عشرة الفجر ..حكمة قائد جهله كثيرون…بقلم محمد الرصافي المقداد

عشرة الفجر ..حكمة قائد جهله كثيرون…بقلم محمد الرصافي المقداد

في تحدّ صريح، صادرٍ عن قائد إسلامي قل نظيره، أعلن الإمام روح الله الموسوي الخميني(1) من منفاه الأخير (2) نوفل لوشاتو Neauphle-le-Château بفرنسا(3)، عن قراره بالعودة إلى إيران، للوقوف إلى جانب شعبه في هبته الثورية، التي ازدادت تأججا واشتعالا مع سقوط مزيد من الشهداء، بنيران أسلحة قوات الشاه محمد رضا بهلوي(4)، وورود خطابات الإمام الخميني في أشرطة كاسات مسجّلة، كانت تُطبع وتُوزع في سرّيّة تامة بين مختلف جهات إيران، وهو عمل ثوري جليل، دأب على القيام به إيرانيون، مؤمنون بجدوى قيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه، ومستعدّون للتضحية من أجل فكره الأصيل، المستمدّ من إسلام أهل البيت عليهم السلام.

لم تكن التهديدات التي أطلقها شهبور بختيار(5)، رئيس حكومة الشاه الفارّ من إيران، بإسقاط الطائرة المقلة للإمام الخميني، لتغيّر شيئا من قرار القائد بالعودة إلى أيران، ولا من المساعي الحثيثة التي بذلها التاجر المؤمن الإيراني بتأجير طائرة، ودفع تكاليف تأمينها المشطة على حسابه، لتتِمّ الرحلة التاريخية التي غيّرت وجه بلاد فارس، وتتحقّق بفضل الله عودة الإمام الخميني رضوان الله عليه، ونزوله على أرض مطار مهرباد بالعاصمة طهران، ليجد أمواجا بشرية مرابطة حول المطار وفي الشوارع المؤدية إليه حتى جنة الزهراء مقبرة شهداء الثورة.

في ذلك الوقت ووسط تلك الأجواء الصاخبة، المعبّرة عن عزيمة قائد حكيم، وجّه جهوده للمضيّ بإصرار على نهج الثورة الإسلامية، ومع احتمال أن يقع إسقاط الطائرة بعد دخولها الأجواء الإيرانية، كان الإمام الخميني هادئا تماما، مستغرقا في أذكاره وتأمّلاته، متفكّرا فيما يراه صالحا لاستكمال ثورة شعبه، كان المرافقون من صحفيين وغيرهم بين متخوّف ومتوجّس، من سلامة الرحلة وحسن نهايتها، رجل واحد مع مرافقيه من علماء إيران فقط، كانوا هادئين مطمئنّين، ذلك بانّهم فتية آمنوا بربّهم فزادهم هدى.

يوم عودة الإمام الخميني رضوان الله عليه من منفاه، ونزوله على أرض بلاده بعد 16 عاما، قضى حوالي 15 سنة في النجف (العراق) قدّم فيها دروسه الفقهية المعمّقة لطلبة البحث الخارج في الحوزة العملية، ومنها دروس الحكومة الإسلامية (ولاية الفقيه)، يُرى ذلك اليوم، على أنه يوم من أيّام الله الكبرى والعظيمة، قد يراه من لم يتعرف على هذه الشخصية العلمائية الفذّة المباركة، من خلال سيرتها وتاريخها مبالغة أو قولا شططا، لكنه لو يتحلى بشيء من الإنصاف فسيأسف حتما لتفريطه في معرفة رجل فقيه ومجتهد، وصاحب عرفان وفكر إسلامي أصيل، وسيندم على فواته لكنز معرفيّ نادر في عصرنا هذا.

