في تحرير الأفكار من سلطة الأدلجة…بقلم: سيرين الخضراوي

في تحرير الأفكار من سلطة الأدلجة…بقلم: سيرين الخضراوي

الحداثة، التنوير، اللائكية، العلمانية ..”هي مجموعة من المفاهيم ولدت في بيئة غربية لتقاوم جميع أشكال الاضطهاد الديني والسياسي وتضع حدا للحروب المذهبية ولكل أشكال العبودية حيث دعت إلى المساواة بين الناس وحق الشعوب في تقرير مصيرها. ورغم أن الثورات الأوروبية أًسست على شعارات الأنوار “الحرية والتسامح والمساواة” إلا أنه في بداية القرن العشرين تفاجأ العالم بظهور أنظمة شمولية كالنازية والستالينية. وكذلك تحركت أساطيل الحرب الغربية لاستعمار الشعوب غير الأوروبية رافعة شعار الأنوار. لذلك هذه الشعارات أصبحت تحرك شعور الازدراء في نفوس السكان الأصلين الذين وقع استعمارهم من قبل الإنسان الأوروبي الذي يدعي انه قدم من أجل نشر الأنوار. وبعد خروج الاستعمار العسكري بقيت هذه المصطلحات تعاني من التلاعب التوظيفي للصراعات الأيديولوجية في الرقعة الجغرافية للعالم العربي والإسلامي ونفهم الأسباب التي تجعل الشعوب المستعمرة تحمّل أسباب هزائمها لهذه المفاهيم وأن يتسع قاموس الشتائم العربية ليشمل عبارات علماني وحداثي لترادف معاني كافر وخائن واستعماري.
وهذا ما جعل الحديث عن هذه المفاهيم يشكل صعوبة لدى الباحث الذي سيواجه الاتهامات من كل صوب. ولأن المعرفة والإبداع لن تكون بدون حرية وشجاعة فالباحث الحقيقي هو الذي يتجرأ على الإفصاح عن نتائج بحثه وكسر القيود التي يضعها المجتمع من أفكار شائعة ومؤدلجة. ما لاحظته من اختلاف في المسميات والتعريفات اللغوية وحتى الاصطلاحية لهذه المفاهيم في النصوص العربية هو نتيجة معاناة الكاتب العربي لمحاولة التبرير أو إقناع القارئ بان هذه المصطلحات مخالفة تماما لمعانيها في الاستعمالات السياسية المستهلكة ومخالفة لتعارفيها الشائعة. فنجد عبد الوهاب المسيري يدعو إلى ضرورة التفريق بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة حيث يتبنى العلمانية الجزئية ويرفض العلمانية الشاملة. ومحمد اركون دعا الى ضرورة التفريق بين ما أطلق عليه علمنة وبين العلمانوية الكاريكاتورية ودعا إلى التفريق بين الحداثة الزمنية والحداثة المعاصرة. حسن حنفي دعا إلى تأسيس علمانية إسلامية أو إلى ما سماه علمنة الإسلام. ومحمد عابد الجابري الذي دعا إلى الديمقراطية والعقلانية تجاوزا لصراع الحداثة والتراث.
هناك من اختار لفظ المعاصرة ومنهم من اختار التأصيل بدل العلمانية. ومن خلال قراءتي لمشاريعهم أعتقد انه بالرغم من الاختلافات الكامنة بين مقاربتهم إلاّ أن جميعهم يحاولون بناء علمانية دينية أو حداثة دينية تراعي سياقات الحضارة العربية والإسلامية ولكن كل منهم سلك هذا الطريق بطرق ووسائل مختلفة.
وسط هذا الزخم الكبير للمشاريع العربية التي تجتهد في الخروج من ثنائيات الإسلامي والعلماني اخترت نصين الأول للمفكر العربي محمد أكون “العلمنة والدين” الذي يقاوم ثنائية الإسلام الأرثوذكسي والعلمانوية الكاريكاتورية. لماذا أركون؟ لأن اركون يعتبر أن الحداثة كونية ولا تخص أوروبا وحدها ولا ترتبط بحقبة زمنية محددة ويعتبر الجاحظ حداثيا رغم عدم معاصرته لنا وهو يدعى للفصل بين العلمنة بصفتها موقفا أمام مشكلا ابتستيمولوجي وبين العلمانوية المناضلة التي تحارب وتستبعد الظواهر الدينية من الحياة ومن البحث العلمي.
