عالم اللامساواة: التفاوت في التقدم في العالم (ج-1)…بقلم د. فتحي بوليفه

عالم اللامساواة: التفاوت في التقدم في العالم (ج-1)…بقلم د. فتحي بوليفه

المقدمة

يتسم المجال العالمي بتفاوت واضح في التقدم الإقتصادي و الإجتماعي رغم تضافر محاولات الدول و المنظمات العالمية للحد منه. فماهي مظاهر ذلك التفاوت؟ ماهي عوامله؟ و هل نجحت محاولات الحد منه؟

1- مظاهر تفاوت التقدم في العالم

تتعدّد أوجه التفاوت في التقدّم بين بلدان العالم. فعلاوة عن تباين مستويات التنمية البشرية، أضحى التفاوت التكنولوجي بينها يطرح بشكل ملح ضرورة السعي إلى إيجاد الحلول الملائمة.

1-1- تفاوت مستويات التنمية في العالم

1-1-1-  تفاوت مؤشر التنمية البشرية في العالم

يظلّ التباين السمة الغالبة على المجال العالمي رغم ما سجّله مؤشر التنمية البشرّية من تحسن في أغلب بلدان العالم لا سيما النامية منها. و تصنّف بلدان العالم سنة 2014 حسب منظّمة الأمم المتّحدة إلى خمس مجموعات هي:

* البلدان ذات مؤشر تنمية بشرّية عال جدّا يتراوح بين 0.9 و 0.965 و تضم أغلب البلدان المتقدّمة و بعض بلدان الجنوب ككوريا الجنوبية و تايوان.

* البلدان ذات مؤشر تنمية بشرية عال تتراوح قيمته بين 0.83 و 0.9 و تتكوّن من روسيا و بعض بلدان أوروبا الشرقية والبلدان الصناعية الجديدة مثل البرازيل و كذلك أغلب البلدان النفطية المنتمية إلى العالم النامي.

* البلدان ذات مؤشّر تنمية بشرّية متوسّط يتراوح بين 0.75 و 0.83 و هي في معظمها آسياوية كما تضم بلدانا من أوروبا الوسطى و من إفريقيا منها البلاد التونسية و إفريقيا الجنوبية.

* البلدان ذات مؤشّر تنمية بشرّية ضعيف تتراوح قيمته بين 0.5 و 0.75 و تتكوّن من بلدان شبه القارة الهنديّة ومن أغلب بلدان إفريقيا و أمريكا اللاّتينيّة و آسيا.

* البلدان ذات مؤشّر تنمية بشرّية ضعيف جدّا يتراوح قيمته بين 0.2 و 0.5 و تضمّ بقيّة أقطار إفريقيا جنوب الصحراء علاوة عن هايتي.

يختزل تصنيف بلدان العالم حسب مؤشّر التنمية البشرّية واقع التفاوت في التقدّم و يخفي حدّة الفوارق في توزّع الثروة و في الوضع التعليمي و الصحي و الغذائي بينها.

مؤشر التنمية البشرية في العالم

1-1-2- عالم اللامساواة

يتّسم توزّع الثروة في العالم بعدم تكافئ صارخ إذ تحوز أقلّية من الأثرياء ثروات تضاهي الناتج الداخلي الخام لبعض الأقطار المتقّدمة ولعدد كبير من البلدان النامية . ولم تلبث وضعية التركز هذه تتجه نحو التعمّق خلال العشريتين الأخيرتين في ظلّ العولمة المتنامية. و بينما تستأثر بلدان الشمال بنسبة 80 % من الناتج الداخلي الخام العالمي، لا يتوفر لبلدان الجنوب التي يقطنها حوالي أربعة أخماس سكّان العالم سوى خمس هذه الثروة سنة 2004.

