية وعلى اقامة مشاريع سياحية وهمية على شاكلة (نيوم) بدلا من أن يستثمروها في تطوير الصناعة والزراعة الصحة والتعليم والبحث العلمي.

أما لصوص لبنان فقد كونوا ثرواتهم وهي بالمناسبة طائلة جدا من خلال نهب قطاع الدولة والاستيلاء على تعب الكادحين وذوي الدخل المحدود وأموال المساعدات الخارجية واموال القروض التي حولت لحساباتهم الشخصية واصبحت دينأ.ً على البلد ومن المال السياسي الذي كان يأتي الى البلد لشراء الذمم في مناسبات مختلفة مثل الانتخابات.

وما يميز هذه الطبقة السياسية العابرة للطوائف والمذاهب هو متانة العلاقة التحالفية التي تربطهما بالولايات المتحدة الامريكية واسرائيل وعلاقتها الوطيدة مع المملكة العربية السعودية وعداءها لسوريا والقضية الفلسطينية ولكل ما هو عروبي .

وهذه الطبيعة الكوسموبولبتية (اللاوطنية) لهذه الطبقة السياسية جعل من امكانية بناء تحالفات معها على قاعدة الحد الأدنى في المسائل الوطنية والاجتماعية أمراً في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلأ لأنها وضعت ولاءها للأجنبي فوق ولاءها للوطن ومصالحه ورأت في المقاومة اللبنانية التي اجبرت اسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان و اذلت اسرائيل في حرب 2006 وحمت لبنان ومنعت سقوطه تحت سيطرة داعش ظاهرة مستوردة من ايران .

وقد أدى ظهور جائحة كورونا وما نجم عن ذلك من تداعيات إقتصادية خطيرة تحديداً على البلدان التي تعاني من الفقر والمديونية العالية والفساد ونهب المال العام ومنها لبنان الى فتح ملفات الفساد على مصراعيها لأن استمرار إدارة البلد بنفس الطريقة السابقة بات يعني الانهيار الحتمي.

ولذلك فقد رأينا أن لصوص لبنان وهم بالمناسبة من مختلف الانتماءات المذهبية والطائفية ويجمعهم العداء للمقاومة والقضية العادلة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة عندما شعروا ان حكومة حسان ذياب لم يعد امامها سوى التحرك لأنقاذ البلد لجؤوا فورا إلى التحشيد الطائفي والمذهبي لعرقلة جهوده الرامية إلى إجبار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على وقف سياساته المصرفية التدميرية أو عزله إن أصر توفير الغطاء والحماية للذين نهبوا أكثر من 800 مليار دولار خلال الثلاثين عاماً الماضية وهربوا فقط خلال شهري كانون ثاني وشباط من العام الجاري اكثر من (5) مليار دولار إلى الخارج مما ادى الى ارتفاع سعر صرف الدولار امام الليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق وتردي وضع الطبقات الشعبية اللبنانية

من هذا المنطلق فإنني أتمنى من صميم قلبي نجاح الحملة التي يقودها رئيس الوزراء اللبناني حسان ذياب لعزل حاكم مصرف لبنان المركزي وانقاذ فقراء وكادحي لبنان من مخالب طغمة اللصوص والفاسدين وسراق المال العام الذين يقاتلون الآن لابقائه في منصبه لكي لا يؤدي عزله إلى كشف حجم ما نهبوه من اموال امام الشعب اللبناني.

وختاما فإن أمور لبنان لن تستتب إلا اذا ما تم ايداع من سرقوا ونهبوا البلد في السجن وتم إلغاء نظام المحاصصة الطائفية الذي أنجبهم لكي لا ينجب غيرهم. فمبلغ 800 مليار دولار كانت كافية ليس فقط لإنقاذ لبنان من أزمته الإقتصادية وإنما لجعله دولة غنية.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023