أمّا النص الثاني للمفكر الغربي تزفيتان تودوروف من أجل رفع عديد المغالطات والأفكار المسبقة عن الأنوار فهو يدعو إلى التفريق بين أفكار الأنوار التي رفعها روسو وفولتير وديدرو وكانط وبين الممارسات السياسية الخائنة للأنوار والتي رفعت شعار الأنوار ومارست سياسيات استعمارية مخالفة تماما للأنوار. وكذلك يعتبر أن الأنوار كونية وظهرت في شعوب أخرى بطرق مغايرة عن ظهورها في أوروبا.
نحن المسلمون كذلك علينا التفريق بين الإنتاج الفكري للحضارة العربية في العصر العباسي وبين سياسات الدول في الحضارة الإسلامية المستبدة والمضطهدة لشعوب الأخرى منذ سقيفة بني ساعدة مرورا بالدولة الاموية والعباسية والعثمانية. كذلك شأن الأنوار في أوروبا علينا أن نفصل بين فكر الأنوار وبين السياسات الخائنة لفكر الأنوار والتي استعملت الأنظمة الفاشية والشمولية.
وتعمدتُ اختيار نص عربي ونص غربي من أجل ترسيخ ثقافة الخروج من عقدة الجغرافيا أي للخروج من فكرة التضاد بين فكر عربي وفكر غربي اعتقادا مني انه بالإمكان ان يكون التفكير بينهما متكاملا لا متضادا بالضرورة.
1- العلمنة والدين محمد اركون :
يقول أركون:” العلمنة هي موقف للروح وهي تناضل من أجل امتلاك الحقيقة أو التوصل للحقيقة ”
نبدأ أولا بتعريف المصطلحات كما عرفها أركون.
يعرف العلمنة فيعتبرها هي التي تساعد على نشر ما نعتقد انه حقيقة في الفضاء الاجتماعي. ولكن العلمنة تواجه تحديين
التحدي الأول كيف نتوصل إلى معرفة تحظى بالتوافق الذهني والعقلي لكل النفوس السائرة بغض النظر عن اختلافها.
أما التحدي الثاني: هو إيجاد وسيلة ملائمة لإيصال ما توصلنا إليه إلى الآخر دون تقييد حريته.
وكل ما عدا هذا من تفاسير يعتبره أركون هو نتاج صراعات العلمانية والمضادة للعلمانية. والمشكلة التي تواجهها العلمنة من الطرفين
الطرف الأول: المسلمون المغتبطون بيقينياتهم الدوغمائية
الطرف الثاني: العلمانيون المتطرفون أو ما يسميهم العلمانيون الصراعيون نجدهم يخلطون بين العلمنة الصحيحة وبين الصراع ضد طبقة رجال الدين.
الفرق بين الحداثة الزمنية والحداثة المعاصرة
المعاصرة بديل عن الحداثة
كما يصنف أركون الحداثة إلى حداثة زمنية وحداثة معاصرة. ويعتقد أن الحداثة يمكن تصورها ضمن مفهوم خطى من التسلسل الزمني والمتدرج للروح البشرية .بمعني أن من يعيش في عصرنا اليوم هو بضرورة أكثر تقدما وحداثة ممن عاش في العصر السابق كما يدعوا إلي استعمال لفظ “المعاصرة” بدلا من الحداثية لأنه يعتبر الجاحظ بمواقفه الحداثية حداثيا رغم عدم معاصرته لنا كما أن مواقف المعتزلة أيضا اعتبرها تختزل مواقف حداثية في القرن الثاني الهجري
الإسلام الحداثي والإسلام الكلاسيكي
في المقابل يصنف الاشعرية التي يعتبرها الخط التيولوجي الرسمي الإسلام الأرثوذكسي وهذا الخط هو الذي أدى إلى الإسلام الجامد الذي نعاني منه اليوم.
