في الذكرى الرابعة لاستشهاد الحاج قاسم سليماني…بقلم محمد الرصافي المقداد

في  الذكرى الرابعة لاستشهاد الحاج قاسم سليماني…بقلم محمد الرصافي المقداد

عظماء الأمة الإسلامية كثيرون، تركوا بصماتهم في تاريخنا الإسلامي، ومثلوا مفاخر عصورهم، بما قدّموه من انجازات جليلة، وختموه من تضحيات عظيمة، مثّلت رصيدا علميا وجهاديا، يراه من اعتمدهم قدوات الأجيال اللاحقة، نماذج يجب أن تأخذها بعين الإعتبار، فليس هناك أكثر قيمة من الأمثلة الحاصلة لها، والمضروبة من تاريخها، عناوين مجد وسؤدد، تستقي منها نماذجها، لتكون قدواتها في إثبات مدى تعلّقها بدينها، وما يمكنها أن تقدّم من أجله.

ولست هنا بصدد تعداد عظمائنا القدامى، فهم كُثر بدأ من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة الطاهرين من أهل بيته عليهم السلام، وخصوصا الإمام الحسين عليه السلام، الذي وضع من خلال تضحيته بنفسه وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، يوم عاشوراء سنة 61 من الهجرة في كربلاء، حجر الأساس لمدرسة التضحية والشهادة في سبيل الله، وإصلاح ما افسده الظالمون من دينه،  فكان بحقّ مُلْهم الأحرار وقُدْوة الثوار، لمن جاء بعده من أهل الدين والصلاح، اقتبسوا من سيرته حرَكتهم الواعية إلى الله، وتجارة لن تبور معه، قدّموا فيها دماءهم وأرواحهم رخيصة في سبيل إعلاء كلمة دينه.

وإنما سأجدد العهد – وإن كان جديدا – في هذا المقال، مع مثال معاصرٍ لأجيالنا الحالية والمقبلة، وهو مثال جدير بأن تقع دراسته، لاستخلاص العبرة منه، كإنسان مثالٌ في أسرته ومجتمعه وبلاده، وكرجلَ جهاد قضى حياته في خدمة دينه، وتفانى في التضحية من أجله، حتى ختم الله له بحسنى الشهادة، وكانت بحقّ نعم الشهادة، لم يكن معروفا من قبل، وحتى بعد أن بدأ اسمه بالظهور، لم يكن يرغب في ذلك، وكان يبذل ما في وسعه، بأن يمضي في أداء واجباته، في طيّ السّرّية والكتمان غير معروف، حتى أنه كان يرفض أية إجراءات أمنية حوله، بسيط إلى درجة أنه يتجنّب الإحتكاك بالناس في مسجد الإمام الخميني بسوريا فينزوي عنهم، وإذا حضرت الصلاة، يقوم إلى الصف الخلفي فيصلي فيه.

الحديث عن الشهداء وتناول سيرهم، يأتي من باب واجب تذكّرهم، والتأسّي بمواقفهم وما قدّموه من تضحيات في سبيل الله، القدماء منهم والمعاصرون، وعلى مرّ التاريخ، لم تنفكّ قوافلهم من التتابع والتوالي في الزمن والأهداف، ولوْلا هؤلاء الأبرار الأخيار – الذين آثروا ترك بصمات جهادهم – لما وصلنا دين الله الخاتم، حصينا منيعا من البدع والضلالات، ولما تواصل هذا المدد الصالح، الذي ميّز الإسلام المحمدي الأصيل بجهاد الظالمين على غيره، فكان في كل عصر عالم يهدي الى الحق بعلمه ومعرفته، وثائر يعمل على التغيير بيده وسيفه وجهاده، لم ينفكّ منهما زمن من الأزمنة، استقرت في قلوب أهله، حقيقة ولاية الإمام علي والأئمة من أهل بيته عليهم السلام.

