الطائفيّة “الأمازيغية” في المغرب العربي: “الذّخيرة النّاعمة” للكولونيالية الفرنسية

 الطائفيّة “الأمازيغية” في المغرب العربي: “الذّخيرة النّاعمة” للكولونيالية الفرنسية

     تمكنت المنظمات الأمازيغية في بلدان المغرب العربي، خاصة بعد عام 2011، من أن تعبّئ في “الظلّ” عددًا من المتعاطفين والمساندين لها، ومن التأثير في البعض الآخر عبر “الفيسبوك”، وتمكنت من إخفاء أنشطتها الصهيونية “الحقيقيّة” التي تستهدف إثارة الفتنة وتفكيك وحدة الشّعب العربي. فمن خلال متابعتنا لصفحات بعض منتسبي هذه الحركة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تمكنا من رصد عدد من المناقشات بين زعمائها ومناصريها، والوقوف على المفردات التي تتلاعب بها بعقول الناس وتستقطب بها عددًا من الشّباب، وتمكنت، ولو بشكل نسبي، من التأثير في ما يسمى بـ”الوعي الاعتيادي” لبعض الأفراد من هذا الجمهور .

   ويمكن لأي متابع لهذه المسألة، سواء عبر ما يتمّ تداوله ونشره في مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) أو عبر بعض الكتابات وبرامج المؤتمرات و”المهرجانات”، أن يقف على حقيقة أهداف هذه الأنشطة  (الثقافية والسياسية والاجتماعية والسّياحية) التي تعمل ضمن مشروع استعماري فرنسي لتفتيت المجتمع وإثارة الفتنة “الصّامتة” بين أبناء الوطن.

      لقد تضاعف عدد الجمعيات “البربرية” واتسعت أنشطتها وتشابكت بين أقطارها الأربعة ( تونس والجزائر والمغرب وليبيا) وخرجت كلها إلى العلن؛ وهي تحاول أن تجعل من هذه “الميثة الأمازيغية ” (الأسطورة) مطية لتحقيق أهداف “الحركة الصهيونية” وحماية مصالح فرنسا في المنطقة. وقد أعلنت تحالف علنا مع هؤلاء الأعداء من أجل توسيع دوائر الصراعات ومساحات التخريب في بلادنا، وتعمل معها على محاصرة القوى الوطنية التي تناضل من أجل التحرّر من كل أشكال التبعية للاستعمار الغربي، مستغلة في ذلك المناخ “اللاّسيادي”  في أغلب الأقطار المغاربية الذي باتت فيه جميع المسارات منفلتة من كل رقابة، وبالاتفاق مع السّلطات السّياسية الرسمية “فرنسيّة الانتماء والتوجّهات”.

   لقد أصبح الحديث عن حقوق “الأقليات” من قبل الدول الغربية في مجرى سياقات الراهن العربي ، وفي ظل صناعة أحداثه، إلى حديث تسويقي وإعلامي تضليلي من أجل شرعنة تدخّلها والتحكم في مصير هذه الأمة. ومن سمات هذا الخطاب التّضليلي أنّه يتغير بحسب تبدل الأحوال والمناطق. فالرّوح الانفصالية والانقسامية  لهذه الحركات تعالت وتكاثفت حملات الترويج لها في أمتنا العربية دون بقية أمم العالم.         وعلى الرّغم من كل ذلك، مازال “العملاء” لم يتخلصوا من حالة الخداع والاتكال على الأعداء ظنّا منهم أن قضايانا الداخلية لا يمكن معالجتها في استقلالية عن تدخّلات الآخرين، ولم يتّعظوا من دروس التاريخ التي تكشف استراتيجية الاستعمار الغربي منذ الحروب الصليبية، وما قاموا به في مختلف الحروب والغزوات؛ فعندما احتلّ الصّليبيون القدس ( معركة حطّين 1187) ذبحوا جميع سكّانها المسلمين واليهود والمسيحيين، ولم يفرّقوا بين طائفة وأخرى.