وهنا نفهم انه ينتقد الإسلام الكهنوتي الذي يحتكره الفقهاء الذين أغلقوا باب الاجتهاد والى اليوم يعالجون المسائل الفقهية بمصطلحات اجتهادات القرن الأول ويقدمون تفاسير لم تعد تتماشى مع عقل اليوم كما يثني على الإسلام الذي سلكه المعتزلة وهو الإسلام الذي أسس علم الكلام وردَ على الفلسفة اليونانية
– محمد اركون يرفض العلمانوية
كما يتبنى أركون العلمنة التي يعتبرها هي التي تساعد على نشر ما نعتقد انه حقيقة فالفضاء الاجتماعي وهي التي تناضل من اجل امتلاك الحقيقة وإيصالها إلى المجتمع دون تقيد حريته
وفي المقابل ينقد الموقف العلماني الذي يعيش بشكل مواز للموقف الديني والذي تنتج عنه صراعات لا مبرر لها. وتبقى بعيدة كل البعد عن ساحة الموقف العقلي الذي يتبناه اركون.
وهكذا يرفض العلمانوية المناضلة (Laïcité militante ) التي ظهرت ردا على السلطة الكهنوتية وأصبحت هذه العلمانوية المناضلة والماركسية تدعم بعضها البعض واعتبر هذا اختراع إيديولوجيا تبشريه تحذف الظاهرة الدينية من ساحة اهتماماتها .
يتبنى أركون العلمنة كما يواجه العلمانوية المناضلة التي تريد استبعاد الدين فهو يدعوا إلي دراسة الوحي بكل قوته وتأثيره على المسار التاريخي للشعوب والثقافات والنفسيات وأنظمة الفكر.
أركون يقاوم العلمانوية و الإسلام الارثودكسي
يعتبر أركون أن كمال أتاتورك نموذج” الكاركتورية العلمانوية” ويعتقد أن الدولة العباسية هي دولة حداثية رغم عدم معاصرتها” و المرابطون نموذج الإسلام الشعبي.
كما يعتبر أن الحضارة العربية الإسلامية قد بلغت أوجهها في بغداد أيام العباسيين في ذلك الوقت . نشأت وتطورت حركة انسنة عربية حقيقة. وقد كانت هذه الحركة الإنسية منفتحة جدا وليبرالية جدا أيضا. كما كانت مرتكزة على عقلانية حقيقة ومصحوبة بتصور واسع ومنفتح الإنسان (أو للشخص البشري) . ولكن هذه المكتسبات الهشة أو حديثة العهد سرعان ما وجدت نفسها خاضعة لضغوط موجات الغزو الآتية من الشرق والغرب على سواء. ينتقد أركون المرابطين ويعرفهم على النحو التالي:
هم أناس يعرفون بعض مبادئ الدين القليلة وقد تعلموا بشكل تقليدي ثم راحوا يستوطنون في وسط القبائل وفي القرى والأرياف. وقد عرفوا كيف ينخرطون في أوساط السكان الريفيين الذين لم يلمسهم الإسلام الرسمي العالم والفصيح إلا قليلا فقد كانوا من متأثرين بثقافتهم المحلية وعقائدهم السابقة على الإسلام.
وكان المرابطون مزودين بمعارف بيولوجية أو لاهوتية فطرية أو بدائية . وكانوا يتصرفون كمبشرين في الأوساط والبيئات العنيفة ( أي ذات التراث العتيق جدا ) وقد لعبوا دور التأطير السياسي والإيديولوجي للسكان ثم أصبحوا وسطاء سلام مابين السلطة المركزية في ظل الاستعمار. والواقع أن الإدارة الاستعمارية قد أجبرت السكان على لانغلاق على أنفسهم أكثر فأكثر وعلى التوجه نحو السلطات المحلية والخضوع لها. وكما هو معروف أن حركات التحرر الوطني التي جاءت في ما بعد قد اصطدمت بهذا الإسلام الشعبي المدعوم ثم زادت من حدة الصراع القديم بين الإسلام العالم والإسلام الشعبي .
وهنا أركون يمجد الفكر الإسلامي في عصر النهضة وينقده في عصر النكبات والاستعمار.
يعتبر أركون أن تجربة أتاتورك هي التجربة الوحيدة للعلمنة الجذرية في مجال الإسلام. وهذه العلمنة المعادية للتقاليد بشدة وبنوع من التطرف أيضا في الواقع أن أتاتورك كان قد تكون معرفيا وتدرب في الأكاديمية العسكرية بتولوز في نهاية القرن التاسع عشر. وقد غطس كليا قي خضم الايدولوجيا الوضعية التي كانت تسيطر على فرنسا كليا آنذاك. وبعد إن تزود بأفكاره وتقنياته العلمانية عاد إلي تركيا حيث استولى على السلطة بعد الحرب العالمية الأولى وراح يلقي الطربوش والزى التقليدي كله من اجل فرض القيم الأوروبية والبنطلون ثم منع إطلاق اللحي والشوارب وحذف التقويم الإسلامي والحروف العربية في الكتابة .
