كتب د. رحيم هادي الشمخي: سقف الدين الأميركي..أزمة داخلية تستغلها واشنطن لتهدد بها العالم..!

كتب د. رحيم هادي الشمخي: سقف الدين الأميركي..أزمة داخلية تستغلها واشنطن لتهدد بها العالم..!

منذ ثلاثة أشهر تقريباً بدأت الأخبار والتقارير تتواتر من الولايات المتحدة الأميركية، عن أنها مقبلة على أزمة كبيرة فيما يخص سقف الدين الذي وصل إلى 31.4 تريليون دولار في كانون الثاني الماضي، هو مستوى غير مسبوق تحول إلى أزمة سياسية متصاعدة بين الحزبين الرئيسين، الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي جو بايدن، وخصمه الرئيسي الحزب الجمهوري.
وقبل الاستطراد، لنعرض شرحاً مبسطاً حول أزمة سقف الدين، في جملة أسئلة وأجوبة؟

1- ما هو سقف الدين الأميركي؟

هو الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للحكومة الأميركية اقتراضه لسداد التزاماتها المالية بموجب الميزانية كمدفوعات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.

2- لماذا تلجأ الولايات المتحدة للاقتراض؟

لأن الولايات المتحدة تنفق أكثر مما تحصل عليه فهي تلجأ إلى الاقتراض.. وللاستدانة تصدر وزارة الخزانة الأميركية أوراقاً مالية مثل السندات الحكومية والتي تسدد قيمتها في النهاية مع الفائدة، ولكن عندما تصل الحكومة الأميركية إلى أقصى الحد المسموح به من الاقتراض فإن وزارة الخزانة الأميركية لاتستطيع إصدار المزيد من السندات مايجعلها تتخلف عن تنفيذ التزاماتها التي تتضمن سداد الديون السابقة، لذلك يجب رفع الحد الأقصى للدين من أجل الحصول على قروض جديدة.

3- الهدف من رفع سقف الدين؟

هو مناورة تشريعية تسمح لأكبر اقتصاد في العالم بمواصلة دفع فواتيره ومستحقاته لدائنيه، والأجور لموظفيه. ووصل سقف الدين بداية هذا العام إلى مايزيد على 31 تريليون دولار وهو ما يُعد رقماً قياسياً لكل الديون السيادية في العالم بالقيمة المطلقة.

4- من هي الجهة المسؤولة عن رفع سقف الدين؟

الكونغرس هو الجهة المسؤولة عن رفع سقف الدين منذ أن تم العمل به في الولايات المتحدة في عام 1917. وفي عام 1939 تم دمج جميع أنواع الديون تحت سقف دين واحد يتم تحديد حد أقصى له.. ومنذ عام 1960 جرت مراجعة نظام سقف الديون حوالى 80 مرة. وخلال العام الماضي تم رفع سقف الدين ليصل إلى 31 تريليون دولار، ويجب على إجمالي القروض ألا يتجاوز هذا المبلغ، ولكن في النهاية تم تجاوزه بصورة خطيرة.

5- ماذا يعني التخلف الكلي عن السداد؟

هو ألا يبقى لدى الحكومة أي شيء على الإطلاق لتسديد ديونها، وبحسب الاقتصاديين فإنه في حالة الولايات المتحدة فإن الحديث يكون عن مخاطر التخلف عن السداد تقنياً عندما لا يكون هناك مال في لحظة معينة، ولكن بعد ذلك يتوافر، أي إن التخلف التقني هو نوع من التوقف المؤقت.. بمعنى أن تسديد قيمة السندات الحكومية الأميركية سيتأخر فقط.

6- هل واجهت الولايات المتحدة وضعاً مماثلاً في السابق؟

كان ذلك في عام 2011 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ما أدى إلى تخفيض تصنيفها الائتماني حيث سادت شكوك حول إمكانية رفع سقف الدين وانعكس ذلك تقلبات كبيرة في الأسواق.. وتكرر ذلك أكثر من مرة في سنوات لاحقة ولكن ليس بالصورة نفسها وغالباً ما كان ينتهي الأمر باتفاق يجري الترتيب له على عجل في الساعات الأخيرة من التفاوض من ثم تجنب التخلف عن السداد، لكن المخضرمين في تلك المعركة يحذرون من أن الوضع الحالي أكثر خطورة نظراً لاتساع هوة الانقسامات السياسية.

7- أين تذهب أموال الميزانية الأميركية؟

تذهب لدعم برامج إنفاق مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والتي تشكل ما يقارب من نصف الميزانية السنوية الإجمالية، فيما يستحوذ الإنفاق العسكري على الجزء الأكبر.

8- لماذا لم يتم رفع سقف الدين؟

لايزال الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس يسجلون فشلاً في التوصل إلى اتفاق حول سقف الدين، ففي نهاية نيسان الماضي مرر الجمهوريون مشروع قانون في الكونغرس لرفع سقف الدين بمقدار 1.5 تريليون دولار، لكنه في ذات الوقت تضمن تخفيضات في الإنفاق بمقدار 4.8 تريليونات دولار. وهم يشترطون الموافقة على التخفيضات لرفع سقف الدين.. فيما يرفض الديمقراطيون التفاوض حول التخفيضات، معتبرين أنه يجب على الجمهوريين طلب تخفيضات الإنفاق عند التفاوض على الميزانية وليس سقف الديون.
وكان البيت الأبيض أعلن مؤخراً أن الرئيس جو بايدن لا ينوي التفاوض على رفع سقف الدين العام، وذلك بعد اجتماعه مع قادة الكونغرس يوم الثلاثاء الماضي. حيث قالت جان بيير المتحدثة باسم البيت الأبيض: الرئيس كان واضحاً للغاية في هذا الصدد ولم يتغير شيء، نحن لا نتفاوض بشأن سقف للديون، هذا يجب أن يتم من دون شروط.

