شغف الحرية بين نرجسية السلطان وسطوة المنشار 

د. أنور العقرباوي فلسطيني – واشنطن |

منذ أسابيع والعالم كله مشدود لمعرفة مصير الكاتب جمال الخاشقجي، اللذي لم يعثر له على أي أثر بعد أن وثقت الكاميرات لحظة دخوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، لكنها لم تسطع على تقديم الدليل على خروجه حيا منها!

وبغض النظر عن حقيقة أن المغدور به كان حتى الأمس القريب، القلم المدلل للنظام الوهابي وأجهزة مخابراته، أو حجم ردود الأفعال وتفاعلاتها، سواء منها المواقف الصادقة أو المنافقة على إثر إختفائه، في الوقت اللذي لا تزال فيه طائرات التحالف الوهابي تحصد العشرات يوميا من أرواح الأبرياء في اليمن، وتغض الطرف في الوقت نفسه عن الرصاص الحي الموجه إلى صدور الأطفال العارية في غزة، دون أن تكلف تلك الأصوات نفسها عناء تسجيل أي موقف حقيقي صارم إزاءها، فإن ذلك لن يحول دون أي حريص على حرية القول والرأي، في التضامن والتعاطف مع كل من يلحق به السوء والأذى، وهو يدفع  الثمن من حياته للتعبير عن مواقفه و آرائه! 

بالأمس خرج علينا النظام الوهابي ببيان، يقر فيه وبكل وقاحة مقتل الكاتب الخاشقجي، بسبب مشاجرة على حد زعمه، دون أدنى أي إكتراث أو إحترام لعقول الناس وفطنتهم، تريد للرأي العام ومن يهمهم الأمر من ورائه، أن تنطلي على الجميع روايتهم، حتى حين التستر على الأدلة الجنائية، وفي مقدمتها جثة الضحية! والأدهى من كل ذلك الإيعاز للمشتبه فيه الأول في القضية، متابعة التحقيقات فيها، دلت طبيعة الإتصالات والزيارات المستعجلة إلى العواصم المعنية أثنائها، على إهتمام البعض في لفلفة القضية، من منطلق ما أسموه عدم تأثير ذلك على العلاقات المشتركة التاريخية، أو إنعكاساتها على عقود التسلح بالملايين القائمة، وآخرون رأوا في إبن سلمان وهو يترنح مثل الشاة المذبوح لتوه، وهم  إلى من يهمه الأمر  يغمزون من طرف القضية، بأن بلادهم هي الوحيدة القادرة على زعامة العالم الإسلامي!

ذهب الخاشقجي ولن يعد، تماما كما ذهب الكثيرون من قبله، ومن ينتظرهم الدور من بعدهم، مالم يتم تدارك أمر هذا النظام السادي المجرم المارق ووضع حد له وجرائمه! وإذ أصبحت أمتنا وهي تنظر الأمم الأخرى إليها، تارة بعين الأسف والشفقة، وأخرى بعين الحيرة التي لا تخفيها، وهي تتساءل إن كانت أمتنا حقا جديرة بالحياة مثل باقي الأمم، وقد فاقت قدرة تحملها على الظلم والقهر الواقع عليها، مالم يقدر على تحمله باقي البشر، فعلام كل هذا الرضوخ والهوان، والتقاعس عن هبة أسوة بالأحرار من الأمم؟! 

إن لم تكن حقيقة الجواب في أبشع صوره الأنانية، أن الكل منا ينتظر من الكل فينا أن يفتديه الآخرون بروحه ودمه، حتى يحفل باقي الكل من الأحياء يوما فينا، بشغف الكرامة والحرية، ولكن يبقى السؤال: ومن سيضمن لنفسه، أن لا يطال في ظل حكام النرجسية مسن المنشار حين سيقطع أوصالهم، قبل أن يتحقق ذلك الحلم المنشود، إن لم يكن قد حان الوقت لنا جميعا، أن نقولها بالفم المليان، ونترجمها بالأفعال الآن وليس غدا: ألا كفى، يا حكام التبعية والرجعية، فلقد حان وقت رحيلكم؟! 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023