كما منع التعليم الديني في المدارس … يقول أركون هذه الصورة الكاريكاتورية للعلمنة التي تختبئ وراء مثل هذه القرارات التي شكلت وصاغت وجه تركيا كما عرفناها عام 1950.
في اعتقاد أركون أن هذه العلمانوية المتطرفة هي التي ساهمت في إنتاج فيما بعد حركات الإسلام الكلاسيكي.

2- روح الأنوار لتودروف
كتب تزفيتان تودوروف كتابا تحت عنوان “روح الأنوار” حاول من خلاله تقييم نقد الأنوار وإعادة النظر للاتهامات التي تنسب للأنوار في كونها المسؤولة عن ظهور الأنظمة الشمولية والاستعمار. هو يتخذ طريقا آخر يقف في وجه البنيويين وتفكيكين وما بعد حداثيين ويدعو الى الإنسية الجديدة ” un nouvel humanism”. تودروف يشق طريقا جديدا مختلفا حينما يدافع عن الشعوب غير الأوروبية والتي تضطهد من قبل العولمة المتوحشة. هاشم صالح يصف كتاب روح الأنوار قائلا “: نصوص كبرى تخاطب المستقبل. ويصف تودردوف : رحل وهو يؤمن بأن التنوير لا يزال أمامنا وليس خلفنا”.
فالإشكالية الأساسية المطروحة في كتابه كيف للأنوار التي أسست للإنسان والحرية والمساواة أن تسّحق الإنسان؟
تودوروف اعتبر أن الممارسات السياسية الغربية هي ضرب من الخيانة والتحريف للأنوار، والوفاء للتنوير يكون عبر نقد هذه الممارسات التي أدت إلى ظهور الأنظمة الشمولية والكولونيالية، تودوروف يدعو للتفريق جيدا بين الواقع الحضاري بمواقفه السياسية وبين المراجع الفكرية.
كذلك تودورف لا ينتصر إلى المركزية الغربية في احتكارها لفكر الأنوار بل يعتبر أن فكر التنوير هو إنساني وحضاري وكما تحدث أيضا عن التنوير العربي. ويعتبر أن فكر الأنوار ظاهرة عالمية ” منذ القرن الثالث ق م في الهند وتحديدا في النصائح الموجهة إلي الأباطرة أو في المراسيم التي يوزّعها هؤلاء. كما نجد آثاره لدى المفكرين الأحرار في الإسلام خلال القرنين الثامن والتاسع وخلال فترة التجديد التي شهدها الكونفوشيوسية تحت حكم الصنغ. في الصين خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر وفي الحركات المناهضة للرق في افريقيا السوداء خلال القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر.”
يشير تودروف الي عائق أمام التحديد الدقيق للأنوار. ويعود لتعددية الأفكار داخل فكر التنوير. ولكن هناك أسس لا يختلف حولها وهي، كالنقد والتشكيك، وعدّم تقديس أية عقيدة وأية مؤسسة، الانتقال من السلطة فوق الطبيعية إلى السلطة الطبيعية.
يتحدث عن مشروع الأنوار ليس الحقبة الزمنية محددة ولا فيلسوف بعينه بل يقصد من مشروع الأنوار هي الأفكار الكبرى التي بدأت مع أواخر العصر الوسيط.

ويحاول تجميع أهم مكاسب الأنوار:
إفراز عالم بدون أوهام désenchantement حيث يصبح العالم خاضع لقوانين الفيزياء، الانتقال من سلطة تخضع للوصاية الدينية إلى سلطة تسيير قوانينها وقيمها بوسائل بشرية حيث يصبح الإنسان هو الغاية ومن ثم يصبح توجه سلوك الناس نحو التسامح الديني وحرية المعتقد، والانتقال من مركزية الله إلى مركزية الإنسان، وانتقلت مصادر المعرفة من معرفة مصدرها الوحي إلى معرفة مصدرها العقل والتجربة، وكذلك تحقق الفصل بين الزمني والروحي، الشعب مصدر السلطة، الحرية الفردية، تعددية وتوازن بين مختلف السلط.