9- ما هي أشكال الديون التي تحصل عليها الولايات المتحدة وكيف يتم سدادها؟

أبرز أشكال الديون تكون على شكل، إما سندات، أو أوراق نقدية، أو فواتير. ويتم تسديدها وفقاً للمدة المتفق عليها، فهناك ديون يتم تسديدها خلال أيام، وأخرى خلال 30 عاماً. وترتبط فوائد الديون بنوع الدين الذي يتم الحصول عليه.
ورغم أن رفع سقف الدين يساهم في تسهيل عمل الحكومة من خلال توفير الأموال اللازمة لتنفيذ التزاماتها إلا أن رفعه بصورة كبيرة جعله يتحول إلى أزمة يتقاذفها السياسيون، وهذا ما دفع وزارة الخزانة إلى أن تطالب بإلغاء سقف الدين بصورة كاملة لتصبح الحكومة قادرة على اقتراض أموال بلا حدود..

10- هل من نتائج ترتبط بعدم رفع سقف الدين إضافة إلى عجز الحكومة عن أداء التزاماتها، أو خفض التصنيف الائتماني؟

النتائج تتجاوز ذلك إلى حدوث صدمة لسوق المال الأميركي، وفقدان ملايين الوظائف، ورفع أسعار الفائدة وزيادة تكلفة الاقتراض، وارتفاع الدين القومي، وصولاً إلى حدوث ركود اقتصادي.
وفي حال استمرت الأزمة وتفاقمت، فإن ذلك ستكون له آثار سيئة على المستوى العالمي، خاصة في الدول التي يرتبط اقتصادها بالدولار الأميركي، وهذا سيقود إلى اهتزاز الثقة به بصورة تجعل المستثمرين يُقدمون على بيع السندات الدولارية ما يَنتج عنه خفض قيمة الدولار.
ولأن الدولار يمثل نسبة كبيرة لاحتياطيات العملات الأجنبية في العالم، فإن ضعفه سيؤدي إلى إضعاف الاقتصادات التي تعتمد عليه وإحداث اضطرابات في العديد من أسواق المال حول العالم.

11- أين يكمن الخلاف الأساسي بين الجمهوريين والديمقراطيين؟

حسب ما هو معروف فإن الخلاف يرتبط بمبادئ الحزبين، إذ يميل الديمقراطيون إلى دور أكبر للحكومة يعتمد على زيادة الإنفاق الحكومي في العديد من المجالات أبرزها الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي… فيما يرى الجمهوريون العكس ويطالبون بالحد من دور الحكومة وتقليص إنفاقها.

12- الآن.. نأتي للسؤال الأهم، كيف سينعكس كل ذلك على العالم؟

يوم الخميس الماضي حذر بايدن من أن تخلف الولايات المتحدة عن السداد سيُولد صعوبات ومشاكل تطول جميع أنحاء العالم، وقال خلال حضوره ملتقى في نيويورك: إذا تخلفنا عن سداد ديوننا، فإن العالم كله سيواجه مشاكل.
وقبل ذلك بأيام ومن أجل دفع الجمهوريين إلى الموافقة على رفع سقف الدين، سعت إدارة بايدن إلى التخويف من الصين وروسيا، حيث قال بايدن إن الصين تأمل أن تخفق بلاده في رفع سقف الدين العام ما سيدفع بالاقتصاد الأميركي باتجاه «الفوضى».
وكانت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، أفريل هاينز، حذّرت بدورها من أن الصين وروسيا تسعيان إلى الترويج بأن نظام الولايات المتحدة يشوبه خلل. وأعربت هاينز خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ عن اعتقادها بأن «روسيا والصين ستسعيان إلى تصوير الأمر عبر حملات إعلامية على أنه يشكّل برهاناً على الفوضى في الولايات المتحدة».
في هذا الوقت، ينقسم الاقتصاديون بين فريق يرى أن مسألة التخلف عن السداد ليست سوى لعبة داخلية، بمعنى عملية ابتزاز بين الديمقراطيين والجمهوريين، ويقولون: «إنها أشبه بمحاولة نكز الكونغرس بعصا حتى يتحرك» ويضيفون: «في ظروف النظام القانوني الأميركي، تحتاج، من أجل زيادة تأثير حزبك، إلى تخويف الناخبين، ولهذا السبب نرى هذا العرض الدرامي كل مرة».. مع ذلك فإن هذا لا يعني أن الاقتصاد الأميركي على ما يرام، إذ بدأت الصناعة تجلب دخلاً أقل هذا عدا عن الأزمة المصرفية التي تتسع وتتعمق. فيوم الإثنين الماضي أعلن 722 بنكاً أميركياً عن خسائر تجاوزت الـ 50% في رأسمالها. وتقدر حالة 31 من هذه البنوك بأنها كارثية، وذلك بحسب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
الفريق الثاني يرى أن هذه الأزمة ستؤثر بالتأكيد على الاقتصاد العالمي ككل، ولأن أياً من الجانبين، الديمقراطيين والجمهوريين، لا يبدو أنه سيتنازل للآخر فإن العالم على موعد مع «صيف اقتصادي ساخن».

كاتب وأكاديمي عراقي

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023