كتب محسن النابتي: مأساة السكر…جريمة مافيا التوريد من الطرابلسية للطرابلسية الجدد

كتب محسن النابتي: مأساة السكر…جريمة مافيا التوريد من الطرابلسية للطرابلسية الجدد
أزمة السكر التي تعيشها تونس هي تعبير واضح وفاضح عن عملية الاغتيال الاقتصادي الذي تعرضت له تونس منذ أن بدأت تظهر سيطرة مافيا التوريد مع الطرابلسية في عهد بن علي، والسكر كما غيره من القطاعات الانتاجية كان الضحية،فالسكر اليوم ليس مجرد منتوج هامشي وانما قطاع استراتيجي ومادة حيوية في كل دول العالم فالسكر مادة محددة في قطاعات انتاجية واسعة وفقدان مادة السكر يمكن أن يحدث شلل اقتصادي،ومع ذلك وفي الوقت الذي توجهت دول الجوار الى انتاج هذه المادة وتحقيق اكتفائها الذاتي منها على غرار المغرب والجزائر ومصر وتركيا،ذهبت تونس في الاتجاه العكسي تماما حيث خربت القطاع بشكل كامل وآل الأمر الى ما نحن عليه الآن.
بدأت المأساة مع معمل السكر بباجة الذي كان كافي لتحقيق اكتفاء تونس الذاتي من المادة الذي يصل الى 500 الف طن،والبداية كانت من قبل مافيا التوريد في زمن بن علي المتمثلة في عائلة الطرابلسية حيث قرروا القضاء على سلسلة الانتاج من خلال كسر اهم حلاقاتها وهي زراعة اللفت السكري،حيث كان المعمل حلقة مركزية في سلسلة متكاملة تبدأ بزراعة الفلاحين لمادة اللفت السكري الذي يشتريها المعمل ويصنعها وكان يساهم مساهمة كبيرة في الزراعة والحصاد حيث يحتكم على امكانيات محترمة من الآلات وخبرات،والى جانب انتاج مادة السكر كان المعمل يمد الفلاحين بكميات اعلاف مجانية حيث يمثل ما يفرزه المعمل من مادة اللفت السكري مادة علفية ممتازة خاصة لقطاع المواشي وانتاج الحليب اساسا حيث يضاعف منتوج القطيع بشكل كبير،كذلك زراعة اللفت السكري لها تأثير ايجابي على مردودية التربة فالهكتار الذي يزرع لفت سكري في السنة يتضاعف انتاجه من الزراعات الأخرى كالقمح او الشعير او غيرهما لأن اللفت السكري ينضف التربة.
اذن كنا أمام سلسلة انتاج متكاملة فلاح لفت سكري وتربية ماشية ومصنع ونتيجة مادة السكر محليا ومردودية في انتاج الحليب واللحوم وتضاعف انتاج في منتوجات اخرى نتيجة مردودية المادة على التربة. ماذا فعلت العصابة حينها قامت بكسر السلسة من خلال اتخاذ قرار توريد المادة من البرازيل والتخلي عن الانتاج المحلي من مادة اللفت السكري تحت ذريعة ان توريد المادة الأولية من البرازيل وتصنيعها في تونس سيكون اقل تكلفة.
النتيجة انهيار قطاع الانتاج في تونس في هذا المجال حيث تأثرت بقية السلسلة الانتاجية بالكامل وبدأت بعد تصفية قطاع الانتاج عملية تصفية المعمل نفسه جراء الفساد وشركات المناولة ومافيا النقل حيث كما حصل مع الفسفاط تم تعطيل سكة الحديد وتعويضها بالنقل البري وغيرها وظل الوضع يتفاقم بتفاقم هيمنة مافيا التوريد على كل الاقتصاد التونسي الى أن وصلنا الى الانهيار التام.
في مقابل انهيار القطاع في تونس وتدمير المصنع انجزت المغرب 8 مصانع كبرى لانتاج السكر واطلقت الجزائر برنامج وطني لزراعة اللفت السكري يشرف عليه الرئيس تبون شخصيا وقامت مصر باضافة 10 الاف هكتار وانجزت اكبر مصنع سكر في افريقيا،وتركيا ضاعفت انتاجها مئات المرات حيث تحتكم الآن على 33 مصنعًا للسكر،15 منها مملوكة للدولة و12 منها مملوكة للقطاع الخاص و 6 منها مملوكة لتعاونيات الفلاحية حيث تساهم مصانع التعاونيات بحوالي 37 % من الانتاج وهو أمر يستحق التوقف عنده فلماذا ليتم تركيز شركات تعاونية بين الفلاحين تشكل سلسلة انتاجية كاملة من زراعة اللفت السكري حتى المصنع وعملية التوزيع …فشركة مصانع قونيا للسكر في تركيا المساهم الرئيسي فيها هي جمعية قونية لمزارعي بنجر السكر ،التعاونية التي تضم في عضويتها 46000 مزارع.
الحل في تونس :
الحل ليس في التوريد لا من الجزائر ولا من الهند وان كان الآن أمر لابد منه مؤقتا،وحتى عودة المصنع للانتاج لا تحل المشكل باعتبار ان المادة الأولية سيتم استيرادها سواء من الهند او البرازيل او غيرها والحل هو في اجراءات حاسمة تتمثل في :
– قرار بعودة سلسلة الانتاج متكاملة وهي المصنع والفلاحين
– تطهير الشركة من الفساد وشركات المناولة وتعصيرها آلاتها وعودة سكة الحديد للعمل والقضاء على مناولات النقل وكل العصابات التي تمترست داخل الشركة ودمرتها.
– تمكين الفلاحين من اسهم في شركة السكر بعد تنظيمهم في تعاونية على غرار شركة قونيا في تركيا.وتشجيع الفلاحين على العودة للانتاج في اللفت السكري.
شارك على :

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023