العدالة بمعني التحول من فكرة الإثم إلى الجريمة في حق المجتمع، من السلطة التعليمية للكنيسة إلى المدرسة حيث التعليم إجباري ومجاني، ظهور الصحافة وأصبحت تجري مناقشات متعلقة بالشأن العام بشكل مطروح للعموم كذلك تحقق مكسب الحرية الاقتصادية: مرور البضائع، وحرية التنقل، قيمة العمل. ظهور المناظرات الاجتماعية في الفضاء العام، تحرير الفن من السلطة بمعني لم يعد الفنان يرسم الملك والإله بمعني تحرر الفن من السلطة الدينية والسلطة السياسية وأصبح موجها للجمهور
” وعلى هذا الأساس يعتبر فكر الأنوار مذهبا إنسيا ” humanismte” أو مذهبا يقوم على مركزية الإنسان”
البحث عن قيمة السعادة لم يعد جرما. قبل الأنوار كان الباحث عن السعادة الدنيوية يتهم بالأنانية ووحدها السعادة الجديرة بالاحترام هي السعادة في الآخرة. من حق الإنسان الاعتناء بحياته الخاصة. حق الحياة عبر إلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء التعذيب واعتباره غير شرعي
أصبح الانتماء إلى الجنس البشري وإلى الإنسانية صفة كونية عوض الانتماء إلي المجتمع.
المساواة في الحقوق وهذه المساواة نابعة من الكونية. أصبح الحديث لأول مرة عن المساواة بين المرأة والرجل. إلغاء الرق. الاعتراف بكرامة الفقراء والمساكين. الأطفال أصبح الحديث عنهم باعتبارهم أشخاصا. الكف عن تقييم الشعوب بمقاييس ثقافية أخرى. أصبح الحديث عن التعددية الديمقراطية التي تمارس فيها سيادة الشعوب. احترام الحريات الفردية. الحقوق العالمية للإنسان. المساواة أمام القانون قاعدة في كل دولة قائمة. انشغال المرء بسعادته الشخصية ورفاه العيش للجميع. فالدولة انتقلت من غاية إرضاء الله الى تحقيق رفاهة الإنسان.
النهضة وقعت على جميع الأصعدة بيولوجيا مع داروين، فيزيائية مع نيوتن وكذلك الشأن في علم الاجتماع وعلم النفس.
لكن ما تفاجأ به القرن 20 هو مجازر الحربين العالميتين، الأنظمة الشمولية في أوروبا وخارجها، اختراعات التقنية سرعان ما أصبحت المساهم الأساسي في الحروب الدمار الشامل، قنابل نووية.
وفجأة ظهر التاريخ كأنه يسير نحو الأسوأ وكأن روسو كان مصيبا في دعوته للرجوع للحالة الطبيعية من أجل أن يحقق الإنسان أكثر سعادة. فالحضارة حسب روسو لم تزد الإنسان سوى التعاسة.
فالتطور التكنولوجي أدّى الى هيروشيما. التطور التكنولوجي أدّي الي تفاقم البطالة حيث عوضت الآلة الإنسان العامل.
المشكل هنا يحدده تودوروف على النحو التالي:” مما دفع الكثيرين الى الكف عن الانتساب إلى الأنوار وصارت الأفكار التي تتضمنها كلمات من قبيل “إنسية”، ” تحرر”، ” تقدم”، ” عمل” ” إرادة حرة” ” فاقدة لكل اعتبار”
يدعو تودوروف لتأسيس أنوار جديدة لست مقلدة للأنوار بل ناقدة لها
• الرفض والتحريف:
الأنوار عرفت معارضة شديدة أولا من الكنيسة حيث استبدل الله بالإنسان ثانيا لأن الثورة اتهمت بالإرهاب لأنها انتجت اراقة الدماء. ثالثا لأن تمجيد الوحدة في المبادئ المثل العليا للمجتمع فتعرضت فكرة التعددية للفرض.
رفص التنوير لم يكن موجها للتنوير إنما كان موجها للكاريكاتورية التنوير إلى نسخة مشوهة من التنوير.
1- النقد الموجه للأنوار:
أهم نقد يوجه للأنوار هو الاستعمار. اعتقاد أوروبا انها أرقى من الشعوب الأخرى ومن واجبها نشر التنوير. وأهم من ساند مبادئ الاستعمار هو جيل فيري وتوكفيل.