 

وكما أُثِر (إن الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)(1)،  فإنّ في عصرنا ظهر رجل عالم فقيه مجتهد في قوم سلمان المحمدي، هو روح الله الموسوي الخميني قاد حركة ثورية جهادية ( 1963/1979)، افرزت انتصارا باهرا على أكبر عملاء أمريكا الشاه بهلوي، وأقام على أنقاض حكمه نظاما إسلاميا، وافق عليه الشعب الإيراني في استفتاء مشهود وبنسبة عالية لم يكن يتوقعها أعداء ايران 98.2% (2) وأثبت بمرور الأعوام كفاءته وجدارته.

وكان طبيعي أن يُقابَلَ اختيار الشعب الإيراني بحملات دعائية مغرضة واعتداءات عسكرية، افرزت بدورها رجالا سطروا بطولات عديدة، منهم من حَظِيَ بالشهادة، بعد استبسال وتضحيات جسام، ومنهم من بقي ينتظر دوره: ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) (3) من هؤلاء الرجال الشهيد قاسم سليماني (ولد في 11/3/1957)، أسهم في الثورة الإسلامية، ثم انخرط في سلك الحرس الثوري، وشارك فعالية في الحرب المفروضة على إيران، بعد العدوان الصدامي على أراضيها (1980/1988)، ومع كل بلائه الذي أبلاه، لم يسعفه الحظ بالشهادة، والتحاق رفاقه من فوج كرمان، لكنه في المقابل انجز مهام كثيرة على جبهة الحرب، وتدرج في رتبه العسكرية الى أن أصبح برتبة لواء.

تحدّثوا عن الحاج قاسم فقال منهم من قال:

(شريك الحاج عماد مغنية في الدفاع عن لبنان في حرب تموز – آب 2006، والداعم الاول للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي – البريطاني للعراق، ومهندس خطوط الدفاع عن دمشق، والشريك الميداني للرئيس السوري بشار الأسد في المعارك السورية الكبرى (كمعركة استعادة حلب، على سبيل المثال لا الحصر)، والرجل الذي فاوض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقناعه بالتدخل في سوريا، وشريك مدير الاستخبارات التركية حقان فيدان في تسويات الشمال السوري وغيرها، وصلة الوصل الأولى بين إيران وفصائل المقاومة الفلسطينية. في عهده تحوّلت قوة القدس في الحرس الثوري إلى قوة عسكرية إقليمية عظمى، تعمل كقوة إسناد حربي و«لوجستي» في المناطق الممتدة من اليمن جنوباً، إلى ما بعد العراق شمالاً، مروراً بلبنان وسوريا وفلسطين، وخاصة في قطاع غزة حيث له نصيب كبير في تطوير قدرات المقاومة. في سوريا والعراق)(4)

لكن الأساس الذي يجب أن يذكر بشأن هذا الشهيد، أنه خريج مدرسة الشهادة والإباء، مدرسة كربلاء الإمام الحسين عليه السلام، ألا ترون إلى قائده العظيم الإمام الخميني عندما صرّح  معبّرا عن هوية الثورة الإسلامية الإيرانية قائلا: ( إنّ كل ما لدينا من محرّم وعاشوراء) (5) فالقائد الشهيد المغدور حسيني الهويّة كربلائي التضحية تقطّعت أوصاله واختلطت مع أوصال رفاقه في السيارة بصاروخ غادر، اطلقته عليه طائرة مسيرة أمريكية، بعد وصوله الى بغداد قادما من سوريا، في مهمّة دبلوماسية خارج مطار بغداد، بعملية غادرة سوف تكلف الأمريكيين غاليا، والحساب مفتوح الى وقت سقوط الكيان الصهيوني ومعه النظام الأمريكي، وهو ثمن دم الشهيد السعيد اللواء الحاج قاسم سليماني ولا أقلّ من ذلك.

المصادر

1 – سنن أبي داود أول كتاب الملاحم ج4ص313ح4291

2 – الاستفتاء الدستور الإيراني ديسمبر 1979 https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 – سورة الأحزاب الآية 23

4 – استشهاد سليماني والمهندس .. إنها الحرب https://almersad.net/16372-

5 – كل ما لدينا من محرم وعاشوراء

http://ar.imam-khomeini.ir/ar/n6351/

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023