        لقد عملت السياسة الاستعمارية الفرنسية في المغرب العربي على العزف على وتر”الأقلية الأمازيغية”(البربري) كمجموعة اجتماعية مختلفة. ولبلورة هذا لواقع تم اللجوء إلى سن قوانين ومقتضيات إدارية خاصة بهذه المجموعة السكانية. ويوضح روح هذه السياسة وجوهرها أحد أقطاب الفكر الاستعماري الفرنسي “بول مارتي” (Paul Marty)الذي كتب في إحدى مؤلفاته ما يلي :” إن وضعية فرنسا بالمغرب كي تأخذ صورتها النهائية عليها أن تعتمد على العنصر البربري بعد ان تعمل على إحداث تحولات فيه مغذاة بطريقة وبفكر فرنسيين…وإن سكان امبراطوريتنا الإفريقيين على أنواع مختلفة، فمنهم البربر وهم أقرب النّاس إلينا، ومنهم العرب وهم أقل الناس استعدادا للتقدم.

     ومازالت سياسة فرنسا نابعة من ارثها الاستعماري تنفق أموالا طائلة في سبيل توظيف الشباب في الفتنة الطائفية وافتعال المعارك الداخلية حتى يعم الخراب جميع أقطار المغرب العربي، ويتم إذلال شعوبها واستنزاف ثرواتها وتفكيك هويتها العربية والإسلامية. وباعتبار أن هذه الهوية تستمد قوتها من ثقافة المجتمع ولغته ورموزه، فغالبا ما يختفي هؤلاء العملاء والمرتزقة وراء منظمات اجتماعية وثقافية  و”إنسانية” ليسهل عليهم ممارسة أنشطتهم واستقطاب الشباب في مختلف الجهات، وفي الأرياف والمدن.

      ومن المعروف أنه في فترة المحن تعود مظاهر انتكاسات الأمم وافتعال المعارك والنزاعات، ويتصدع الحس المجتمعي وتنتكس ضمائره البناءة،خاصة وأن وفي علاقتنا ــ نحن العرب ــ بالتاريخ، علاقة التباس تبدو معه ذاكرتنا وكأنها مخزن مشاعر وعواطف، لا مرصد معرفة واستشراف وبناء. فقد نسي الكثير من عملاء الاستعمار أن النبرة السائدة في الخطاب الكولونيالي الفرنسي هي العمل على الدفاع عن حقها في الهيمنة على مستعمراتها السّابقة في إفريقيا، وأن يظلّ “الجنس الفرنسي” صاحب المهمة التمدينية لشؤون شعوبها. ولكي لا تخسر تركتها “المغاربية” عادت إليها ضمن عناوين مختلفة وأنشطة جمعياتية وحزبية لتطعيم مقاربتها الكولونيالية الناعمة. وفي هذا الاطار يتنزل المؤتمر الثامن لما يسمى بـ”الكونغرس العالمي الأمازيغي” الذي يعمل على تدويل القضية الأمازيغية لتتحول تدريجيا  إلى مستوى المطلب السياسي كقضية عرقية انفصالية، ومن خلالها يتم تعميم روح الفتنة  والتوترات الداخلية في بلداننا المغاربية.

        فليست الغاية من هذا المؤتمر والصخب والتعبئة الاعلامية والدعم الخارجي اللامتناهي لاقامته في تونس، هي الاعتراف بـ”الحقوق الثقافية والاجتماعية لـ”الأمازيغ” مثلما يدّعون، وإنّما هدفه الحقيقي هو إعادة إحياء لمشروع قديم ــ جديد يستهدف تمزيق وحدة هذه المجتمعات لكي يتمكن الاستعمار من بسط نفوذه، ولكن هذه المرة عبر وسائط أو”ذخائر  هيمنة” جديدة أهمّها : ذخيرة التّدمير الذّاتي للشعوب.