2- النقد الثاني الموجه للأنوار: الأنظمة الشمولية. فأتهمت الأنوار بأنها انتجت ستالين وهتلر
3- النقد الثالث الموجه هو التسيب الأخلاقي
بما أن قوانين التاريخ بشرت باندثار البرجوازية هذا ما جعل الشيوعيين يقومون بحملة إبادة ضدهم. وبما أن البيولوجيا الدارونية قالت بنظرية البقاء للأصلح فالنازية اعتبرت أنها الأصلح وقامت بإبادة اليهود.
هذا ما أدّى الى صراع أخلاق الكنيسة وأخلاق الأنوار المادية النابعة من الإنسان. والاتهامات التي توجهها الكنيسة لأخلاق الأنوار هي انما الأخلاق التي مصدرها الانسان الذي قد يخطئ ولكن يتساءل تودوروف هل ان أخلاق الكنيسة مصدرها الله، ومن له اتصال بالذات الإلهية ؟
كذلك الأنوار اسست لفكرة المساواة بين الشعوب وكونية الحقوق الانسانية ” ثار فلاسفة التنوير على التمييز في مجتمعاتهم وقدموا تصورات جديدة لمجتمعات متساوية كما هاجموا الرق كما فعل مونتسكيو وروسو وكوندورسيه في كتابه تأملات في استعباد السود. هذه الكونية خلقت تصورات جديدة للحياة البشرية يمكن أن نقول إن العولمة اليوم تحقيق لها ولا ننسى أن كانط كان قد طالب بتحقيق هيئة الأمم المتحدة منذ القرن الثامن عشر.”
يتحدث كذلك تودوروف عن الاستقلالية
بما أن الأنوار رفعت شعارا” استعمال العقل. وان يفكر الانسان بنفسه وأهم نص هو لكانط ما هو التنوير؟ حيث اعتبر كانط ان العصر هو عصر النقد.
بالنسبة لروسو انتقل بالفكر من ربانية السلطة الى سلطة الشعب الى الإرادة العامة. بمعني أسس لاستقلالية الشعب.
استقلالية الفرد. إن الفلاسفة الذين بلوروا مطلب الاستقلالية صنفان صنف الاستقلالية الفردية والاستقلالية الجماعية. وطرحت خطورة استبداد الجماعة والشعب على حرية الفرد وكان هناك تخوف من انتقال إرادة الشعب الى استبداد
الأنوار اهتمت باستقلالية الشعب والأخر ضدّ الحكومات ولكن لم تكن تعي ما يحصل اليوم من أن بعض الأفراد قدّ يمارسون الاستبداد قديما. بعض الأفراد بإمكانية ضخمة قدّ تتحكم بمصائر الشعوب. والسلاح أصبح غير كاف ليدافع عن سيادة الوطن فقد أصبح رؤوس الأموال بزر واحد يغرقون شعب في الديون ويرفعون في نسبة البطالة من وراء حواسيبهم والإرهاب تحركه بعض أفراد تتحكم في مصائر الدّول. وأصبح هاتف جوال قادر على تنفيذ تفجير إرهابي.
الإرهاب أفراده تأتي من دول مختلفة دون أن يمثل الإرهاب بلدا. وأفراد إرهابية بدون جنسيات.
الإعلام: قرارتنا أصبحت تؤخذ من خلال معلومات يقدمها لنا الإعلام. المال أصبح يشتري أكبر القنوات الإعلامية
الفرد فقد حريته أمام سلطة الرأي العام الذي تتحكم فيها سلطة المال عبر الإعلام.

تودروف كأنه فولتر العصر :
يدافع تودروف عن قضايا إنسانية لموطنين لا ينتمون لي بني جلدته يدافع عن العراق من الهجمة الاستعمارية ويدافع عن العراقي منذر الجمدي الذي توفي في سجون التعذيب كأنه مستأنفا روح الأنوار التي تجسدت في دفاع فولتر عن المواطن كلا الذي اتهمه المتعصبون بقتل ابنه حتى لا يعتنق المذهب الكاثوليكي.

“كما يؤكد تودوروف يحتاج اليوم إلى إعادة تأسيس إعادة من شأنها أن تحافظ على إرث الماضي لكن مع إخضاعه إلى مراجعة نقدية وذلك بمكافحته مكافحة ثاقبة بالنتائج التي أدى إليها سواء رغبنا فيها أم لم نرغب”

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023