شخصيّة الإمام الخميني، جاء ذكرها في حديثين من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله، بصيغة رجلٍ بقوله لو كان الدين بالثريا لذهب به رجلً من فارس(6) بعد نزول آيتين من وحي الله سبحانه، هما قوله تعالى: ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)(7)، وفي رواية أخرى أخرجها البخاري: ( لو كان الإيمان عند الثريا  لناله رجال أو رجل من هؤلاء) (8) في مقام تفسير قوله تعالى: ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) (9) كما جاء في المصادر الروائية للمسلمين الشيعة، سند ينتهي إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام، عن آبائه الكرام عليهم السلام قوله: (رجل من قم يدعوا الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح والعواصف، لا يملّون من الحرب ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين.)(10)

أمريكا والصهيونية العالمية المتحكمة في دول الغرب وسياساتها، يدركون جيّدا ما يمثّله الإمام الخميني رضوان الله عليه من عقبة كأداء، في مواجهة مشاريع هيمنتهم على دولنا الإسلامية، قد عجزوا تماما على النّيل منه ولم يجدوا سبيلا للخلاص من دعوات إصلاحه الثورية، بغير الدعاية المغرضة بحقه، فسلطوا عليه سفهاء الاعلام وأدباء السفاهة، للحط من مقامه بين أفراد شعبه وباقي المسلمين، فلم يفلحوا في محاولاتهم البائسة، وقد تفطّن الشهيد السعيد محمد باقر الصّدر لتلك المحاولات التشويهية فقال كلمته الشهيرة: (ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام .. كيف تطلبوا مني أن لا أؤيد الإمام الخميني وقد حقق ما كنت أرجوه وأسعى اليه؟ إنكم تطلبون المستحيل ولن أبخل بحياتي إذا توقف عليها تحقيق هدفي.) (11)

طبيعي أن لا ترى دول الغرب وعملاؤها من عرب الجاهلية الحديثة حقيقة الامام الخميني، ليس كقائد ثورة إسلامية أدارها بنجاح تامّ، لم يسبق لمثيلتها وقوع في عصرنا هذا، ولا في العصور الماضية، مع أنّ هؤلاء الذين تحالفوا على عداوتها ومحاربتها، مدركون جميعا أهمّيتها كحركة عقائدية، مشمولة بعناية غيبية، عجزوا عن تفسيرها، هذا الجانب الغيبي المتمثل في البشارة بها، وما تلاه من حفظها في أعسر الأوقات وأشدّ الاعتداءات، وما استتبعه من التوفيقات الإلهية، التي تحقّقت على أيدي علمائها وخبرائها من خيرة أبنائها، إنّه السرّ المكنون الذي لا يفقهه إلّا من استوعب قلبه وعقله شخص هذا الوليّ العرفاني، وفكره الإسلامي الأصيل، فليغنم من عرف حق هذا الرجل الرّباني من معين فكره، ويطيب عيشا بين مؤلفاته العلمية العرفانية، وفي كنف دولته قلعة الأحرار، ومشاريعها الصادقة في تحرير مستضعفي شعوب العالم، وفي مقدّمتهم الشعب الفلسطيني، وليت بقية المسلمين يتخلون عن حجب مفتريات الغرب، فيبصرون بعد ذلك الإمام الخميني بعقول غير ملوّثة بسخافات أعدائه، رحم الله الإمام الخميني ورفع درجته، وألحقه بآبائه الكرام البررة.

المراجع

1 – روح الله الخميني https://ar.wikipedia.org/wiki/

2 – النفي إلى باريس http://ar.imam-khomeini.ir/ar/n4380/

3 – نوفل لوشاتو https://ar.wikipedia.org/wiki/

4 – محمد رضا بهلوي https://ar.wikipedia.org/wiki/

5 – شابور بختيار https://ar.wikipedia.org/wiki/

6 – صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل فارس ج7ص191ح2546

7 – سورة محمد الآية 29 / سنن الترمذي أبواب التفسير ومن سورة محمد ج5ص303ح3260

8 – صحيح البخاري كتاب التفسير /سورة الجمعة باب قوله تعالى (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)ج6ص151ح4897

9 – سورة الجمعة الآية 3

10 – بحار الأنوار ج57 ص 216 ح 37/

11 – هكذا قالوا في الخميني https://www.taghribnews.com/ar/news/132494/

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023