كذبة “ناقلة النفط” السعودية لم تنطلي على أحد

الدكتور بهيج سكاكيني |

عش الدبابير ومصنع الارهاب في المنطقة والممول الرئيس للفكر التكفيري الوهابي إدعى قبل فترة وجيزة ان الحوثيين في مدينة الحديدة قد قاموا بضرب سفينة ناقلة نفط سعودية في البحر الاحمر. وشنت الصحافة السعودية وغيرها من الصحف الصفراء والكتاب المرتزقة في المنطقة حملة شعواء على استهداف “ناقلة النفط” بصاروخين مشيرة الى ان هذا التطور بات يهدد الملاحة الدولية في البحر الاحمر وخاصة مضيق باب المندب الاستراتيجي والذي يمر من خلاله يوميا ما يقرب من ربع احتباجات العالم من النفط للاسواق العالمية. وأعلنت السعودية بعد الحادث مباشرة انها ستوقف تصدير النفط عبر مضيق باب المندب.

وكان احد الاهداف من هذه الحملة المسعورة هي دفع الدول الاوروبية على وجه التحديد وبضغط من الجانب الامريكي أن تعمل على مساعدة السعودية والامارات على الاستيلاء على الحديدة عسكريا ودبلوماسيا عبر المحافل الدولية الى جانب إعتبار ان إيران الدولة المسؤولة عن هذا الحدث وبالتالي إمكانية ان تتولد رغبة أوروبية بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقع من قبل الدول الكبرى مع إيران بشأن برنامجها النووي أسوة بما فعلته الادارة الامريكية. وكانت السعودية تسعى الى ان يقوم مجلس الامن بإصدار قرار يدين فيه الاعتداء على “ناقلة النفط” طبعا متضمنا إدانة لايران وربما الدعوة الى التدخل العسكري المباشر من قوات حلف الناتو ( القوى الضاربة لما يسمى بالمجتمع الدولي كما حدث في ليبيا عام 2011) او غيرها للاستيلاء على المنطقة الساحلية اليمنية المحاذية للبحر الاحمر أو فرض سيطرتها على الاقل على الحديدة بإستخدام القوة.

كان هنالك حالة استغراب بعد الحادثة فدول الاتحاد الاوروبي لم تتحرك كما كان المأمول بها بحسب التقدير السعودي “لخطورة الموقف” على إمدادات البترول العالمية ولم تصدر بيانا الا بعد يومين من الحادثة والتي تدعو فيه الاطراف الى العودة للمفاوضات وأكدت دعمها للمجهودات التي يبذلها المبعوث الدولي في اليمن وحتى الولايات المتحدة لم يصدر عنها ردة الفعل التي كانت تنتظرها السعودية. بالاضافة الى ذلك لم نرى اية ردود فعل هستيرية او قلقة في اسواق النفط العالمية ينعكس بإرتفاع اسعارها بل على العكس من ذلك رأينا انخفاضا طفيفا في سعر البرميل في الاسواق العالمية. وكان هذا مستغربا جدا بعد أن اعلنت السعودية التي تصدر أكثر من عشرة مليون برميل نفط يوميا الى الاسواق العالمية انها ستوقف تصدير نفطها عبر مضيق باب المندب.

وامام الرد الفعل الغربي الباهت والمخيب للامال السعودية تحركت اجهزة الاعلام الرسمية والدبلوماسية السعودية في محاولة يائسة لحث “المجتمع الدولي” ومجلس الامن على التحرك في الاتجاه الذي رسمته السعودية من وراء الاعتداء على “ناقلة النفط” السعودية في البحر الاحمر.

قام مندوبها في الامم المتحدة السيد عبدالله المعلمي بتوجيه رسالة الى مجلس الامن الدولي متهما إياه بالتراخي وغض النظر عن تسليح إيران للحوثيين ووصف المجتمع الدولي بالتخاذل ومتهما أوروبا بالغرام مع إيران. وجندت السعودية مرتزقتها الاعلاميين في جريدة الشرق الاوسط وعكاظ للتهجم على مجلس الامن وعلى الامين العام للامم المتحدة متهمة إياهم بالتآمر والوقوف في وجه قوات التحالف العربي للاستيلاء على الحديدية ومغازلة قوات صنعاء. كل هذا إن دل على شيء فهو يدلل على الهستيريا السعودية التي بدأت تتصرف كمن لسعتها افعى فقد غاب عن السعودية على ما يبدو كل هذا الدعم الغير متناهي لوجيستيا وتمكينها من الحصول على أفضل ما انتجته مصانع الاسلحة الامريكية والبريطانية على وجه التحديد التي لم يستثنى منها حتى القنابل العنقودية الفسفورية الحارقة المحرمة دوليا لحربها المجرمة على اليمن التي بدأتها في مارس من عام 2015. هذا عدا عن الدعم السياسي والبدلوماسي في المحافل الدولية وتجنيبها المحاكمة في محكمة الجنايات الدولية كمجرمة حرب لاقترافها المجزرة تلو المجزرة في اليمن.

