سلطنة عمان من التطبيع السري الى العلني

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

ضحك علينا الغرب بدوله الاستعمارية، منذ أن احتل بلداننا، الى أن غيّر طريقته في معاملتنا من استعمار استيطاني، الى استعمار ثقافي واقتصادي، بداية من منتصف القرن الماضي، فقام بإعداد من يمثّله ويقوم مقامه في حماية مصالحه، فنصّب علينا حكاما أعانهم على الضهور كزعماء، ركّبهم على الحركات شعوبنا التحررية، انتخبهم من بني ثقافته المعادية للإسلام، فظهروا قادة لها، تزويرا التاريخ كفاح آبائنا وأجدادنا للاستعمار، وكانوا بحق أدواته القابضة على خناق شعوبنا، يذهبون بهم الى التّيه يمنة ويسرة، وفي نفس الوقت دعاة لنهجه الليبرالي، الذي يقدّس طغيان الرأسمال، أيّا كانت نسبته ومخططاته، ومتنفذيه في البلاد العربية والاسلامية.

على مدى نصف قرن، كان أغلبهم هؤلاء الأدعياء أدواته المفضلة في تنفيذ إرادته، كل بحسب نسبته الاستعمارية، فرنكونوني أو كومنويلث (فرنسي أو أنقليزي )، استقوى الغرب بهم على حساب شعوبنا، فبقيت متخلّفة أسيرة القمع والظلم، المسلط عليها من طرف هؤلاء العملاء، لم تتقدم فيه شعوبنا، بالمعنى الصحيح للتطور العلمي والتكنولوجي، وبقيت خاضعة لسلطان الغرب، تأتمر بأوامره، وتمضي على قرارته التي لا تقيم وزنا لمصالح الشعوب.

خلال تلك الحقبة من الزمن، لم تكن تلك العلاقات ظاهرة وواضحة، الا من خلال المخططات الفاشلة التي تنفذها تلك الحكومات

قبل مفتتح القرن الجديد كان تطبيع حكام العرب مع الكيان الصهيوني مسالة تعبير ولاء مبدئيّ للغرب وخروجا عن ارادة الشعوب – التي وضعت قضية فلسطين ضمن أهدافها في تحريرها-  بعنوان الديمقراطيات المزيفة، فمرت اغلب علاقاتهم في خفاء ابقاها في طي الكتمان، نظرا لشدة معارضة الشعوب لها، فأقيمت مكاتب علاقات بينها وبين الكيان، في مقابل تسهيلات وهبات وقروض غربية، تشجيعا لتلك الدول، وكان لتونس نصيبها من التطبيع السياسي والامني، رغم العدوان الذي أقدم عليه هذا الكيان الصهيوني، لما اصطلح عليها ب(الساق الخشبية) بإرسال طائراته الحربية، الى جهة حمام الشط بالعاصمة فجر 1/10/1985، فقصف موقعا مدنيا، استضاف فيه الشعب التونسي إخوانه الفلسطينيين المبعدين من بيروت، امتزج فيه الدم التونسي بالدم الفلسطيني.

وتتابعت انظمة العمالة والتبعية لأمريكا والغرب، في سلسلة تنازل للكيان الصهيوني، وصلت الى حد الاعتراف به، واقامة علاقات دبلوماسية معه، وبمرور الزمن ارتفع عدد هذه الدول، ما حفز البقية المترددة في قبول مقترحات الغرب، في تليين التطبيع، وتمريره بسلاسة الدهاء الغربي، المحتسب لكل شاردة وواردة لهذا المخطط الخبيث، الذي استدرج المنتفعين منه من طابور أدعياء الثقافة والفن، للذهاب الى فلسطين المحتلة، ومشاركة الكيان الصهيوني احتفالاته وملتقياته وندواته، بعنوان التبادل الثقافي والفني والجامعي.