     وطالما أنّ عدد التجّار “المحلّيين” ( في الدّين والسّياسة) الذين يقتاتون من “الفتنة الطائفيّة” ونشر الخرافات التاريخية، وتبسيط أحداثها وعرضها عبر مختلف الوسائل الإعلامية ( المسموعة والمرئية والألكترونية) قد كثر، فإنّ “الطائفية” تعدّ أحد أهم البضائع الاستثمارية المربحة لهم سياسيا واقتصاديا وثقافيا في واقع عربي غير عادي. وفي ظلّ انتشار الثّمار الفاسدة لهذه الفتنة الطائفية والعقلية العبثية المتزايدة بالأوطان يمكن أن تتحوّل هذه السّلع عبر الكذب وتزييف التاريخ وسيلة شرعية ومتداولة في المعارك الأيديولوجية، وتصبح من خلالها “جهنّم مكسوّة بالمقاصد الحسنة والأفعال الحَسنة، ومنها أيضا يمكن أن تغطي شجرة المطالب “الإنسانية” غابة الخيانة الوطنية.

     في ظل هذا النسق المجتمعي المغل والمغدور الذي لم يعد فاعلا في وطنه، ;وأصبحت فيه بعض الأحزاب والمنظمات تقوم “بدور “النّائبة للفاعل” في تمرير المشاريع والبرامج المسطّرة لعزل القلوب عن العقول، وعزل الأرواح عن الأجساد، وفصل المغرب العربي عن مشرقه، وبدأ البعض يبحث عن “المؤازرة” من الأعداء لتكريس هذه النزعة الانقسامية لتدمير الأمة واستدامة تفككاتها. وقد وصل الأمر بهؤلاء الخونة الذين يعيشون في نوع من الغيبوبة والبلاهة العقلية والسّذاجة الفكرية من إدراك حقيقة المشكلات وطرق حلّها،  فأصابهم العمى الأيديولوجي والمصالح الشخصية ولم يتمكنوا من رؤية الأحداث العربية على وجهها الحقيقي. ونتيجة هذه الهجمة الفكرية والسياسية التي استعملت فيها جميع “ذخائر” التقسيم، في ظل واقع البلاد المتصحر سياسيا والمليئ بالفساد والانحلال،  أصبحت فيه مسألة “الأقليات” شكلا من أشكال “الفيروسات” المعدية والمبيدات القاتلة، ومازالت قادرة على الانتشار والتوالد طالما بقيت الأجواء الحاضنة لها والأحداث المتفاعلة معها قائمة.

     إنّ بلادنا تمر بخطر قد ينسف “استقلالها”، وينبغي أن نكون واعين بهذا الخطر ومواجهته. وقد حان الوقت لتجميع القوى الوطنية الصّادقة لإخراج البلاد من المأزق الذي تردّت فيه بسبب تناحر الأشخاص وتزاحم النفوذ واتساع دوائر الصراع على السّراب. ينبغي أن نقف وقفة عز وكرامة لحفظ الوطن ووحدة شعبه، فلا عدو لنا وجب مقاومته والتصدي لمخططاته إلا الاستعمار وعملائه.

  ونقول لزعماء هذه الحركة وداعميها، في الدّاخل والخارج، إنّ سعيكم مشكور في “التّطييف” من أجل التغطية على الاستعمار لأوطانكم،  وأنّه من لا يعي دروس الماضي، فقد يجازف بتكرار أحداثه، ويظلّ عقله مشلولا وذاكرته مثقوبة وهو ما ينذر بموته وهلاكه قريبا. ومن أشدّ دلائل الموت أن يعيش في هذا العصر( القرن 21)  بعقل وعادات وأخلاق هي أجدر بالعصور الماضية والقرون الخالية المثقلة بالمظالم والجرائم والمذابح والحروب الأهلية، فلا أحد يصدّق أنه “يمكن للمرء أن يسْبح مرّتين في النّهر نفسه” إلا الأحمق الذي لا يقرأ التّاريخ!

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023