كما يتميّز العالم بمفارقة خطيرة إذ يجاور الثراء الصارخ داخله، الفقر المدقع فبينما ارتفع الناتج الداخلي الخام العالمي بآطّراد، ما زال 1.2 مليار شخص أي ما يقارب خمس سكان العالم يعيشون بأقل من دولار أمريكي في اليوم سنة 2001. ورغم تدرّج ظاهرة الفقر إلى التقلّص يظلّ الفقر متفشّيا في جنوب آسيا حيث يتركّز العدد الأكبر من الفقراء و في إفريقيا جنوب الصحراء حيث تبلغ نسبة الفقراء من مجموع السكان 44 %.

1-1-3- تباين القدرة على تلبية حاجيات السكان الأساسية

إن كانت البلدان المتقدّمة تؤمّن لسكانها حاجاتهم الأساسيّة من الغذاء فإن نقص التغذية يشمل ثلث السكّان بإفريقيا جنوب الصحراء و الخمس بجنوب آسيا. و يسهم ذلك في ارتفاع وفيات الرضّع التي تتراوح نسبتها بقارات العالم النامي بين خمسة و عشرة أضعاف ما هي عليه بالبلدان المتقدّمة. كما تشهد بلدان الجنوب ولا سيما إفريقيا جنوب الصحراء قصر أمل الحياة عند الميلاد رغم ارتفاعه منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين . ولئن ارتفعت نسبة التمدرس في جلّ البلدان النامية فإن نسبة الأميّة ما تزال أرفع ممّا هي عليه بالبلدان المتقدّمة، و هو ما تعيق نشر الثقافة الصحية بين السكّان و الإنخراط في مجتمع الإعلام و المعرفة.

يقترن التفاوت في مستوى التنمية البشريّة بتفاوت لا يقل عنه خطورة في ظلّ عالم أصبح ضمنه التحكّم في التكنولوجيا و المعرفة إحدى مقوّمات القوّة الإقتصادية.

1-2- التفاوت التكنولوجي في العالم

1-2-1- تباين درجة التحكم في التكنولوجيا

تتفاوت درجة تحكم بلدان العالم في التكنولوجيا التي أضحت من أهم عوامل القوّة و النفوذ، فالبلدان المتقدّمة و على رأسها الثلوث تستأثر بأكثر من ثلاثة أرباع إجمالي نفقات البحث و التطوير في العالم سنة 2002 بينما تقلّ حصة قارّتي أمريكا اللاتينيّة و إفريقيا مجتمعتين عن 3 %. و يفضي ذلك علاوة عن تباين نجاعة البحث و التطوير إلى تفاوت في عدد براءات الإختراع المسجّلة لكل مليون ساكن بين بلدان العالم . و تفسّر هذه المؤشرات ضعف قدرة بلدان الجنوب على التجديد و الإبتكار و عجزها على تدارك تأخرها في صناعة التكنولوجيا العالية و تكنولوجيّات الإتّصال و الإعلام الحديثة كما تفسّر الفجوة الرقميّة التي تفصلها عن بلدان الشمال.

1-2-2- الفجوة الرقمية

لئن تحسنّت نسبة الإرتباط بشبكة الأنترنت في البلدان النامية خلال العشريّة الأخيرة، فإن الفجوة الرقميّة ما تزال جليّة. فالبلدان النامية التي يعمّرها زهاء 80 % من سكّان العالم سنة 2004 لا تضّم سوى 37 % من مستعملي الشبكة كما تتفاوت نسبة نفاذ الأنترنت بصورة واضحة بين قارّات العالم حيث تظلّ النسبة دون 3 % بالقارة الإفريقية، بينما ينعم أكثر من ثلثي سكان أمريكا الشمالية بخدمات الأنترنت. و تتأكد خطورة الفجوة الرقميّة لكونها تكتسي بعدا نوعيّا إذ تظلّ قابليّة إستفادة سكان الجنوب من المعلومات والمعارف التي توفّرها شبكة الأنترنت محدودة نظرا لما يتطلبه ذلك من تمكن في الأداة المعلوماتيّة و في اللغة الأنقليزية الغالبة على مضامين الشبكة، زد على ذلك  ضعف دخل هؤلاء السكّان و انتشار الفقر و الأميّة في صفوفهم.

يتبع

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023