لتختتم هذه المرحلة الخبيثة، بتبادل الزيارات على اعلى مستوى سياسي وأمني، كانت دول خليجية مختتمة مرحلتها الأخيرة، في مقدمتها السعودية والبحرين والامارات، ومن كان يرى مفاجأة، في استقبال سلطنة عمان لرئيس الوزراء الصهيوني – الذي صرح على صفحته بتويتر بان زيارته تمت يوم الخميس 25/ 10/2018، بعد اتصالات مكثفة وطويلة مع الجانب العماني – فهو مخطئ في تقديره، لأنّ السلطان قابوس الذي عرفناه باعتدالية مواقفه، واستقلالية سياساته ظاهرا، عما تجتمع عليه اغلب دول مجلس التعاون الخليجي، ما كان له أن يخرج عن طوع الدول الغربية، الحاكمة في المنطقة، وهو الذي ما كان له ان ينقلب على ابيه ويأخذ منه زمام الحكم، دون موافقة امريكا وبريطانيا، وسياسته في عمومها، وان بدت متوازنة فيما بدا للكثيرين، ومستقلة نسبيا على بقية دول مجلس التعاون الخليجي، ومحصّلها يهدف الى احداث تميّز، يعمل على ظهور عمان بمظهر النظام المعتدل، الذي يستعمله الأمريكان والأنقليز، منصة للمناورات السياسية، أو صمام أمان نسبيّ، يستعمل للحيلولة دون تأجج أو تأزيم الاوضاع بين دول الخليج وإيران.

ومن قرا تاريخ السلطان قابوس، حصلت لديه قناعة بانه منفذ  لا غير، لأوامر دولتي الاستكبار العالمي (امريكا وبريطانيا)، ومسهّل مخططاتهما في الخليج الفارسي، فعندما قامتثورة ظفار، وعجز والده الملك سعيد بن تيمور عن انهائها، حدث انقلاب ملكي غير دموي في 23 يوليو 1970،  أطاح فيه قابوس بن سعيد بأبيه، ثم نفاه الى بريطانيا فمات بها بعد سنتين.

وثورة ظفار – الاقليم الجنوبي لسلطنة عمان – 1965/1975 يسارية امتدّت عشر سنوات، فزع منها الغرب، فأوعز الى قابوس بتسلم الحكم بالقوة من والده، مهما كلّف الامر، كما اعطى الغرب نفسه الضوء الاخضر لنظام الشاه في ايران، بالتدخل العسكري في إقليم ظفار، وإنهاء الثورة اليسارية هناك، وكانت قد شكلت تهديدا جديا، لمصالح أمريكا والغرب في المنطقة.

ما يراد اظهاره من عمان اليوم، هو ما كان ماضيا في الخفاء بالأمس، وعبّر عنه رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بالاتصالات المكثفة الطويلة، مشيرا الى تطبيع كائن مع الصهاينة، منذ أمد ليس بالقصير، تبدو فيه السلطنة، قطبا لتمرير مرحلة جديدة ومتقدمة، من التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني، لم تجرؤ عليه قبلها سوى مصر والاردن، وهكذا تتعرى دولة أخرى من الدول العربية، فتكشف عما خفي من أوراق سياساتها، في ظل صمت شعوب، تريد حكوماتها جرها بخبث الى بيت الطاعة الصهيو أمريكي.

ان استهداف الانظمة العربية للقضية الفلسطينية، في عملية تصفية ماكرة، تنفّذ بأوامر أمريكية غربية، ستخرج من بقي منهم صوريّا مساندا بلسانه، جامدا في أفعاله، ليكلمنا يوما ما واعتقد أنه قريب الحلول بلسان عبريّ، أو قل بالأحرى بلسان صهيوني، لتبقى قلة من الأنظمة ومنها ايران وحدها وبمفردها اليوم، وفيّة للقضية الفلسطينية، مضحية من أجلها، ثابتة على مبدأ تحرير الارض من النهر الى البحر، وليبقى العميل عميلا، وان تظاهر بالصلاح والاعتدال، والوفيّ وفيّا ومبدئيا، ولو بلغت تضحياته عنان السماء، فبئس العملاء وطوبى للأوفياء، وغدا يتميّز الخبيث من الطيب.    

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023