زمن أفول هيمنة القطب الواحد على العالم…بقلم محمد الرصافي المقداد

زمن أفول هيمنة القطب الواحد على العالم…بقلم محمد الرصافي المقداد

لقد كانت تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشأن الدّور الأمريكي المؤثر في السياسة العالمية، فيما كانت ترمي اليه من تحذير، دلالة على اهتزاز مكانة هذا القطب الأرعن، الذي طغى واستكبر بحيث لم يعد هناك مجال آخر يدفعه اليه في استهتاره، فقد أوردت قناة سكاي نيوز يوم السبت قولها: إننا نشأنا على فكرة مفادها سعي الولايات المتحدة الأمريكية لأن تكون قوة عالمية، واذا رغبت امريكا الآن بالانسحاب والتخلّي عن هذا الدّور بإرادتها الحرّة، فسنضطر للتفكير مليا بتلك القطبية بعمق.(1)

وأيّا كان مقصد ميركل من تصريحها المتوجّس هذا، فإنّه حمل في مضمونه انشغالا أوروبيا، من تهافت السياسة الامريكية، وتناقضها بشأن التزاماتها الدّولية، فما حصل خلال فترة حكم الرئيس الحالي دونالد ترامب، يدعو شركاء أمريكا الى اعادة النظر في اتفاقاتهم معها، بعدما لمسوا رعونة وحمقا، في التعامل مع عدد من القضايا الدولية الحساسة، ومنها الملف النووي السلمي الايراني.

المستشارة الالمانية تؤمن بأن زمن القطبية الواحدة قد أفل نجمه الأمريكي، لكنها لأسباب دبلوماسية واقتصادية، متعلقة بوضع بلادها الهامّ ضمن الاتحاد الاوروبي، في علاقاتها الاقتصادية مع روسيا، وقراراتها المتوازنة نسبيا عما يصدره ترامب وادارته، وتتحفظ عن التصريح بذلك، لكنها تردّ بقوة الأدلّة، على فشل السياسة الامريكية الداخلية، بعجز إدارتها عن ايقاف تفشي جائحة كوفيد 19 حيث لا تزال أمريكا متصدّرة قائمة الدّول الموبوءة بـ3.5 مليون مصاب، وموت حصد 138.000 ضحية، وارقام قياسية في تفشي الوباء وصلت الى 70.000، وفشل ذريع في السياسة الخارجية، تمثل في تنصّلها من التزاماتها الدولية ونقضها لتعهداتها التي أمضت عليها في شخص وزير خارجيتها، كما حصل بشأن الملف النووي الايراني.

ويبدو أن ميركل قد وصلت الى قناعة أنه لم يعد بالإمكان مجاراة أمريكا في سياساتها الخارجية، وعلى ذلك بدأت في بناء موقف وسط مستقل على التطرّف الأمريكي، وهذا ما اغاض ترامب، وجعله يتصرف بحمق تجاهها، بوصفها حينا بالغبيّة – وهو الغباء بعينه – أو بردّ فعل كشف انحطاطه الأخلاقي، عندما تجاهل مصافحتها في كندا،(2) ولدى استقبالها في البيت الابيض(3)

فَقْدُ أمريكا مصداقيتها على الصعيد الدولي وحتى الداخلي، ينذر بمصير سيّء لمستقبلها في العالم، كانت ماضية إليه ببطء قبل مجيء رئيسها الحالي، وبمجرّد استلام ترامب مهامّه، سرّع خطواتها اليه بمواقفه المتطرّفة الظالمة، التي سلّطها على كل من عارضه من دول العالم، وفي مقدمتها ايران الاسلامية.

ومثلما يقول المثل أهل مكة أدرى بشعابها، فإن الوضع الاقتصادي والعسكري والسياسي، الذي وجد الساسة الأمريكيون بلادهم فيه، قد جعلهم يتصرفون بكثير من الانفعال وعدم الرّويّة وشملت مواقفهم المتسرعة حتى حلفاؤهم في النّاتو، ومنها يبدو أنهم بصدد تفكيك ما أسسوه ظلما وعدوانا وتعاليا واستكبارا على المجتمع الدّولي.

لقد استثمرت أمريكا جهودها في محاربة النازية لقيادة العالم، واستغلاله اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، وصل الى حدّ لا يطاق، فلم يعد ابتزازها مقتصرا على الانظمة القائمة على حمايتها كدول الخليج، التي وصف رئيسها ترامب النظام السعودي أكبر دولها بأنه بقرة حلوب، يجبي منها مليارات الدولارات، ويحافظ بها على بقاء الدولار عملة عالمية أولى، بل بلغت وقاحته بأن طالب أوروبا ايضا بأن تدفع لبلاده، لقاء حمايته لها، ففي تغريدة له عبر حسابه على تويتر كتب ترامب:” إن على أوروبا أن تدفع حصة عادلة من أجل حمايتها العسكرية، الاتحاد الأوروبي استغلنا لسنوات طويلة على صعيد التجارة، وبعدها لا يقدمون التزاماتهم العسكرية عبر الناتو، الأمور يجب أن تتغير سريعا” (4)

لذلك أقول إن ما بناه النظام السياسي الأمريكي طوال 70 عاما من الاستغلال والتسلّط على الشعوب، بدأ في نقضه الرئيس الحالي ويبدو أنه سيقون نقضا سريعا في صورة اعادة انتخاب الرئيس الحالي مرّة أخرى خريف هذه السنة، بل وأعتقد أنه بسلوكه العدواني الذي انتهجه ضد ايران والصين وكوريا وروسيا وفنزويلا وكوبا، سيتسبب في نشوب حرب كونية كبرى، سوف تنهي هيمنة أمريكية طالت، وتسببت في اختلالات وتجاوزات أمنية، بحق شعوب معتدى عليها، بسبب سياسة الحيف والظلم التي سلكتها.

لقد عانت البشرية كثيرا من هذا الحيف، وقد تصدّرت إيران مشهد معارضة هذا القطب السيء، وأثبتت انها في طريقها الصحيح لمواجهته، بناء على مبادئها الاسلامية في عدم الركون للظلم وأهله، وقد شجعت دولا لم تكن لتجرؤ على مواجهة امريكا، مع توفّر امكانياتها على مواجهتها، وتشكّل مشهد الصراع الذي بدا حتميا، قد بدأ مؤشراته تظهر بكل تأكيد، وغدا سوف نشهد جنازة زعيمة الاستكبار العالمي، أما عن طريق من وكيف؟ ففي باطن الغيب تكمن الاجابة.

 

المصادر

1 – ميركل: على أوروبا التفكير بمكانتها إن تخلت أمريكا عن دورها

2 – إن كيدهن عظيم.. ميركل تصفع ترامب دون أن تسميه فما قصة أكاذيبه عن الوباء؟

3 – ترامب يرفض مصافحة ميركل

4 – بعد السعودية.. ترامب: على أوروبا أن تدفع ثمن الحماية العسكرية

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023