السعودية والامارات فشلت فشلا ذريعا في تحقيق النصر على الشعب اليمني وتركيعه وسلب قراره السياسي وسيادته على اراضيه وببساطة وبصريح العبارة ان تصبح اليمن مستعمرة تتقاسم فيه السعودية والامارات النفوذ في اليمن بالكامل. وهذا تحت الذريعة الكاذبة والممجوجة والمملة وهي “عودة الشرعية” الى اليمن ومحاربة “التمدد والنفوذ الايراني” تارة و “النفوذ الشيعي” تارة اخرى في المنطقة. السعودية تعطي لنفسها الحق في التدخل المباشر والغير مباشر في اليمن وسوريا والعراق ومصر وليبيا وأفغانستان والانتخابات في فرنسا وبعض الدول الاسيوية …الخ وهي تريد ان تستفرد في المنطقة وان تكون القوة الوحيدة دون منازع ولهذا فهي تعادي إيران والى درجة أقل ربما تركيا. وفي سبيل ذلك فإنها تقوم بفتح خزائنها لكل من يساعدها في هذه الاستراتيجية الحمقاء من الولايات المتحدة الى اسرائيل الى بعض الدول الاوربية الى بعض الدول العربية التي تعايش ازمات إقتصادية او امنية ولم تتوانى في تجنيد مرتزقة وتكفيريين من العديد من الدول العربية كذلك من دول أخرى في هذا الكون الفسيح.

وبالعودة الى إدعاء ان قوات صنعاء قد قامت بقصف “ناقلة نفط” سعودية ورد الفعل الباهت والغير متوقع من قبل الدول الاوروبية والولايات المتحدة وعدم الاستجابة الى المطالب السعودية فلقد تبين ان سبب ذلك ان الادعاء بكون القطعة البحرية التي قصفت فعلا لم تكن ناقلة نفط كما زعمت السعودية بل فرقاطة حديثة سعودية مدججة بالسلاح تديرها البحرية الملكية السعودية كما ورد في مقال حديث في مجلة آسيا تايمز كتبه ستيفن براين وهو مسؤول سابق في وزارة الدفاع الامريكية. ولقد اشار في مقاله لو انها فعلا كانت ناقلة نفط لأدى ضربها بالصواريخ الى تدميرها بالكامل بالنيران التي إندلعت بها والتي كانت محصورة للغاية بالمقارنة مع فيما إذا كانت ناقلة نفط. ومما يجب التذكير به فإن هذه ليست اول قطعة حربية بحرية تقصف من قبل الجيش اليمني فلقد تم تدمير بارجة تابعة لشركة سويفت الاوروبية التي استأجرتها الامارات لنقل عتاد عسكري ومرتزقة قدموا من دول اوروبا الشرقية في اوكتوبر من عام 2016 الى اليمن للمشاركة في الهجوم على الحديدة آنذاك ايضا. وقد تم إصابتها اصابة بالغة وقتل العديد ممن كانوا على متنها آنذاك.

على ما يبدو ان السعودية والامارات بدأت تشعر بأن هذا المجتمع الدولي وبالرغم من حصوله على مئات المليارات من خلال صفقات الاسلحة معها انها قد بدات تشكل لها عبئا سياسيا وأخلاقيا امام الراي العام في بلدانها وأنها اي البلدان الغربية بدأت تفقد القدرة على الدفاع عن المجازر التي يرتكبها التحالف السعودي وبدات تشكل لها حرجا في المحافل الدولية. فالصور التي باتت تنقل مباشرة من المناطق المنكوبة بفعل هذا العدوان العاهر لا تستطيع اية قوة في العالم ان تقف متفرجة عما يجري من عملية إبادة يومية. وفعلا هنالك مقالات بدأت تظهر في الصحافة الرسمية الغربية التي تدين هذه المجازر ليس من باب أخلاقي بل من باب القاء اللوم على السعودية والامارات والتغطية عن مشاركة هذه الدول الغربية في حرب الابادة التي يتعرض لها شعب اليمن.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023